ثقافه وفكر حر

قراءة تحليلية لنص ” قلب و وطن” للشاعرة التونسية منية علي / محمد طه العمامي

قراءة تحليلية لنص “قلب و وطن”
للشاعرة التونسية “منية علي”

حين قررت قراءة هذا النص ترددت بإعتبار أن صاحبته حرفها مخصوص يتعين التسلح بكل الادوات لقراءته و الغوص في اعماقه ، انها الشاعرة منية علي شاعرة مرهفة الإحساس تكتب بصدق فيصل حرفها الى القلب مباشرة و ما كتب بصدق لابد ان نأخذ هذا الصدق بعين الإعتبار حين قراءته ، منية علي أديبة الوجدان و المشاعر الراقية ، اديبة عاشقة للحرف و القلب و الوطن
فالذات الشعرية لدى منية علي التي راينا فيها تقمص وجداني للوطن يجعلها في ثقة تامة بانها من حيث نصها هذا موضوع الاخر
تحمل همومه و تجسد احلامه
الشاعرة في هذا القصيد حملت ميزات الشخصية الحركية التي
تحدث عنها ” Daiel lerenz”
بأنها” حاملة وحاوية لميزات محيطها ومجتمعها ”
و وصفها كذلك الفرنسي ” votler” حين قال أن الشاعر والقديس والمحارب لهم صفة واحدة و هدف واحد ألا وهو خدمة المجتمع عن طواعية ولهم نفس الاحترام.
البرنسيسة في لونها الحقيقي هي هكذا ففي اعمالها تتنوع المضامين وتتعدد المواضيع فلا قصيدة هائمة في غرضها أو غائمة في موضوعها تتعدد المقاصد في النص الواحد فتكون مليئة الافكار باعثة عل التوتر وباعثة على الفوضى في نفس القارىء فيقرأ الحب، الحرب المرأة ،الحرية ، الكتابة ،السياسة ، والهوية في اسطر قليلة وفي صورة شعرية واحدة وهذا يدل على ان الشاعرة لا تنظر من ثقب باب او اريكة في الاعالي
انما تستلهم الواقع بجميع عناصره مستخدمة جميع الحواس فلا مشهد او صورة معزولة مقصوصة ولا حركة باهتة .
منية علي او البرنسيسة
لا ضوء دون مصدر في شخصيتها
و لا كائنات شعرية خارقة دون حس ثوري وغيرة وطنية لديها
والشاعرة قد التزمت بذلك تجاه مقاصدها وتجاه القارىء .
الشاعرة لم تتجرد بابداعها من عصرها ونأت بعيدا بذاتها عن الموجود ، اي لم تكن شريعتها معانقة للمنشود او بالاحرى المفقود
وفي هذا النص تعرفنا على الشاعرة
صوت امتها تمثلها في اوهامها واحلامها .
ليس من فرصة امامها سوى اليقين والصحو والوعي وهذا يدل على أفكارها في قراءتها للمرحلة التي تكتب لحظاتها .
فالشاعرة لها خصوصيتها
تميّزها رؤاها فتخالها تملك أو تبتدع لغة حوارية مع وطن
حمّلته الشاعرة مشاعرها و احساسها.
هذا النص كان فاتحة بيان والبيان هو ارادة الشاعرة و التقدم لاهداف التجربة واهم ملامحها.
وفي هذا النص الشعري الوطني اعتمدت الشاعرةالبيانات الشعرية ونشرها ضمن عملها الابداعي
وذلك بغاية تاطير العمل ووضع القارىء امام المواقف قبل العواطف
ومن ابياتها نورد:
سرجت الكلمات ببريق السيوف
لأطوع الموانيء …لهذا اللقاء
هدّني الشّوق و اغتالتني عروفي
وبدا لي الوهم أجمل من البقاء
يا ملكا تربع على عرش طروفي
وافترش نبضي سجادة عفراء

أتوقف للقول:
كل الغرائب الا انت
وانت النشيد يهتف
وانت العتيد
هذه منية علي ان اردتم معرفة شخصيتها إقرأوا هذا النص “قلب و وطن”.
نص قرأته عدة مرات ، تجولت في ثناياه ، ابحرت في اعماقه فوجدته وحدة متكاملة في ظاهره لكنه يتضمن مقاطع داخلية فيهاخطاب مباشر وجهته تارة للوطن “أفّ يا وطنا” و طورا للعاشق” إهدأ يا عاشقا” فالوطن هو العشق و المعشوق بالنسبة للشاعرة لذلك توزعت المعاني حول هذه الثنائية منذ العنوان ” القلب و الوطن”
تفتتح الشاعرة نصها بمقطع خبري يمتد من السطر الاول الى السطر السادس تعلن من خلالها الشاعرة عشقها لمخاطب غائب “كم اهوى منك” و تعدد من خلاله خصال المعشوق التي كانت صفات تنوعت بين عناصر طبيعية و عناصر وجدانية وظفت الشاعرة لإبرازها ايقاعا داخليا و خارجيا متنوع تجلى على المستوى الصوتي و اللفظي و التركيبي كما وظفت عناصر بلاغية عديدة جعلت للمعشوق صورة مخصوصة فهو ” برق” و “رعد” و هو ” حس مرهف ” و ” وجدان من ذهب” ثم يتطور الخطاب ليشمل “الوطن” هذا الحاضر الغائب في علاقته بالذات الشاعرة و في علاقتها هي بالآخر
و في هذه العلاقة ثلاثية الابعاد تكمن الدلالات و المعاني و تتنوع المعاجم اللغوية و الخصائص الفنية التي تبرز قدرة الشاعرة على محاكاة واقع الوطن بنسج صورة فنية لا حدود لها .
هذا النص بكل وحداته الداخلية و خصائصه الفنية يمثل قوة الشاعرة و عمق تجربتها و لو ابحرنا في دلالاته و صوره الشعرية لما توقفنا عند حد لقوة الصورة و بلاغتها في الإلمام بالمعنى و الغوص في الدلالة و أختم بأن اقول ان الشعر عند منية علي هو الحياة هو الوطن هو العاشق و انني مهما قلت و كتبت اعتبر نفسي مقصرا امام عبقريتها و قوة لفظها
لك تحية تقدير و احترام سيدتي مع مزيد من االابداع
محمد طه العمامي
قلب و وطن….
كم أهوى منك كلّ أنواع الشّغب
برق ورعد يخطف لبّي بسخاء
حسّ مرهف ووجدان من ذهب
ترمي بظلال الحرف كلّ مساء
مهموم وقلبك يراود ..عن كثب
حيّرتني معك و طالت الأصداء
هذا وطن… هو للرّوح انتسب
وتلك قافلة تزلزل كامل الأرجاء
وحتّى تلك الباغية الّتي لم تتب
شغلتك فآثرت لها بعض الدّعاء
وأمّا الطّاهرة فجناحها يرتقب
في باطن الغيب تصدّت للأنواء
وشعبك في كفاح لهذا الجدب
وصدرك مثقل يرتقب الأنباء
رأيت منهم كلّ مرايا العجب
خمر و سحر. فزادت الأعباء
ومنجم ملعون…. أثار الشّجب
احساس غريب يقاوم الأحياء
فحتّى الأمّ التي أشعلت اللّهب
أخرست ابنها وفجّرت السّماء
انتهكت أنفاسه دون أيّ عتب
سليلة العزّ ما رامت الأجواء
أفّ يا وطنا سكن شغاف القلب
كان و لازال.. الرّوح و الفداء
اهتزّت عروشك وثارت السّحب
وبتّ غريبا …تصارع الجفاء
اهدأ يا عاشقا ولقولي استجب
نم قرير العين وجدّد لون الكساء
لازلت حائرا وصدرك ينتحب
والنّار المقدّسة ستحرق الأشلاء
تضرب الحروف فإليها تستجب
لتهدئ من روعك أميرة البيداء
وعن قوافي شعرها لمّا تحتجب
فهو ألم يعتصر منها الأحشاء
شعرك في الرّوح مسكنه يقترب
إن بحت تنير فيض …المساء
فقيثارة القريض…. بك تنتقب
و إليك نسجت قصيدة عصماء
وخافقك الّذي بات مضطرب
يوصيك رفقا …بسيّدة النّساء
لا رايات ترفع و لاعهد يكتتب
فجفون الجوى ميّالة…. للّقاء
أيّها القابع في الخجل بلا سبب
كفاك هجرا ..للبوح و الثّناء
كلّما زاد صمتك.. زاد التّعب
فجد بحرفك…. و انثر النّقاء
عزيزة ..وقولي قدّ من ذهب
فداري مواجعك و هذا البلاء
ازرع الأمل و قاتل.. الكرب
سيزهر الوطن و يدوم البقاء
أهديك أطواق الحنين المنسكب
ويكفيني صمتك ينطق بحياء
منية علي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق