مقالات

لاستعادة تاريخنا بقلم أ .د . عبد الحفيظ الندوي

“أمة نسيت تاريخها” – بهذه الكلمات وصف الشاعر شوقي الأمة الإسلامية بأسرها، مشيرًا إلى أننا نسينا ماضينا وحاضرنا. مصطلح “تاريخ” الذي استخدمه الشاعر يعني “الزمان” و”الماضي”. لقد نسينا كليهما. حتى مجرد التفكير في التقويم الإسلامي أصبح أمرًا ثانويًا.
حتى المملكة العربية السعودية، المعروفة بخادمي الحرمين الشريفين، بدأت خطة تحول تحت اسم “رؤية 2030″، وتحولت بشكل كامل إلى التقويم الميلادي لجداول رواتب موظفي القطاع العام. وقد أدى ذلك إلى تراجع الوعي بالتقويم الهجري بين المسلمين هناك . في العالم الحديث، تستخدم معظم الدول الإسلامية التقويم الميلادي للأغراض المدنية. اليوم، إذا سألت أي شاب متدين في بلدنا عن التاريخ، فسيقول لك تاريخ التقويم الميلادي (المتداول).
التقويم القمري
التقويم الهجري، علاوة على كونه أداة لتحديد التاريخ، هو أيضًا عبادة. من واجب كل مسلم أن يفهم كيف يشكل هذا التقويم قدسية الوقت في التراث الإسلامي. هذا الوعي يدفعنا للتفكير في الوضع الحالي للمجتمع المسلم وتشجيع إحياء التقويم الهجري.
تظهر مبادئ التقويم الإسلامي كمعيار للوقت في القرآن والسنة. يلعب التقويم الإسلامي (الهجري) دورًا حاسمًا في احترام شعائر الله. وهذا الاحترام والتقدير لهذه الشعائر فإنه من تقوى القلوب.
يستخدم هذا التقويم لجميع العبادات السنوية في حياة المؤمنين مثل الزكاة، وصوم رمضان، والحج. كما يجب مراعاة التقويم الهجري في تحديد فترات مثل العدة وحولان الحول (المدة الزمنية للزكاة).
يتكون التقويم الإسلامي من ثلاثة عناصر رئيسية:
أ) اثنا عشر شهراً قمرياً: يُحدد كل شهر بميلاد قمر جديد. هذه الأشهر هي: محرم، صفر، ربيع الأول، ربيع الآخر، جمادى الأولى، جمادى الآخرة، رجب، شعبان، رمضان، شوال، ذو القعدة، وذو الحجة. يقول الله في القرآن الكريم: “إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ” (التوبة: 36).
على الرغم من أن أسماء وترتيب هذه الأشهر كانت موجودة قبل الإسلام، إلا أنها تعرضت للتغيير بمرور الوقت. وقد خضع هذا التقويم لـ”النسيء” (التأخير أو التقديم) في عدة مناسبات. وقد ذكر النبي ﷺ في خطبة الوداع أن كل ذلك عاد إلى ما كان عليه: “إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ…”
ب) أربعة أشهر حرم: هذه الأشهر هي محرم، رجب، ذو القعدة، وذو الحجة. “إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ” (التوبة: 36).
في هذه الأشهر، تكون الذنوب أشد خطورة، وتكون الحسنات ذات أجر أعظم والحرب فيها حرام .
ج) رمز الهجرة: يمثل هجرة النبي محمد ﷺ من مكة إلى المدينة في عام 622 ميلادي بداية العصر الإسلامي. السنة الأولى من التقويم الهجري (1 هـ) تستند إلى هذا الحدث.
يقول الله :
“هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ” (يونس: 5). يعتبر العلماء استخدام التقويم الإسلامي ليس مجرد أداة لقياس الوقت، بل هو شكل من أشكال العبادة.

تطور التقويم الهجري
بعد وفاة النبي ﷺ، ومع نمو الخلافة الإسلامية، أصبحت التواريخ أداة مهمة للوثائق القانونية والأمور الهامة الأخرى. ولكن، ظهرت بعض الارتباكات بسبب عدم وضوح السنة التي تسجل فيها الوثائق. في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، نوقشت هذه المشكلة، وقرر الصحابة بالإجماع تحديد هجرة النبي ﷺ كبداية للتقویم الإسلامي. قالوا عنه إن الهجرة فرقت بين الحق والباطل. كما قرروا أن تبدأ السنة بشهر محرم.
أسباب تراجع الأهمية
هناك عدة أسباب لتراجع أهمية التقويم الإسلامي. في العالم الحديث، تستخدم معظم الدول التقويم الميلادي للأغراض المدنية. على سبيل المثال ما أسلفناه في إعراض الدول العربية في تطبيق التقويم الهجري عندهم .
أهمية الإحياء
التقويم الهجري ليس مجرد أداة لتحديد الوقت، بل هو علامة على الهوية الإسلامية. تمثل هجرة النبي ﷺ تأسيس المجتمع المسلم روحيًا وماديًا. إحياء التقويم الهجري سيساعدنا على استعادة هويتنا الإسلامية، واسترجاع تاريخنا وتراثنا.
الخاتمة
من الضروري فهم أهمية التقويم الإسلامي وإدراجه في حياتنا اليومية. إنه لا غنى عنه لعبادات مثل صوم رمضان والحج. من خلال زيادة الوعي بالتقويم الهجري وتشجيع استخدامه، يمكننا تعزيز هويتنا الدينية وتنشيط نمط الحياة الإسلامي. هذا ليس مجرد رؤية تاريخ، بل هو طاعة لأوامر الله وتمجيد لعظمته.
ملاحظة: ستبدأ السنة الهجرية 1447 بمشيئة الله غداً (الخميس). كل عام وأنتم بخير لجميع الإخوة والأخوات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق