مقالات

* عنوان المقالة: “انشقاق القمر: آية نبوية في وجه المكذّبين” (6)

* ﴿وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ﴾ (القمر:2) * رؤية * هذه السلسلة يكتبها د. محمد طلال بدران - مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلامية - * السلسلة مكونة من إثنَتَيْ عشرَة مقالة. عنوان السلسلة: "أنوار اليقين: بين رحلة التوحيد والإيمان، في زمن التحديات"

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:
* بين يدي الآية
في لحظة من لحظات العناد البشري، وقف مُشركوا العرب يطالبون النبي ﷺ بآيةٍ حسّية تُثبت صدقه، رغم أنهم شهدوا صدقه في قوله، وسموّه في فعله، ونقاءه في دعوته. فقالوا: “إن كنتَ صادقًا فاشقُق لنا القمر!” فجاء الرد الإلهي ليس فقط آية، بل معجزة تخرّ لها العقول:
﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ﴾ (القمر: 1).
هذه الآية لم تكن مجرّد مشهد كوني مهيب، بل كانت إعلانًا ربانيًا في وجه المكذّبين، وصفعةً هائلة على وجه الجحود والإنكار، ومع ذلك قالوا كما أخبرنا الله:
﴿وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ﴾ (القمر: 2)
* الدرس الأول: المعجزة لا تُغيّر من لا يريد أن يتغيّر
إنشقاق القمر يثبت قاعدة قرآنية عظيمة: الهداية قرار قلبيّ قبل أن تكون نتيجة دلالة عقلية.
المشركون رأوا القمر مشقوقًا، ورأوا الصدق يتجلّى في وجه محمد ﷺ، لكنهم آثروا الهوى على الهدى، وفضّلوا الكِبر على التسليم، فالمشكلة لم تكن يومًا في قِلّة الأدلة، بل في تراكم الأهواء والحواجز النفسية التي تصدّ عن إدراكها.
* واقع اليوم:
نحن في زمن تتوالى فيه آيات الله في الأنفس والآفاق، في أحداث الكون، وفي انهيارات الطغاة، وفي انتشار الإسلام رغم الحصار… ومع ذلك ترى المكذّبين يردّون الحق تحت لافتات “الصدفة”، أو “العلمانية”، أو “التحرّر”، وكأنهم يعيدون قول قريش: ﴿سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ﴾ ولكن بعبارات عصرية مغلّفة!
* الدرس الثاني: إذا أراد الله إظهار الحق، شقّ له القمر
لم يكن انشقاق القمر عرضًا كونيًا للتسلية، بل كان دليلاً على أن الحق، مهما حورب، يعلو، وأن الله يُظهر صدق رسوله ﷺ ولو خالفه الناس.
وكم في التاريخ من شقوق رمزية، تمزّقت فيها جدران الكذب أمام صدق المؤمنين:
• لما صاح إبراهيم عليه السلام في وجه نمرود، انشقّت نار الكفر أمام برد اليقين.
• ولما ثبت محمد ﷺ في غار ثور، انشقّت جيوش قريش عن أبواب الغار، وخرج النور.
• ولما تحدّى موسى فرعون بسلاح التوحيد، انشقت له البحار، فغرق الطغيان ونجا الإيمان.
* رسالة للجيل:
لا تنتظر أن يسود الحق حين تهدأ العواصف، بل عش يقينك في قلب الزوابع، فربك قادر أن “يشقّ القمر” ليظهر صدقك، إن كنت من أهل الصدق والثبات.
* الدرس الثالث: اقتراب الساعة يجعل كل لحظة محسوبة
افتُتحت الآية بقوله تعالى: ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ﴾، فقبل ذكر المعجزة، ذكّرنا الله بأن النهاية تقترب، وأن حساب العباد قادم لا محالة، وهذا يجعل من كل آيةٍ عبر التاريخ فرصةً للرجوع، لا للتسلية الجدلية، لكن قومًا يرون العلامة ولا يعودون، وكأنّ الساعة لا تعنيهم!
* تأمُّل واقعي:
نحن في زمن يشتد فيه التكذيب والغفلة، فهل نحن من الذين يرون آيات الواقع وعبر التاريخ فيعودون إلى الله؟ أم من الذين يرون الانشقاقات الكبرى، فيسخّرونها لصناعة محتوى ساخر أو تحليلات باردة تحت مسميات “اللايف ستايل” و”الترفيه”؟
* ختامًا: المعجزة الحقيقية اليوم هي ثباتك
في زمن تكثر فيه الشبهات، وتُمحى فيه الثوابت، وتُهاجم فيه النبوة نفسها تحت مسمّيات العقل والتحرر، فإن ثباتك على دينك، وتمسّكك بسنة نبيك، هو أعظم معجزة في وجه المكذّبين اليوم.
انشقاق القمر لم يكن مشهدًا فقط في السماء، بل هو مشهد متجدد في نفوس أهل الحق، كلما ازداد الليل سوادًا، ازداد اليقين لمعانًا.
فكن ممن يرى بنور اليقين، لا من يعمى بسواد التكذيب. وكن أنت الآية الثابتة في زمن الاضطراب، فإن لله عبادًا إذا وقفوا بالحق، شقّ لهم الزمان والمكان…فهل أنت مع هذا الكلام؟ أم لك رأيٌ آخر؟… ولكم مني التحية والسلام

* عنوان مقالة الغد إن شاء الله: “أصحاب الكهف: ثبات الإيمان في زمن الطغيان”
* اللهم في ثاني أيام التشريق، ارزقنا الإخلاص والبصيرة، ووفّق أمتنا، وامنح شعبنا الأمن والسلام.

* مقالة رقم: (1985)
* 12. ذو الحجة. 1446 هـ
* ألأحد. 08.06.2025 م
باحترام: د. محمد طلال بدران (أبو صُهيب)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق