الدين والشريعة
(..ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها….) الكهف 49.
بقلم الدكتور الطيب ابو سن
(..ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها….)
الكهف 49.
وقبل استقراء الصغائر والكباير أرى أن أميل إلى شرح قولهم : يا ويلتنا، فالويلة غير الويل، لأن الويل هو العذاب الشديد أو هو اسم واد من أودية جهنم كما أورد المفسرون ، أما الويلة فهي الفضيحة .
قالوا يا شرَّ فضيحتنا ، فإن كتابنا ذا الشأن بسلوكنا لم يتجاوز الحدث مهما صَغُر حجمه، بل يتناوله بدقة وإحصاء يفوقان الخيال، نعم ، لم يترك كتاب الحسنات والسيئات عملا إلا أحصاه.
التقيتُ بصديق صباحاً في سوق المدينة فطلب مني مرافقته إلى بيت صديق له لتناول الطعام .
وصلنا منزل المضيف الذي لم تكن بيني وبينه سابق معرفة غير أني وددت جبر خاطر صديقي؛ وعند إحضار الطعام وأنا أعيش حياة الضيفن ( العرب تسمي ضيف الضيف ضيفناً) في تلك اللحظات اتضح لي بأن المضيف يطيل النظر إليَّ فشعرتُ بشيئٍ من الخجل والضيق وطفقتُ أُقَلِّلُ من حجم اللقمة مع تحجيم عدد مدِّ اليد.
في تلك اللحظات زارتني فكرة أدب حسن الضيافة ، فكبَّرْتُ الله وهلَّلْتُه في سَرِّي ثلاثاً ، ورددت الصلاة الإبراهيمية ، فسيدنا إبراهيم عليه السلام لم ينعم النظر في وجوه الضيوف ليورثهم خجلاً ، ولكنه بطرف خفي استرق النظر إلى أيديهم خلال لحظات خاطفة، تناولها الذكر الحكيم بدقة الوصف وإحصاء الحركة اللتين أذهلتا كل مستقصٍ متدبر مستكشف لأعماق هذا الكتاب: فلم يقل: لما رءاهم بل قال: فلما رأى أيديهم إشارة إلى سرعة حركة العين إلى الأيدي.
سبحانك اللهم تسامى، خطابك ، وعلت معاني عطاءاته، وظلت دليلا وهاديا للتعامل، فكما قال تعالى : (…ما فرطنا في الكتاب من شيئ…) الأنعام38 وهنا الكتاب هو القرءان الكريم ، دليل وهادي كتاب إحصاء السلوك الذي حملته آية الكهف التي علت هذه المقالة.