المبدع المتميز الصاعد
ملهمون ينقلون تجاربهم المؤثرة من غزة إلى العالم
في قاعة مليئة بالأضواء وحضور كبير ومميز، بدأ عدد من المؤثرين والملهمين في أعمالهم، بالتغريد خارج سرب الرتابة التي أصبحت تتمثل في جزء كبير من مجالات العمل الثقافي في قطاع غزة.
ويجتمع مفكرون ومثقفون وكتاب ونقاد وشخصيات مهتمة بالعمل الإبداعي، في فعالية سنوية تقام حول العالم تحمل عنوان “TEDx“، ليستمعوا لترانيم الحياة من حولهم بشكل مختلف مكونين لغة جديدة، ومستقبلًا ملونًا، لإعطاء الحلم صبغة جدية من الفرح حتى تحقيقه.
وتهتم هذه المؤتمرات التي تحمل شعار “أفكار تستحق الانتشار” وانطلقت في كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأميركية عام 1990، بعرض الأفكار والتجارب الإبداعية والمبتكرة والملهمة لأشخاص ناجحين، عن طريق منحهم من 4-18 دقيقة لعرض تجربتهم.
وصعد المتحدثون تباعًا على المنصة التي أقيمت في جامعة فلسطين وسط قطاع غزة المُعدّة بإضاءة خاصة، حيث بدأت الشابة جمانة الشوا (17 عامًا) برواية قصتها مع مرض السرطان، وكيف تعايشت معه برفقة القلم والكتاب، وصولاً إلى الشفاء التام من المرض.
وقالت مخاطبة الجمهور : ” عندما تواجهون المصاعب في حياتكم، لا تدعوا أحد يقول لكم مثل ما قال لي دكتوري: كان لازم أهلك يبدلوا حرف الـ “م” إلى “ب” ويكون اسمك جبانة”.
وتبع جمانة وصلة من الأناشيد الوطنية على أنغام العود برفقة الفنان إسماعيل داوود، أحد متحدثي “TEDx” الذي لا يعتبر الموسيقى مجرد شغف أو موهبة، بل رسالة يريد نقلها في عقول ومنهاج الشعوب العربية، لتصبح مادة أساسية تدرَّس في الجامعات والمدارس.
“علاج المرض هو العلاج الروحي” بهذا تؤمن الأم الحنون صفاء حامد ومهندسة الحاسوب والفنانة التشكيلية، حيث روت قصتها مع ابنتها المريضة بمرض “السيبا” النادر، وكيف أصبحت أداة لتساند أكثر من ١٠٠ عائلة لديها أمراض نادرة.
أما جامعة “كيب تاون” فقد كانت المحطة الأولى من محطات التفكير الجدي للدكتور صائب العويني، لإيجاد علاج لسرطاني الجلد والثدي، وذلك بعد حصوله على الدكتوراة من هناك، فعاد ليصبح رئيسًا لقسم الأحياء بالجامعة الاسلامية، مؤسسًا أول مختبر ومجموعة بحثية من علماء متخصصين في أبحاث السرطان، ويقول “لم أخض هذه المسيرة وحدي، بل مع زوجتي المميزة وخمسة من الأبناء الرائعين”.
ويصعد السياسي أحمد يوسف المنصة بصحبته قلم الرصاص الذي رافقه لأكثر من 70 عامًا، سعيًا منه لتعزيز مبدأ التعايش وتغيير التفكير النمطي عن الإسلام وفلسطين في الغرب، ملخصًا الكثير من مراحل حياته بقوله “سافرت إلى بلدان مختلفة متنقلًا بين وظائف عديدة رغم أنني من المخيم ولم أكن أتخيل أنه هناك بلاد وأماكن أجمل من غزة، ثم استقريت عائدًا إلى غزة لأنتقل للعمل الأكاديمي والدراسات البحثية في معهد بيت الحكمة”.
“صديقتي كانت نِعمَ الرفيقة، بجانبي دومًا، قبل بتر قدماي كنا نسير معًا، يوم أصبت كانت معي، وبعد أن أفقت من إصابتي نظرت إليها فوجدتها بانتظاري”، بهذه الكلمات افتتح المصور الصحفي مؤمن قريقع كلامه عن كاميرته، كشخص يؤمن بالحياة وينظر إلى نفسه أنه الوجه الجميل لأبناء شعبه، حاملًا شعار “الأحلام لا تحتاج إلى أقدام، بل إلى إقدام”.
وترى المتحدثة إسراء المدلل نفسها صاحبة قضية عادلة رغم أن بريطانيا كانت مفتوحة لها كـ “وطن ثان”، معتبرة أن معاناة أبناء وطنها قصة إنسانية لا تحتاج أن تظهر في مظهر خيالي أو أدبي، بل واقعًا يصف نفسه بنفسه ولا يحتاج إلى إضافة صبغة إبداعية لتعطيه قيمته وتظهره، وتختتم حديثها بـ “نحن قضية كل إنسان يفتقد الحرية والوطن”.
وتعتلي الفارسة هبة الله شاهين من مواليد عام 2000 المنصة بصوت جريء وبسعادة، لتقول للحضور والعالم “لا للمستحيل”.
وعن ارتدائها أول طرف صناعي بعمر ١١ شهرًا، تخاطب الجمهور “هذه كانت المواجهة الأولى بيني وبين الحياة التي قادتني لما هو أقوى من الإعاقة، نعم كانت ولادتي غير طبيعية لكني أحلم بالعالمية في ركوب الخيل وأكون أول فارسة تمارس هذه الرياضة في الشرق الأوسط من ذوي الإعاقة”.
أما علياء عطيش، فقد كانت تبحث عن سعادتها من خلال محاولة إرضاء الآخرين، مجاريةً العادات والتقاليد، وملتزمة بقوانين العمل والدراسة ومتطلبات الحياة الاعتيادية.
وبعد تخلصها من هذه الأغلال تقول “لقد نجوت.. الآن أنا أكثر قدرة على المواجهة وفرض ثقافتي الخاصة، أن أنال على حريتي، فأنا أنال سعادتي”.
ويظهر عاشق المختبرات العلمية الشاب صلاح الصادي، الذي يحب تلوين الحياة باللون الأخضر، وتحدث عن تجاربه التي تعتمد على تبديل المواد الكيميائية المضرة في العمليات المخبرية بمواد طبيعية مفيدة للإنسان والبيئة.
وقد استطاع الصادي اكتشاف الكثير من المعلومات والمواد والتجارب التي يمكن أن يكون لها مستقبل في غزة، مؤكدًا “أنا مصر على ذلك”.
ومن بين الرماد والحرب، يتنقل اسم الفنان شريف سرحان، بين الولايات المتحدة الأمريكية والبرازيل والنمسا وألمانيا والشارقة والقاهرة وقطر والعراق وفرنسا وايطاليا وغيرها من البلدان، لينقل فنه وصوره في المعارض.
ويقول “استطعت تحويل الخردة إلى عمل فني، ونقلت الفن من المعارض إلى الشارع”، لهذا أصبح حديثًا يشي بالسعادة للمارة والمتجولين أمام أعماله أينما وجدت.
وقد أثبت المتحدثون عبر منصة “TEDx” من فلسطين، أن الحزن يبتسم رغم كل شيء، ويُهزم أمام الإرادة العالية، لاسيما وأن هناك شبابٌ فلسطينيّ يستمر في إلهام العالم بقصص نجاحاته وتميزه.