اقلام حرة

كتب المفكر عوض قنديل

أوسلو … الداء العضال !
قبل أن نبحث عن أدوية و علاجات للمرض يجب علينا أن نبحث في التشخيص الذي يجب علينا أن نقتنع به و لا نكابر في القول و لا نتلاعب في التعريفات و التفاسير لأن الحكاية واضحة وضوح الشمس و لا تحتاج إلى قراءة في فناجين السياسيين الذين يقرؤون البخت على هواهم ليقررون مصير شعب في أعدل قضية على طاولة محامين لئام بأدلة كاذبة و ملفقة يزورون الحقائق و يختلقون الحجج الواهية لفشلهم و ارتباطهم بما هو بعيد كل البعد عن شرف المهنة و أمانة الدور المنوط بهم.
قبل أن نصدَّق الكذبة التي كذبناها, علينا أن ندرك و نقنع أنفسنا بأننا منطقة محتلة لا نملك إرادة في تسيير أمورنا الحياتية إلا بما يسمح الاحتلال, فلا بر و لا بحر و لا سماء لنا, و لا ماء و لا كلأ و لا كهرباء, بل الهواء الذي نتنفسه قد يلوثه الاحتلال إن أراد, نأكل مما يُدخل لنا من فتات و نشرب مما يترك لنا من مياه ملوثة لا تصلح إلا للشاطفات ومن يريد غير ذلك عليه أن يدفع الثمن مربعا, للاحتلال و لولي الأمر و لتاجر الجملة و لأباطرة المعابر, لذلك نستطيع أن نقول بكل سهولة و استسلام لإرادة المحتل التي يستمد قوته بها من قرارات الشرعية الدولية و الاتفاقات الأحادية مع دول الطوق المجاورة التي تكبلهم حتى في عقر دارهم ليقفوا متفرجين على ما يحدث خلف الحدود و كأنه مشكلة داخلية لصالح الاحتلال لا يصح التدخل فيها و هنا ضعنا بين دفتي رحى الاحتلال من طرف و كماشة الاتفاقيات الموقعة بين الاحتلال و الأشقاء من طرف, ليصبح لا حول لنا و لا قوة هو الشعار الوحيد إن لم نبحث عن بدائل إيجابية تعيد لنا الحياة لا أن تفنينا في ساحات الوهم من البطولة و الوطنية خارج نطاق العقل و المنطق الذي يحفظ لنا البقاء جذوة نستدفئ بها مرحليا إلى أن تكون شرارة جديدة و بداية موفقة في حرف أصابع من يعيث فينا تفرقة و تقسيما و من ثم تسونامي يحرق الأخضر و اليابس على خطى شمشون الجبار, عليَّ و على أعدائي.
دعونا نستند على بعضنا البعض, لا نتكئ على الآخرين, نكمل المشوار رغما عنهم, نبيت على الأرض لا على فراش محشو بأشواكهم, أوسلو ليس خيارا فلسطينيا بل غرفة حجز في قلعة القراصنة و قطاع الطرق, هي ليس ملكنا و لا نحن صانعوها لذلك لا نستطيع إلغائها أو التملص منها إلا بكسر القيد و تدمير أسوار السجن الذي فرض علينا.
نحن لا نعيش مرحلة تحرر وطني كما يدعي البعض و لا مرحلة مقاومة, لأن المقاومة و التحرر لا يعترفان بالهدنة و التهدئة و لا يقبلان بها, هناك مرحلة ركود و ثوران, كرً و فر, رجوع للخلف من أجل الانقضاض لا تراجع, كي لا نكابر يجب أن نعترف أننا نعيش مرحلة تنفيذ إملاءات الاحتلال شئنا أم أبينا, يجب أن نكون صادقين مع أنفسنا و مع أبنائنا كي لا يحملونا ما لا طاقة لنا به و يتهمونا بالكذب و التزوير, من يُحشر في الخانة الضيقة من مربعات الشطرنج محاطا ببنادق الأعداء و خيولهم و قلاعهم و ملك يقطر الدم من يده, ليس كمن يجلس خارج الرقعة في صف المتفرجين يتشدَّق و يتملَّق و يصدر التصريحات و النقد و التحليلات, من أراد أن يكون موضوعيا و حياديا و صادقا فليدخل إلى الميدان فاتح الصدر طارحا قلبه و شهوته للحياة تحت قدميه, تاركا خلف ظهره كل طقوس و مقدسات الجاه و السلطان.
أيها الفلسطيني, أوسلو ليس خيارك أنت , أوسلو خيارهم الذي فرضوه عليك بالقوة و الحيلة و الدس مع الآخرين من بني الجلدة, أوسلو هي خيار المنتصر على المنهزم و خيار القوي على الضعيف و خيار الطاعن على المطعون و خيار المُسعف لمن هو مسجى على فراش الموت لتصبح أوسلو هي الحقنة التي تسكن الموجوع و تبقيه ما بين الوعي و اللاوعي ليبقى على أمل الشفاء المستحيل لأن خيارهم الآخر هو الموت, فجعلوا أوسلو كيس المحلول الذي يبقيك في حالة الموت السريري, أنت و الميت سواء كي لا تحسب عليهم تهمة القتل العمد.
من يستطيع أن يُلغي أوسلو فليتفضل و يضعها في كيس زبالة و يعطني إياه لأحمله و أنا ذاهب لأصلي الفجر و أضعه في حاوية النفايات التي على رأـس الشارع في آخر الحارة!!

مقالات ذات صلة

إغلاق