اقلام حرة

آخر ما تحتاجه مصر في ذكرى ثورتها

لم تُحدث ثورة في وعي ووجدان العرب مثلما أحدثت ثورة الخامس والعشرين من يناير عام 2011 في مصر، ولم تحتشد عيون وأفئدة من كل العالم حول ثورة كما احتشدت حولها، وأحاطتها بالأمنيات الكبيرة والرهانات العظيمة، والتوقعات العالية.

لمى خاطر

ثم لم ينفطر فؤاد الأحرار لمآل ثورة عاجلها انقلاب دموي كما حدث مع ثورة يناير، فنهايتها الأليمة أحدثت في النفوس المراهنة عليها جرحا لم يزل ينزف، وينزّ منه الوجع كلما تقلب يمنة أو يسرة وفجعته أخبار مصر في ظل الانقلاب، وما صنعه فيها الأراذل الذين غصبوا الحكم وسيطروا على السلطة، وارتدوا بمصر عقوداً إلى الوراء، حتى صارت مضرب المثل في العجائب والنقائص، سياسياً وإعلامياً واقتصادياً واجتماعياً وعسكريا.

 

نقول هذا لأن مصر ليست كغيرها، ولأن من أفسدوا ثورتها وطعنوها في خاصرتها، وجففوا ينابيعها في النفوس، وأخمدوا مشاعلها الحاثة على إنكار الجور والطغيان، كانوا يعرفون تماماً أن ثورة مصر الكبيرة ستفيض كرامة على الأمة كلها، وستأخذ بيد كثير من المستضعفين إلى برّ التمرّد، وإلى شواطئ الحرية، وعلى رأسهم جيرانها في فلسطين، التي أزهرت أمنياتها وهي تتابع أحداث الثورة وتطوراتها، فنالها شيء من بركاتها منذ سقوط مبارك، وعند صعود مرسي للرئاسة، إلى أن كان الانقلاب، فعاد الحصار ليجهد غزة ويجهض أملها باتساع فسحة النور في عهد الثورات، وامتدت اليد الآثمة لتغرق أنفاقها وتهدم رفح المصرية وتهجر أهلها، بالتزامن مع معايشة عهد سوداوي من الفقر والظلم والاستبداد في مصر، بعد أن امتلأت السجون بالثائرين ورافضي الخضوع لواقع الانقلاب، ودجّن الخوف من تبقى في مصر من أنصار الثورة.

 

لن يصلح ما أفسده المتآمرون على الثورة (وبعضهم ما زال يدّعي وصلا بها) إلا ثورة أعظم وأشمل وأشدّ حسما وتطهيرا، ووضوحا وإحاطة.

 

ورغم كل ما يمكن أن يقال في ذكرى الثورة، وما يمكن تعداده من خسائر دُفعت من كرامة الأمة كلها، ومن أخطاء رافقت جميع مراحل الثورة وألْجأتها للقبول بنتيجة ناقصة وغير حاسمة لها، إلا أن آخر ما تحتاجه مصر اليوم وهي تحيي ومعها أحرار العرب ذكرى ثورة يناير أن يتجدد البكاء على أطلالها، وندْب ما آلت إليه الأوضاع من بعدها، لأن هذا فقط سيضاعف تراكمات اليأس في النفوس، ويغريها بمزيد من الصمت، ويشعرها أن ما جرى كان مزحة تاريخية ثقيلة مبكية، أو مضحكة كما تنبأ الشيخ الأسير حازم أبو إسماعيل – فرج الله كربه وإخوانه -، أو فاصلاً قصيراً تمكن من تخلل حقب الاستبداد المتتالية على مصر منذ أن حكمها العسكر وصنعوا فيها دولة الموبقات العميقة.

الشعب المصري الذي ما يزال يشهد على أنواع شتى من المهازل المتتالية يحتاج اليوم إلى من يعيد له ثقته بنفسه وبقدرته على إعادة أمجاد الثورة الحلم، بعد وعيه بكلّ المطبّات التي اعترضت طريق ثورته السابقة، وبأقصر الطرق التي يتعيّن سلوكها وصولاً لقدح شرارة التغيير الممهدة لمآلات حاسمة، وشجاعة، وواعية بما تريد وما لا تريد، وما ينفعها وما يضرّها، وما يحاصر حواصل الاستبداد ويفتتها، وما يُعيد لمصر بهاء مشهدها، ويضعها في قلب العالم العربي لا في ذيله، دوراً وأثراً وحضارة.

 

لن يصلح ما أفسده المتآمرون على الثورة (وبعضهم ما زال يدّعي وصلا بها) إلا ثورة أعظم وأشمل وأشدّ حسما وتطهيرا، ووضوحا وإحاطة، فالثورة الشاملة ليست حاجة ماسة لمصر وحدها بل لكل من حولها، ولمن تنعتق آمالهم إن تعافت مصر، وتختنق إن انتكست وهزل جسدها وقادها الآثمون إلى حتفها، وجعلوها دمية يعبث بها الأعداء ويوظفونها لتمرير صفقاتهم الخطيرة، وتشويه وعي الناس، وتخدير ضمائرهم، وإماتة روح المواجهة فيهم، وفضّهم من حول الثورات، واستثقالهم متطلباتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق