نشاطات

« قم يا ابا تراب » ****** بقلم المحامي ******* إياد أبو هواش

« قم يا ابا تراب »

بقلم المحامي إياد أبو هواش

 

ان ما اصاب أمتنا الاسلامية من ضياع وتشرذم وتفكك مردّْه إلى بعدنا وتركنا لمبادئ واخلاق أرساها المصطفى عليه الصلاة والسلام قبل أكثر من ألف واربعمائة عام .. ومن أكثر اسباب وصور تفكك أمتنا ، ولعله السبب الرئيس، هو تفكك الأسرة الناتج أغلبه عن الخلافات الدائمة بين الزوجين ، فالأسرة هي اللبِنَة التي يقوم عليها بناء المجتمع كاملا، فإذا انهدمت الاسرة انهدم المجتمع كله …

ولهذه الخلافات الزوجية أسباب كثيرة، ليست مدار حديثنا في هذا المقام، لكن هناك عوامل مساعدة ، سابقة أو لاحقة على هذه الخلافات، قد تُفاقِم من هذه الخلافات إلى مستويات ربما لا يكون فيها اي مجال لصفاء النفوس؛ فماء القلوب قد يتعكر صفاؤه ، فإما تزيد هذه العوامل من تعكيره او تزيد من صفائه، وما أقصده بالعوامل المساعدة هي تصرفات الأطراف المحيطة بالزوجين كعائلة الزوج اوعائلة الزوجة، ولأبوي الزوجة الدور الأكبر في التأثير على حياة الأسرة .

الخلافات الزوجية موجودة منذ الأزل ، حتى لا يوجد بيت على هذه البسيطة نجا منها ، حتى بيت النبوة، بيت سيد الخلق محمد عليه الصلاة والسلام لم يخلُ منها وكذلك بيوت الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، لكن الخلافات التي حصلت في بيت النبوة وكذلك بيوت الصحابة لم تكن سببا للفرقة لأن أخلاق سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام وكذلك الصحابة رضي الله عنهم كانت حائلا دون ازدياد البغضاء مع الزوجات؛ فالمصطفى عليه الصلاة والسلام أفضل من تعامل مع زوجاته وأحسن من استوصى بالنساء خيرا، والرقَّة التي كان يعامل بها زوجاته تفوق الوصف، وهو خير قدوة للبشرية جمعاء، قال تعالى « وانك لعلى خلق عظيم (4)» (القلم) ، وقد اهتدى الصحابة والتابعين بهذا السلوك المحمدي….
ومن الخلافات التي وقعت بين سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام وبين ازواجه ،ولعل أشهرها في السيرة النبوية، تلك التي قامت فيها ام المؤمنين عائشة رضي الله عنها برفع صوتها على سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام اثناء مجيء والدها سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه فهَمّ بلطمها لكنها احتمت بالمصطفى عليه الصلاة والسلام، كذلك الخلاف الذي حدث بينه وبين ازواجه حيث اشتكين من قلة الإنفاق فلم يقم بتعنيفهن بل اكتفى باعتزالهن لفترة من الزمن الى ان نزل قوله تعالى «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً (29) » ( الاحزاب) ، فاخترن البقاء مع المصطفى عليه الصلاة والسلام.
كما انه كانت تحدث مشاكل وخلافات بين الصحابة وزوجاتهم ومن ذلك بعض المشاكل بين سيدنا علي رضي الله عنه وزوجته فاطمة رضي الله عنها ، ابنة سيد الخلق وأشرفه نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، وفي إحدى الخلافات التي حدثت بينهما اضطر علي بن أبي طالب لمغادرة منزله الى المسجد لتهدأ نفسه، فعلم سيدنا محمد بهذا الخلاف من ابنته فاطمة فذهب عليه الصلاة والسلام إلى المسجد لملاطفة واسترضاء علي كرم الله وجهه فوجده مُضَّجعا وكان رداؤه ساقطا على التراب فرفعه عليه الصلاة والسلام ومسح عنه التراب بيده الشريفة وقال له “قم يا ابا تراب” مداعبا له وكان لهذا اللطف النبوي دورا في إنهاء هذه المشكلة فهو لم يعاتبه أو يراجعه أو يوبخه او يأخذ ابنته من بيتها مع انه كان قادرا على كل ذلك لكن اخلاقه صلى الله عليه وسلم التي علمها لاصحابه كانت اكبر من ان يصطفّ مع فاطمة رضي الله عنها لمجرد أنها ابنته، ابنة سيد الخلق…

لكننا مقابل هذه الأخلاق النبوية نجد في زماننا هذا ان أب الزوجة او امها او إخوانها يلجأون الى وسائل أبعد ما تكون عن هدي وسنة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، فبدلا من ان يقوموا بنفض التراب عن الزوج فإنهم يهيلون هذا التراب على رأسه؛ فيقومون بأخذ ابنتهم من بيت الزوجية للضغط على زوجها وبنفس الوقت قد يقومون بتوبيخه واهانته وزجره وضربه وقد يصل بهم الأمر لرفع القضايا عليه في المحاكم فيكون نتيجة ذلك هدم هذه الأسرة وتشتت الأبناء وضياعهم.

ونجد الكثير من الأهالي من يقدمون كل المغريات لإبنتهم للتأثير عليها ودفعها لكره المعيشة مع زوجها وتركه، كأن يَعِدُوها بإكمال الدراسة أو شراء سيارة لها او تأمين وظيفة لها براتب كبير او اسكانها في شقة مميزة بدلا من مسكن الزوجية البسيط، والبعض يعد ابنته بزوج افضل من زوجها الذي لم تنفصل عنه بعد.

والأهل بذلك يرتكبون المعاصي وخصوصا عندما يأخذونها من بيت الزوجية، فإذا كان بقاء المطلقة في بيت الزوجية لحين انتهاء العدة واجبا ، وخروجها فيه تعدٍ على حدود الله، حيث قال تعالى« ..يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ ۖ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ۚ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ۚ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا» (1) الطلاق……فكيف تغادر زوجة بيت الزوجية وهي غير مطلقة بعد !! ..ولا يجوز للزوجة مغادرة بيت زوجها لخلافٍ ما إلا لأسباب قاهرة كأن تكون هناك خشية على حياتها او شرفها.

ربما يكون الخلاف بين الزوجين هيِّنا لكنه يكبر بسوء تصرفات الأبوين، وحري أن ينظر الأب لزوج ابنته على انه ابن له، فهو الذي ارتضاه زوجا لإبنته لما ثبت له من حسن خلقه، لذا فالأب العاقل ينتهز كل فرصة لتقدير وتكريم صهره فهو أصبح جزءا من عائلته، وسمي أصلا بالصهر لأنه ينصهر ( يندمج ويذوب ) مع اهلها ويصبح كأنه أحد افرادها وجزءا لا يتجزأ من عائلتهم وهو يحافظ على شرف وعرض عائلتهم كما يحافظون، ولا ينبغي بأي حال من الأحوال التحول عن احترامه إلى تحقيره؛ فحُسن العلاقة مع زوج الإبنة ينعكس ايجابا على العلاقة مع ابنته ، والأب العاقل كذلك لا يميل مع ابنته – بسبب انها فلذة كبده – بل يحل المشكلة بينهما بالعدل لقوله تعالى« وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى (152)» (الأنعام).

صحيح ان أزواج اليوم لم ولن يصلوا – مهما التزموا خُلقيا – إلى مرتبة أخلاق سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلا أنه يجب إعمال فقه الواقع ؛ فطالما ضعفت اخلاق الرجال في زماننا فبالتأكيد في المقابل ضعفت اخلاق النساء، قال تعالى « لا يكلف الله نفسا إلا وسعها (286)» البقرة ، وقال تعالى « فاتقوا الله مااستطعتم (16)» ( التغابن ) ، بالتالي لا يُقبل ان يُقال للزوج « انت لست علي بن أبي طالب ليقال لك قم يا ابا تراب» لأنه في المقابل سيقول و الزوج لزوجته « انت لستِ فاطمة ابنة محمد » ، لكن هذا لا يُعد مبررا لتركنا أخلاق النبوة؛ فهي سفينة النجاة التي توصلنا إلى بر الأمان حيث تنحسر خلافاتنا إلى حدودها الدنيا بدلا من التفكك والانحطاط الذي أغرَقَنا منذ سنين طويلة.

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق