مقالات

د. عيسى: الديمقراطية ركيزة أساسية في بنية المجتمع الفلسطيني

قال الدكتور حنا عيسى، أستاذ القانون الدولي، “بدأ المجتمع الفلسطيني بعد توقيع اتفاق أوسلو في العام 1993 توجهاً للإنفتاح على العالم بعد حالة من الإنغلاق دامت أكثر من أربعين عاماً، بفعل ظروف الإحتلال القاهرة للضفة الغربية وقطاع غزة والقدس“.

ونوه، “مع توقيع الاتفاق السلمي تم إنشاء العديد من المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية كبنية تحتية لهذا المجتمع إلى جانب المؤسسة السياسية الكبرى المتمثلة بالسلطة الفلسطينية، والعديد من المؤسسات والجمعيات والأندية التي قامت بناء على دعم أوروبي وأمريكي، ومن دول أخرى مثل اليابان والصين وغيرها، مما فتح الجدل الواسع حول إمكانية تحول المجتمع الفلسطيني من حالة الانغلاق التام إلى (تحول ديمقراطي) نحو المجتمع المدني.

ولفت، “واجه الشعب الفلسطيني الكثير من المعيقات نحو الديمقراطية، فهو لم يزل مجتمعا عشائريا، كما وتأثر بالإحتلال من خلال هدمه للبنية الإجتماعية بعدم حصول الشعب الفلسطيني على أي تحول في بنية الأسرة، وخاصة في مسائل متعلقة بالمرأة، والطفل، والحقوق والواجبات، هذا بالإضافة لعدم وجود مشروع وطني حقيقي يمكن أن يمهد لنواة مجتمع مدني“.

وتابع، “من المعيقات أيضا صعود التيار الديني على حساب تراجع اليسار، بالإضافة للتغلغل الكبير للأحزاب الشعبوية والدينية التي لا تقوم على منهج فكري، بل منهج سلطوي، والذي يعتبر المجتمع المدني أشد أعدائها، وكل هذه الاحزاب هي رجعية وإقطاعية، وبحاجة لحركة تحرر منها قبل الوصول للتحرر من الإحتلال، وإنهيار المشروع الثقافي الفلسطيني، وتهميش دور المثقفين العضويين لصالح مثقفي السلطة.

وأوضح د. حنا، “يعتبر قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 81 الصادر في 8 ديسمبر/كانون الأول عام 2000 حول (تعزيز الديمقراطية وتوطيدها) واضحا، حين أكد على ثلاث قضايا مهمة وذات طبيعة استراتيجية، أولها (لا وجود لنموذج عالمي واحد للديمقراطية)، وثانيا، (الديمقراطية لها طبيعة غنية ومتنوعة تنجم عن معتقدات وتقاليد اجتماعية وثقافية ودينية للأمم والشعوب)، كما أن (جميع الديمقراطيات تتقاسمها خاصيات مشتركة، أي أنها تقوم على أساس المشترك الإنساني للتجربة البشرية الكونية) ثالثا”.

وذكر، “ظهرت عدة عوامل أثرت في التحول الديمقراطي في الوطن العربي مثل هيمنة نخبة سلطوية على عملية التحول، إذ ما تزال النظم تحتكر الهيمنة على السلطة السياسية وتحول دون اكتساب فاعلين سياسيين الخبرة السياسية المؤثرة والقدرة على تفعيل مجتمعاتهم وأخذ زمام المبادرة، كما يبدو أن عملية التحول تتقدم ببطء شديد أو تراوح مكانها أو تتراجع في بعض الحالات.

وأضاف، “وهناك عامل وضوح المطالب وغموض الوسائل، أي اتفاق الفاعلين السياسيين على التحول والانتقال الديمقراطي كهدف استراتيجي، مع عدم وضوح الرؤية حول وسائل تحقيق هذا الهدف وطرق تعزيز هذه الأهداف، بالإضافة للدور الخارجي، بحيث إهتمام الأطراف الخارجية، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، بالدفع بأجندة الإصلاح ودعم التحول الديمقراطي قد أثار جدلا كبيرا وشكوكا كثيرة.

وأكد، “غياب الديمقراطية عن الوطن العربي تعود لبروز زعامات سياسية حظيت بتأييد واسع من قبل الجماهير وبشعبية تعدت حدود الدولة الجغرافية، مما ساهم بشكل كبير في إطالة عمر الأنظمة الحاكمة المبنية على الزعامات.

واستطرد، “وهناك استبعاد لمبدأ التعددية بصفة عامة من الممارسة السياسية خوفا من استفحال الخصوصيات وتحت ذريعة الوحدة الوطنية لكن هذا لم يؤد إلى انصهار هذه الخصوصيات في بوتقة الدولة“. ونوه، “فشل الأنظمة وزعاماتها في تحقيق الأهداف التي وعدت بها شعوبها وفي تحقيق الآمال التي علقت عليها وانتشار الفساد أدخل شرعيتها في عملية التآكل وحكمها في المزيد من التسلط هكذا تحول رموز الاستقلال والتنمية ومن خلفوهم في الحكم إلى طغاة مارسوا كل أنواع القمع والاضطهاد ضد شعوبهم فاقت في بعض الأحيان بشاعة الاستعمار.

وأشار، “لا بد من التنويه عن الفكر السياسي والثقافة السياسية، فالفكر السياسي مجموعة من الأفكار والمبادئ والآراء السياسية التي تعاقب المفكرون من الناحية التاريخية في طرحها طبقا لاحتياجات مجتمعاتهم وظروفهم التي تأثروا بها وعاشوا فيها، حيث لا يمكن إحداث التحول الديمقراطي أو التنمية السياسية في ظل غياب الفكر السياسي الإيجابي القادر على بناء النظام الديمقراطي، وساهم هذا الفكر في تطور الأنظمة السياسية بالشكل الذي نراه اليوم في مختلف دول العالم.

وبين، “الثقافة السياسية مجموعة المعارف والآراء والإتجاهات السائدة نحو شؤون السياسة والحكم، الدولة والسلطة، الولاء والإنتماء، الشرعية والمشاركة، وتعنى أيضا منظومة المعتقدات والرموز والقيم المحددة للكيفية التي يرى بها مجتمع معين الدور المناسب للحكومة وضوابط هذا الدور، والعلاقة المناسبة بين الحاكم والمحكوم.

وتابع، “الثقافة السياسية تتمحور حول قيم واتجاهات وقناعات طويلة الأمد بخصوص الظواهر السياسية، وينقل كل مجتمع مجموعة رموزه وقيمه وأعرافه الأساسية إلى أفراد شعبه، ويشكل الأفراد مجموعة من القناعات بخصوص أدوار النظام السياسى بشتى مؤسساته الرسمية وغير الرسمية، وحقوقهم وواجباتهم نحو ذلك النظام السياسي”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق