ثقافه وفكر حر
جينات الكلمات) الدكتور الطيب علي ابو سن

إن مما يورث النفس متعةً وراحة هو إدامةُ التأمل في تكوين الكلمة، وكيفية تعانق حروفها وهي تمنحها المعنى الذي به تنفرد، والمرتكز الذي إليه تستند.
سورة الفاتحة، والحمد التي نالت شرف الريادة، والقيادة، وترَجَّلت من عليائها مرتين نزولا ،كما ورد ،في مكة المولد ، ومدينة الموعد، موعد الإعداد لرحلة العقيدة عبر الزمان والمكان .
استوقفني القول الكريم ( إياك نعبد وإياك نستعين ) وهو يقابل ( اهدنا الصراط المستقيم ).
إياك نعبد وإياك نستعين تعني العبادة والاستعانة حصراً وقصراً واختصاصا، أي لا عبادة تؤَدَّى ولا استعانة تُسْتَجْدى حصراً وقصراً إلا إلى ومِنْ الله جل وعلا.
إن حلاوة العبير النابعة من جمال التعبير قد جعلت العبادة والاستعانة وقفاً على الذات الإلهية ولا مجال لتعديهما لغيرها، أما الهداية إلى الصراط المستقيم فلم تأت في سياق ( إيَّانا اهْدِ) لحصر الهداية، كشأن العبادة والاستعانة، على المسلمين بل ظلت أبواب الهداية مفتوحة على مصاريعها لباقي الخلق أجمعين، فالقول: اهدنا الصراط المستقيم لا يمنع اتباعه قولنا:( واهد غيرنا)، أما القول : (أياك نعبد وإياك نستعين) قد قصر العبادة والاستعانة لله وبالله.
فسبحانك اللهم وقد تفضلت بالحبك والسبك، وتكرَّمتَ بدعوة التأمُّلِ والتدبر والتفكُّر ،وأنت الوهاب ، عطاؤك بلا انقطاع، وكرمك بلا امتناع.