مطبخ همسة التراثي
شاكرية وأوزي وبقلاوة على موائد رمضان
ريحة صواني مفحفحة، وكوستليتا مشوحة، وبامية خضرا مسبكة، وفرخة رومي محمرة تسلم إيدي ياسُكرة” يقول لزوجته ظنّاً بأنها صانعةُ الروائح لتخيبَه في ردّها “الريحة دي ريحة الجيران زابطين فطورهم ع الآذان”.
مشهد أبدعه الثنائي فؤاد المهندس وشويكار في أغنية “الصيام مش كدا” التي تعتبر من كلاسيكيات التلفزيون الرمضانية، يختصر أهمية الطعام خلال شهر رمضان ومايستحوذه في بلدٍ عُرفَ بأطباق البط والحمام والمحشي التي تزدان بها الموائد هذه الأيام.
ورغم خصوصية الطعام المصري إلا أن المطبخ السوري استطاع أن يفرد مساحته على موائد المصريين خلال هذا الشهر، خاصة بعد انتشار المطاعم السورية في مصر خلال السنوات الأخيرة.
عزّز ذلك ماتتمتع به الأطباق السورية من غنىً وتنوع وطزاجة تعود إلى اختلاف البيئات الجغرافية والمناخية، فضلا عمّا قدمته تلك الأطباق من إضافاتٍ جديد للسفرة المصرية أبرزها اللبن ودبس الرمان وزيت الزيتون والتي لاقت استحساناً واضحاً.
فريكة وشاكرية ويالنجي من مطبخ “زيت زيتون”
يعمل “مطبخ زيت زيتون” في أقصى طاقته هذه الأيام تلبيةً لطلبات الولائم الرمضانية، تؤكد لينا كساح مسؤولة المطبخ أن الحجوزات قد سبقت بداية الشهر بأكثر من أسبوع.
مضيفة لـ”رصيف22″ أن الطلبات تشمل كافة الأصناف التي يقدمها المطبخ “الكبة بأنواعها، الفريكة، الأوزي، الشاكرية، ورق العنب بالزيت –يالنجي- الباشا وعساكره.. وغيرها”.
“المصريون أكثر إقبالاً على مطبخنا من السوريين وهذا دليل استحسانهم وصفاتنا” تقول كساح مشيرةً إلى حرص المطبخ على تقديم طعام من إعداد ربات البيوت اللاتي يطهين الطعام بنَفَس وروح الأمهات، وهذا ما يميز أطباق “زيت زيتون” عمّا تقدمه المطاعم حسب قولها.
شاكرية
“زيت زيتون” مشروع مطبخ انطلق منذ عام في منطقة العبور في القاهرة، يضم سبعَ سيداتٍ سوريات يصنعن الطعام السوري على الطريقة الدمشقية القديمة، والتي تتميز بالعراقة والغنى.
يعود ريع المطبخ للعاملات اللاتي يُعِلن أسرهَن حسب قول كساح مشيرة إلى أنّ السيدة التي تودّ الانضمام إلى المطبخ “تخضع لدورة تدريبية لتعمل وفق معاييرنا في طريقة إعداد الطعام والاهتمام به”.
تضيف مسؤولة المطبخ أنهم يلبون طلباتٍ تشمل مناطق عدة في القاهرة الكبرى (الدقي، الزمالك، المهندسين، مصر الجديدة، التجمع الخامس” إلى جانب السفارات، لافتة إلى أنهم يخاطبون الفئة مافوق المتوسطة القادرة على دفع تكاليف الأصناف، خاصة بعد ارتفاع أسعار الخامات.
أوزي
تدرك لينا كساح أن الطبخ مسؤولية ليست بالسهلة، مؤكدةً أن تحقيق النجاح استهلك الكثير من الجد والعمل من السيدات اللائي يقدمن نسبة كبيرة من أطباقهن بنكهة زيت الزيتون، المنتشر في سوريا بحكم مناخها الملائم لنمو شجرة الزيتون رمز السلام الذي يتوق له كل السوريين، من هنا جاء الاسم حسب قولها.
مشويات وكبة للإسكندرانيين
لايمكن للمارّ من شارع جمال عبد الناصر بمنطقة الصافرة في الإسكندرية إلا أن يشتم رائحة الشاورما السوري المنبعثة من مطعم “عروس دمشق” فيدخل ليرى أصنافا أخرى من الأطباق السورية الشهية “المشويات، الفتات، المناسف” وإلى جانبها تصطف الحلويات مكللةً بالمكسرات والقشطة.
أما زوار المطعم فهم من السوريين والمصريين على حد سواء إلا أن الإقبال في الأسبوع الأول من شهر رمضان يكون خفيفاً، هذا ما يؤكده الشيف أبو كنان –كمايُلقب- معللاً أن الغلبة للاجتماعات العائلية بدايةَ رمضان، كما أن أصناف الطعام السوري الحاضرة في العزائم مكلفةٌ مادياً مايجعل حضورها مختاراً بعناية من قبل فئة معينة من الناس.
“بعد انقضاء الأسبوع الأول من رمضان يمتلئ المطعم بمحبي الأكل السوري” يقول أبو كنان لـ”رصيف22″ لافتاً إلى الإقبال الشديد على العصائر وركن الحلويات أيضاً.
يقدم المطعم الدجاج واللحوم المشوية على الفحم إلى جانب أنواع الكبة والشاورما، أما الأسماك فيكاد لا يوجد مطعم سوري في الإسكندرية يقدم أسماكاً، لوجود أسماء تاريخية متخصصة في هذا الشأن حسب قوله مضيفاً أن أغلب الطهاة السوريين قادمين من دمشق وحلب، ولاخبرة كافية لديهم في أطباق الأسماك.
بقلاوة وحلاوة الجبن أيضاً
يوافق محمد رأي أبو كنان في ارتفاع أسعار خامات الطعام الذي ينعكس على سعر المنتج خاصة في مكونات الحلويات، هو يمتلك محلاً للحلويات في أحد شوارع وسط القاهرة الرئيسية.
وقد انخفضت نسبة مبيعاته خلال الأشهر القليلة الماضية بسبب مالحق بالبلد من زيادة الأسعار وتعويم الجنيه حسب قوله مضيفاً “شهر رمضان كان سبباً في انتعاش المبيعات وزيادة الإقبال كون الحلويات من الأصناف الأساسية على الموائد الرمضانية”.
في محل “بلودان” تصطف الحلويات بشكل يخطف الحواس لروائحها الزكية ومنظرها المميز الذي يحيلنا إلى محال الحلويات في منطقة “الميدان” وسط دمشق.
يقول محمد “مع بداية شهر رمضان نسعى لزيادة كميات الإنتاج مع التنوع فنقدم البقلاوة المشكلة والكنافة والنمورة –البسبوسة- والغريبة والبرازق وحلاوة الجبن الحموية وغيرها إلى جانب العصائر”.
الأكل حياة
يعتبر ناقد الطعام عمرو حلمي أن انتشار الطعام السوري على الموائد المصرية أمر جيد لما يتصف به من تميّز “المطبخ السوري ينتمي لما يُسمى حمية البحر المتوسط والتي تتضمن نظاماً غذائياً صحي مستوحى من خامات ومواسم البلاد” مضيفاً أن مصر تنتمي لبلاد البحر المتوسط لكنها لا تمشي وفق نظامه الغذائي.
ويقول مؤسس صفحة “أكل فشيخ-The sexy food” على فيسبوك إن القوة إحدى مميزات المطبخ المصري إضافة إلى انفتاحه على مطابخ عالمية، فهو مزيج من المطبخ الفرعوني والأفريقي والهندي وبعض الإيطالي، لكنه محدد ويعتمد على التسبيك والطهي الزائد.
يضيف لـ”رصيف 22″ أن “جمال المطبخ السوري يكمن في استناده على زيت الزيتون في كثير من أصنافه، شأن المطبخ التركي واليوناني، هذه المطابخ الثلاثة تتقاطع في المكونات والتوابل، علماً أن الاقتباس بين المطابخ أمرٌ قانوني والتاريخ هو من يثبت أصول الأصناف”.
يؤكد حلمي أن الأكل حياة وأنه لغة تقاربٍ بين الثقافات والشعوب، مضيفاً أن “الطعام يخلق حالةً من الود والحميمية لا نشهدها في ظواهر حياتية أخرى، ما ينعكس على أفعالنا ونمط حياتنا، وكلّما كان الطعام صحياً وطازجا وبعيداً عن التلاعب والخلط فهو أحد مصادر السعادة والاستمرار