عالم المراة

متلازمة ملكة النحل” تدفع صاحبة السلطة إلى اضطهاد المرأة

النساء يغلقن الأبواب على بنات جنسهن عندما يمنحن مفتاح السلطة، حيث أن معظمهن لا يبدين تحمسا لمد يد العون للنساء الأخريات خوفا من التهديد التنافسي.

 

تحقيق : يمينة حمدي – تونس – ” وكالة أخبار المرأة ”

صورتان متناقضتان للمرأة القائدة، واحدة تمنح وقتها وجهدها للدفاع عن قضايا بنات جنسها وقد تقدم الكثير من التضحيات في سبيلهن، وأخرى تنظر إلى النساء على أنهن خصوم لها، فتحاول بكل الطرق قمعهن وتضييق الخناق عليهن خوفا على مكانتها، وفي مقابل ذلك تستمر هيمنة الرجال على العالم.
جمع الشعور بالاضطهاد النساء حول العالم ودفعهن للتكاتف وتنظيم صفوفهن في إطار حركات نسوية حملت على عاتقها الدفاع عن قضايا المرأة منذ بدايات القرن التاسع عشر، وساهمت الكثيرات منهن في إلهام بنات جنسهن وإثارة الوعي لديهن للمطالبة بالمزيد من الحقوق أسوة بالرجال.
ورغم أن النساء اكتسبن على امتداد عقود طويلة من النضال بعض الحقوق، لكن ثمة مشكلة أخرى خفية حالت دون وصولهن إلى تحقيق مبدأ المساواة الكلي مع الرجال في مراكز صنع القرار.
ولاحظ الخبراء أن الحركات النسوية لم تحقق التأثير المطلوب، وفشلت في تغيير واقع المرأة المتردي في العديد من المجتمعات، مرجحين أن الأسباب لا تتعلق -بصفة خاصة- بالتمييز الذكوري ضد المرأة، بل أيضا لأن المرأة حينما تصل إلى مراكز مرموقة لا تتعاون مع بنات جنسها الأقل مكانة منها، ما يساهم في تكريس الصورة النمطية السلبية ضد المرأة بشكل عام، ويزيد في صعوبة تقلد النساء لمناصب هامة.
ويبدو أن المرأة التي تتاح لها الفرصة لتولي مناصب قيادية عليا وتتوافر لديها الإرادة السياسية لتغيير واقع النساء، متهمة بتجاهل قضايا بنات جنسها، وقد تعمل أحيانا على تقويض فرصهن في الترقي وصعود السلم الوظيفي، في حين لا تدخر أي جهد في سبيل مساعدة من هم تحت قيادتها من الذكور على المزيد من البروز والتألق.
ووصفت مارغريت تاتشر، أول رئيسة للوزراء في المملكة المتحدة، بأنها “ملكة نحل”، لعدم تعزيزها دور المرأة في حكومتها، خلال فترة حكمها التي امتدت 11 عاما.
وهناك أمثلة كثيرة لنساء عربيات وصلن إلى مراكز مرموقة، إلا أنهن لم يقمن بأدوار بارزة لتوجيه النساء الأخريات وتشجيعهن على الارتقاء والتقدم، بل على العكس من ذلك، استغلت البعض منهن سلطاتها بطرق سلبية لتضييق الخناق على مرؤوسيها من النساء، وصدرت منها سلوكيات نرجسية وعدوانية، وحاولت بكل الطرق دفعهن على العمل بقسوة من أجل الحصول على المديح والإشادة لصالحها، وعندما ساءت الأمور أشارت بأصابع الاتهام إلى بنات جنسها وليس إلى الموظفين الرجال.
وتنظر غالبية النساء اللواتي تحدثن إلى المرأة القائدة بشيء من الامتعاض، ويفضلن العمل مع القادة الرجال، وكان من المفروض أن يكن أكثر تعاطفا مع المرأة لأنها من نفس جنسهن وتعاني من نفس ظروفهن ومشاكلهن‏.‏
وأرجعت البعض منهن سبب رفضهن للقيادات النسائية إلى عامل الغيرة وحب التسلط اللذين تتسمان بهما المرأة القائدة في التعامل، وقد عانت الكثيرات من هذه التجربة.
نساء جربن نار الغيرة
ترى ريم قاسم، الإعلامية التونسية بوكالة تونس أفريقيا للأنباء (وات)، أن وصول المرأة إلى مواقع القرار ليس بالأمر الهين أو اليسير، مشددة على أن المرأة التي تتمكن بمؤهلاتها وقوة عزيمتها من ارتقاء السلم الوظيفي وتتبوأ مركزا مهما ستجد طريقها محفوفا بالأشواك، وذلك ليس فقط بسبب العقلية الذكورية التي تضيق الخناق عليها، ولكن أيضا جراء غيرة قد تكون من وجهة نظرها غير مبررة ومرتبطة بعقليات بالية وعقد نفسية.
وقالت قاسم “بغض النظر عن الإحصائيات والأرقام التي يوفرها مركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام في تونس حول صعوبة وصول المرأة إلى مواقع القرار، فإن التجربة أثبتت أن غيرة المرأة قد تكون السبب الرئيسي في عرقلة ترقي زميلتها، وتتعدد دوافع هذه الغيرة من حالة إلى أخرى، فأحيانا تتقارب سنوات الأقدمية في الوظيفة مما يجعل الموظفة أو الزميلة التي لا تكون الخطة الوظيفية من نصيبها، تغار من زميلتها حتى وإن كانت الحاصلة على المنصب أكثر كفاءة وخبرة منها وأحيانا تكون المسؤولة عن القسم في العمل شابة صغيرة السن مقارنة بأعمار العاملين معها، ما يثير حنق زميلاتها خاصة الأكبر سنا”.
وأضافت “للأسف في بعض المجتمعات وخاصة العربية، لا تزال معايير الترقيات غير موضوعية، فالكفاءة لا تكفي في نظر البعض ووصل الحد ذات مرة بمسؤولين مشرفين على مؤسسة إعلامية (من بينهم نساء) أن اعترضوا على تعيين زميلة في خطة مسؤولة على قسم لا لشيء إلا لصغر سنها، ففي نظرهم لا بد ألا يقل سن المسؤول عن خمسين سنة، وهذا مضحك ومؤسف في الآن ذاته خاصة حين نرى معدل أعمار المسؤولين في المجتمعات الغربية بالخصوص”.
وختمت قاسم بقولها “لا يزال أمامنا عمل كثير، لتغيير مثل هذه العقليات، ولو استلزم الأمر تخصيص أطباء نفسيين أو مختصين في التنمية البشرية، على غرار ما هو موجود في البلدان المتقدمة حتى نزيح عن مؤسساتنا هذا الكم الهائل من الكره والحقد الموجود بين بنات الجنس الواحد”.
فيما اعتبرت الإعلامية العراقية سميّة السامرائي تجربتها مثالا حيا عن الممارسات الجائرة التي تقدم عليها بعض النساء بحق زميلاتهن في العمل، جنبا إلى جنب مع السلوكيات الذكورية التي تنطوي على تحامل ضد الأنثى، وما يسببه ذلك من أضرار معنوية وضغوط هائلة على المرأة التي تمر بمثل هذه المواقف.
وقالت السامرائي “عملت في مجالات وظيفية عديدة على مدى أربعين عاما وكنت أتألم لوضع المرأة العراقية غالبا التي ترهب من أي مسؤولية وتحاول أن تكتفي بوظيفة تقليدية بسيطة من أجل أن تجد وقتا للعناية بزوجها وأطفالها بعيدا، ولكن الأمر بالنسبة لي كان مختلفا”.
وأضافت “تمكنت بعد عام فقط من استلام رئاسة قسم مهم في دائرتي، وحاولت أن أبذل قصارى جهدي حتى أضطلع بتلك المسؤولية على أحسن وجه، لكن بالتوازي مع ذلك بدأت غيرة زميلاتي من نجاحي تشتعل، فحاولن محاربتي بشتى الطرق، إلا أنني لم أتبع معهن أسلوب المعاملة بالمثل، على العكس تعاملت مع الجميع بمحبة ومن دون وضع مسافات أو فوارق بناء على مركزي الوظيفي”.
وتابعت “كنت وقتها طالبة بالجامعة وزوجة وأما لطفلة صغيرة، وفي الوقت نفسه أكتب عمودا بمجلة نسائية، ولكنني سعيت قدر الإمكان إلى التوفيق بين جميع تلك المسؤوليات، وأصررت على نيل شهادتي الجامعية لأثبت جدارتي أكثر بالموقع الذي أنا فيه، إلا أن زميلاتي لم يكففن عن إيذائي والإساءة لسمعتي، إلى درجة أنهن روجن عني إشاعات مغرضة، وادعين أن المدير منحني منصبا مهما لأنني جميلة وليس لأنني كفؤا”.
وأرجعت السامرائي سبب تأخر المرأة العراقية والعربية عموما إلى الرفض الذكوري لوجود المرأة في مواقع القرار، إلا أنها شددت أيضا على أن المرأة عندما تصل إلى مناصب عليا تمارس في الغالب إقصاء ضد جنسها، وتركز بشكل مباشر على أهدافها الشخصية وليس على المصلحة النسوية العامة.
التعويض عن الشعور بالنقص
من جانبها رجحت إيمان سالم مؤسِّسة موقع “أمينة توداي للمرأة”، أنه لا يخلو مكتبٌ أو مؤسسة تقريبا من المرأة التي تقلل من شأن زميلاتها، وتعتبر نفسها متفردة للغاية وذات أهمية أكثر منهن، وتشعر بالغيرة منهن، وتحاول بما في وسعها لإزاحتهن عن طريقها بكل السبل.
وقالت سالم “المرأة كائن عاطفي بالدرجة الأولى وتغلب عواطفها على أحكامها تجاه البعض من الأمور، وحتى القرارات التي قد تتخذها يمكن أن تتأثر بطبيعة تركيبتها الفيسيولوجية على عكس الرجل الذي يتحلى بالعقلانية في التعاطي مع الكثير من الأمور”.
وأضافت “المرأة قاسية في الحكم على نفسها وهذا ما يجعلها أيضا تعامل بنات جنسها بقسوة، ومن المؤسف أن تكون أحيانا ردة فعلها مجحفة جراء موقف بسيط صدر من إحدى زميلاتها حتى عن حسن نية، فما بالك إذا كانت هي مديرة المؤسسة أو وجها من وجوه السياسة البارزين، أعتقد أنها ستنخرط في سلوك سلبي وعدواني تجاه زميلاتها كوسيلة للمحافظة على مكانتها أو للحصول على دور أكثر أهمية”.
واعتبرت سالم أن الشعور الفطري بالغيرة لدى بعض النساء يجعلهن يفرطن في استخدام نفوذهن أو مركزهن الوظيفي ليملين آراءهن على بنات جنسهن فيصبح الأمر أشبه باحتجازهن رهائن لديهن.
وختمت سالم بقولها “التباين بين الجنسين واضح على المستوى النفسي. وقد لا يكون ذلك بالضرورة موروثا، بل قد يكون مستمدا من الوسط الاجتماعي، لكن هذا لا يجعلنا نعمّم فهناك الكثير من المسؤولات صاحبات ضمير ويراعين الله والعشرة ولا يقدمن على إيذاء زميلاتهن”.
ويعتقد خبراء في علم الاجتماع أن غيرة المرأة القائدة وافتقارها إلى التعاطف مع زميلاتها في العمل يعودان إلى الرغبة في التعويض عن الشعور بالنقص ومحاولتها تعزيز مكانتها والتماثل مع نظرائها من القادة الرجال، إلا أن مثل هذه الخصال قد تكون شائعة أيضا بين من يتولون مواقع السلطة من الرجال.
واعتبر الباحث السعودي في القضايا الاجتماعية عبدالعزيز الكلثم أن الغيرة المرضية بين الزملاء ومحاولة الرؤساء فرض نفوذهم على مناصب الإدارة، تجعلان العلاقات التنافسية في بيئات العمل متوترة ومنفرة وتشبه إلى حد كبير “إضافة الحطب إلى النار”.
ويمكن أن تؤدي الغيرة من وجهة نظره إلى الفتنة بين الزملاء في العمل، وما قد ينتج عنها من شعور بالأذى وخيبة الأمل.
وقال الكلثم “الغيرة في مكان العمل مرتبطة بمستوى الثقة بالنفس وتقدير الذات، فكلما انخفض مستوى الثقة بالنفس وتقدير الذات ارتفعت نسبة الغيرة بين زملاء العمل بشكل عام، وكلما ارتفع مستوى الثقة بالنفس وتقدير الذات قلت نسبة الغيرة. وغالبا ما يعاني أولئك الذين يقللون من زملائهم في العمل من انخفاض في مستوى الثقة بالنفس وقلة تقدير الذات، ويشعرون أنهم لن يرتقوا إلى مستوى نجاحات زملائهم”.
 وأضاف “يرى روبرت فيكيو أستاذ الإدارة في جامعة نوتردام، أن الأشخاص الذين يحسدون الآخرين ويغارون منهم في مكان العمل لديهم انخفاض في مستوى الثقة وتقدير الذات، وأن تدني احترام الذات هو دورة لا تنتهي، ولذا قد يصح أن نقول إن الذين يعانون من انخفاض في الثقة بالنفس وقلة تقدير لذواتهم هم الأكثر عرضة للشعور بالغيرة المفرطة من زملائهم في العمل”.
واستدرك الكلثم موضحا “لكن قد تشتد الغيرة خصوصا بين النساء اللاتي يشعرن بعدم الثقة بالنفس، من نظيراتهن في العمل ويسعين إلى محاولة التقليل من جهودهن، وذلك كي لا يشعرن بأنهن أقل منهن. وقد يزداد الأمر سوءا لو كانت إحداهن رئيسة عليهن وفي ذات الوقت لديها انخفاض في مستوى الثقة بالنفس وضعف في تقدير الذات. وهذا قد يسبب نفورا للمرؤوسات تحت إمرتها ويجعلهن يكرهن العمل وقد يقدم بعضهن على الاستقالة أو طلب الانتقال إلى قسم آخر”.
تبرير غير مقبول
فيما يرى الباحثون في علم النفس أن هناك فرقا بين المديرة الحاسمة في إدارتها ولديها تطلعات كبيرة وهدفها النجاح العام لجميع فريق العمل، وبين المديرة السيئة التي تمارس أنماطا من التمييز ضد جنسها خوفا على مكانتها، وقد تبدو سلوكياتها هذه أقل أهمية بالنسبة للبعض، ولكنها تفضي إلى إقصاء الكثير من النساء عن أداء أدوارهن الحقيقية، حتى وإن كانت دوافعها التركيبة السيكولوجية للمرأة.
وكشفت الدراسات المسحية التي أجريت خلال السنوات الأخيرة أن عدد النساء العاملات قد ارتفع على نحو بارز في العقود الأخيرة، ولكن وصولهن إلى مناصب عليا مازال محدودا.
وبحث علماء النفس في عوامل ضعف تمثيل النساء في المراكز القيادية، فوجدوا أن الرجال من ذوي المراكز العليا أكثر استعدادا لدعم زملائهم الذين في مراتب وظيفية أدنى، في حين لا تبدي معظم النساء تحمسا لمد يد العون للنساء الأخريات خوفا من التهديد التنافسي.
ورصدت شركة ديلويت الأميركية للخدمات المهنية الاتجاهات العامة لوضع النساء في 7000 شركة لـ44 دولة، ووجدت أن النساء لا يشكلن سوى 15 بالمئة فقط من مجالس إدارة الشركات في جميع أنحاء العالم.
وأرجع العلماء السبب في ذلك إلى “متلازمة ملكة النحل”، وقد أطلق هذا المصطلح لأول مرة في عام 1973 لوصف حال امرأة وصلت إلى السلطة في بيئة يهيمن عليها الذكور، وتعاملها بطريقة سيئة مع الإناث تحديدا.
إلا أن المعترضين على هذا المصطلح وصفوه بأنه مضلل، وغايته التبرير غير المقبول لانخفاض تمثيل المرأة في مجالس الإدارة وفي المناصب السياسية، بالإضافة إلى أنه لا يلم بالعقبات والحواجز والتجارب الصعبة التي تمر بها النساء خلال مسارهن المهني.
فعلى الرغم من المزايا التي ينطوي عليها استخدام هذا المصطلح لوصف الحواجز الخفية التي تحول دون تقلد النساء مناصب تنفيذية في المؤسسات التي يعملن فيها، فإنه يتشكل توضيح لجانب واحد منها فحسب، دون تقديم الصورة الكاملة.
ويبرز هذا المصطلح كيف أن الموظفات اللاتي يطمحن إلى الترقي يواجهن حواجز من بنات جنسهن، ما يعني أن المشكلة مرتبطة بالنسوة فحسب، بدلا من أن يتطرق أيضا إلى الرجال الذين يحولون دون ذلك.
وترى نعومي إليمرس، وهي أستاذة من جامعة أوتريخت في هولندا، أن مصطلح “متلازمة ملكة النحل” غير دقيق لأنه يشير إلى أن المرأة هي سبب المشكلة.
وتقول إن سلوك ملكة النحل ما هو إلا رد على التمييز ضدهن، حيث تحاول بعض النساء النأي بالنفس عن باقي النساء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق