مقالات

ما هي الخطوات الواجب اتخاذها لتوفير الحماية الدولية للشعب العربي الفلسطيني؟ أ.د. حنا عيسى

إن المجتمع الدولي يقع على عاتقه التدخل لمساعدة الدول بحماية مواطنيها ضد الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجريمة العدوان والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والأوبئة والجوع وغيرها من الكوارث إذا واجهت الدولة صعوبات في توفير الحماية لمواطنيها بسبب العجز أو ضعف الإمكانيات، يتطلب ذلكمن الدول بناء وسائل الإنذار المبكر للأزمات، والتوسط في حالات الصراع بين أطرافه وتعزيز ما يتعلق بالأمن الإنساني، بالإضافة إلى تعبئة القوى المؤثرة باتجاه حماية الأشخاص والجماعات.

كما ينبغي كذلك من الدول المعنية ومنظمات المجتمع المدني أن تطور آليات إنذار مبكر، وأن تنبه المجتمع الدولي وتطلب مساعدته لوقف أي تدهور متوقع في الوضع الإنساني. وإذا رفضت الدولة المساعدة والتعاون، أو لم تنجح الجهود، فإن المسؤولية في الحماية تتحول إلى المجتمع الدولي الذي تقع على عاتقه مسؤولية توفير الحماية للمدنيين بكل وسيلة ممكنة، بما في ذلك التدخل العسكري المباشر.

والبعض يعترض على هذه النظرية مستندين على مبدأ هام من مبادئ القانون الدولي وهو مبدأ السيادة الكاملة والمتساوية لكل دولة من دول العالم على أراضيها ومواطنيها وعلى مبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول، كما يتخوفون من أن يساء استخدام المبدأ بحيث يصبح ذريعة للتدخل في بعض الحالات دون أخرى وربما العمل على تغيير نظام أو آخر تحت حجة مسئولية الحماية خاصة وأن الحدود هلامية جدا في العديد من القراءات لأوضاع التدخل الفعلية، ولهذا أكد ميثاق الأمم المتحدة بقوة على سيادة الدول وحماية هذه السيادة ضد أي تغول، إذ أنه هذا المبدأ يتعارض مع حق التدخل الخارجي تحت أي ذريعة سوى تهديد السلم والأمن الدوليين.

كما وينبغي على المجتمع الدولي تقديم كل العون الممكن وفي كل المجالات: سياسياً عبر الوساطة والتدخل للضغط على الاطراف المعنية، واقتصادياً بتقديم الدعم الاقتصادي أو الوعد به، وقانونياً عبر تقديم المعونة الفنية أو التدخل القضائي عبر المحاكم الدولية، وعسكرياً عبر النصح ونشر القوات احترازياً إذا دعت الضرورة.

ومن أجل إزالة المخاوف خاصة فيما يتعلق بالتدخل العسكري فإن قرارات ووثائق الأمم المتحدة تضمنت تطمينات بألا يتم تفعيل المبدأ إلا في الحالات التي تقع فيها (أو يخشى أن تقع) انتهاكات جسيمة لحقوق المدنيين، وأن تكون الأولوية للوقاية، ثم للوسائل السلمية والدبلوماسية لاحتواء الأزمة، وألا يقع أي تدخل عسكري إلا بعد استنفاد كل الوسائل الأخرى المتاحة، وأن يكون حجم التدخل متناسباً مع متطلبات الأزمة، وأن تكون إنهاء معاناة المدنيين هي الهدف الأوحد أو الأساسي من التدخل وليس أي أهداف أو مطامع أخرى.

إضافة إلى ذلك فلا بد من أن تشرك المنظمات الاقليمية في قرار التدخل وأن يكون مجلس الأمن هو السلطة الوحيدة المخولة لاتخاذ القرارات في هذا الشأن، إلا أن ازدواجية المعايير للدول المسيطرة على قرارات مجلس الأمن ناهيك عن انقسامها ضمن أقطاب تعزز مصالحها الاقتصادية أولا على حساب الدول الصغرى، جعل من فعالية وسرعة اتخاذ القرارات في مجلس الأمر أمرا شبه مستحيل في كثير من الأحيان.

وفيما يتعلق بالوضع الفلسطيني، بالنسبة لنا في فلسطين فمجلس الأمن مطالب بتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني نتيجة الغطرسة والقوة العسكرية التي تمارسها سلطات الاحتلال وتجاهلها المساعي الدولية وتحديها لقرارات الشرعية الدوليةواتخاذها إجراءات أحادية الجانب كالاستمرار في بناء المستوطنات وتوسيعها وتهويدمدينة القدس وانتهاك حقوق الشعب الفلسطيني أفرادا وجماعات وفرض الحصاروإغلاق المعابر، إذ انها كقوة احتلال تتحمل مسؤولية تدهور الأوضاع على أراضيالدولة الفلسطينية المحتلة.

وممارسات سلطات الاحتلال تؤكد أن إسرائيل غير معنية بعملية السلام وتتجاهل عنقصد الالتزام العربي بالسلام الشامل والعادل كخيار استراتيجي من خلال رفضهاالانسحاب من الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة حتى خط الرابع من حزيران لسنة1967م وعدم قبولها بالتوصل إلى حل عادل ومتفق عليه لمشكلة اللاجئين الفلسطينيينوفقا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 لسنة 1948 ناهيك عن مناداة إسرائيلالمستمر بتوطين اللاجئين ورفض إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدسالشرقية وفقا لما جاء في مبادرة السلام العربية التي أقرت في قمة بيروت سنة 2002.

والمجتمع الدولي يؤكد عدم شرعية المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة والتي تمثل انتهاكا للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة واتفاقية جنيفالرابعة ويؤكد على ضرورة التصدي لمحاولات الحكومة الإسرائيلية لتنفيذ إجراءاتأحادية الجانب وخلق وقائع جديدة على الأرض.

وان المجتمع الدولي بشخص هيئة الأمم المتحدة وعبر القرارات التي يتخذها من خلالالهيئات والمنظمات والمؤسسات الدولية يدين بشدة استمرار إسرائيل في بناءالمستوطنات ويطالب إسرائيل بالتوقف عن اعتداءاتها وعملياتها المستمرة وانتهاكهالأحكام القانون الدولي ذات الصلة، ويعمل جاهدا في الآونة الأخيرة على ضرورة إلزامإسرائيل بأحكام اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 والتحرك لاتخاذ الخطوات والآلياتاللازمة لحل النزاع العربيالإسرائيلي  وتحقيق السلام العادل و الشامل في المنطقةعلى أساس حل الدولتين وفقا لحدود عام 1967 وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة.

والعالم يجمع من خلال هيئة الأمم المتحدة على أن فلسطين شريك كامل في عمليةالسلام ويؤكد باستمرار ضرورة دعم منظمة التحرير الفلسطينية على اعتبارها الممثلالشرعي والوحيد للشعب العربي الفلسطيني في المفاوضات حول قضايا الوضعالنهائي. وقطاع غزة والضفة العربية بما فيها القدس الشرقية هي وحدة جغرافيةواحدة لا تتجزأ لقيام الدولة الفلسطينية المستقلة على كافة الأراضي التي احتلت سنة1967 وعاصمتها القدس الشرقية، ونرفض والمجتمع الدولي المحاولات والإجراءاتأحادية الجانب كافة التي تتخذها إسرائيل، لتفتيت وحدة الأراضي الفلسطينية.

والعالم المعاصر يرفض الإجراءات الإسرائيلية غير الشرعية الهادفة لتهويد مدينةالقدس وضمها والمساس بهويتها العربية الإسلامية والمسيحية، ويدين مصادرةالأراضي وبناء الوحدات الاستيطانية والحفريات الإسرائيلية أسفل ومحيط المسجدالأقصى التي تهدد بانهياره.

ويجب على المنظمات والمؤسسات الدولية المعنية تحمل مسؤولياتها في الحفاظ علىالمقدسات المسيحية والإسلامية في فلسطين بشكل عام وفي مدينة القدس بشكل خاصلما تتعرض له من هجمة شرسة من قبل سلطات الاحتلال الاسرائيلي، قطعان مستوطنيهالمتطرفين، الذين يشرعون بإحراق الكنائس والمساجد تحت أسمتدفيع الثمن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق