الرئيسيةشعر وشعراء

فتاة المعبد – للشاعر كامل النورسي

في لـيـلـة ليـلاء كـنـت بِـمـفـردي
في صحبـة الليل الطويل بمعبدي
جاءت تُـسـائـلـني بوجـهٍ شـاحبٍ
حسنـاء في عُـمـر الهـلال الاوردي
وثـيـابُـهـا بـالكاد تـسـتُر جسـمـهـا
والحـزن يمـلـؤهـا كحزن المُـبـعـدِ
وهـنــاك جـرح غـائر في كَـتِـفـهـا
ينساب في حِـقـد لأَطـراف الـيـدِ
خطـواتـهـا تـبــدو كنــشـوان بَـدا
في عتمة اللـيـل البهـيـم الأسـود
وعـيـونها تـروي تـبـاريـح الـهَـوىٰ
والقلب يرجف من ضياع الموعِدِ
فخلعتُ مشدوها عليـهـا معطفي
وصحبتها كالطفل قربَ المـوقـدِ
وبـدأت أســأل هـاتـفي بـحـرارة
خـوفًـا عليها قـد نَـسـيت ترددي
جـاء الطـبـيـب كأنه في قبضتي
فـأراحـني واراح جرحًـا مُـنـكـد
نـظـرت إليَّ كأنّـهـا ارتـاحـت لـنـا
وأراحـها عـيشي بظل الـمـعـبـدِ
مِـن بـعـدها نـامـت ونـام انـيـنُـها
مِن غـير أوجـاعٍ وغـيـر تَـسَـهُّـد
فَـبــدأت ارقـبـهـا بِـنـظـرة حـائـر
مُـتخَوِّفًا مِـمّـا سياتي في الـغـد
مـطـلـوبـة هـذي الفتاة لأهـلـها ؟!
منكوبـة من دهـرها المتشرِّدِ ؟!
مـاذا سأفعـل بالفـتـاة وأَمـرهـا ؟!
ماذا سأفعل في ضُحىٰ مُتوقِّذ ؟
فجلست في حضن الاريكة ساهمًا
بـعـد الصلاة وبـعـد ليلٍ مُجـهِـدِ
مِن بَـعـدها جـاء الـصـبـاح بِـنـوره
مُـتَـورِّد الـقَـسمـات فيه تَـورُّدي
فَـنزلـت قـسـرًا للـمـديـنــة عـلـني
ألـقـى جـوابًـا عن فتاة الـمـعبـد
فرأيت في وسـط المدينة جمعهم
ما بـين حـانٍ مُـشـفِـق ومُـنــدِّدِ
ولمحت في وسط الجموع مسـنةً
تَـحـثو التراب بِشعرها المُتَجعّد
وأمـامـهــا تــابــوت مـوتى فــارغ
بين الـصراخ وفي ضحًي مُتنهِّد
فـسـألـتُـهـا والخوف يملؤ مهجتي
عـن سِـرِّ نَـوح قــاتــل مُـتـجــدِّدِ
فَـتَـجـاهلت شخصي كأني لم اكن
وتجاهلتْ ما كنت احمـل في يدي
هِـي مِـن فـتـاتي للـعـجـوز إشـارة
قِـرط لهـا في شكل طـير الـهُـدهدِ
فَـتَـهَـلَّـلــت كل الـصـبـايـا حـولـهـا
وتَـبــادلـت بَــسَــمــاتـهــا بِـتَــردُّدِ
حـاولـت مـعـرفـة الامـور وسِـرِّهـا
مُـتحـاذقًـا كي لا يُـشـكُّ بمقصدي
فرأيت شيخًا جالـسًـا قد هَـشَّ بي
فوق التراب وفي الـغـبـار الاربـد
فَـدنـوت مِـنـه بـبـسـمـة مَُتـسـائلًا
عَـن سِـرِّ حزن في الـمـلا مُـتوطد
فـأجـابـني والـقـهـرُ يـمـلأُ قَـلـبَـه :
قد صار لـيـفي مفتيًا في المسجد
فكظمت غيظي في المدينة مجبرًا
ولـبِست ثـوب تـمـاسكي وتجلدي
فـرجـعـتُ أقـصـد غـابـتي متلهـفًـا
كالـطير حَــنَّ الى قُـلـيب الغـرقـد
تـابـعـت سَـيْري نـحـو غـابتي التي
بالحب ترفـل في ظـلال المسـجد
فَـوصـلـت سـاحـة معـبـدي متأملًا
أجِـدِ الجواب لـدى فـتـاة المـعـبـد
ففتحت بابي واسترحت هُـنـيْـهَـةً
في ظل بـيـتي يـا لَـطـهـر المـقعد
فلمحت في إحدى الـزوايا رقـعـة
فـانـتــابـنـي شـَـوقٌ لَـهـا بِـتَـزايـد
فـفـتـحـتـهـا وقَرأتُ فـيـهـا جملة :
(شكـرًا جزيـلًا لاحتضاني سيدي)
هَـجـرَت مـرابـع مـعـبدي وتباعدت
خَلـف الـتلال وخلف ليل سرمدي
فجلست وحدي والـظـنـون تهزني
والقـلـب أضحى كالحسام المجرد
ما عدت احتمل اعتكافي طفلتي
أيقظت احلامًا غفت في المحتد
قد كان عـن هَـمِّ الحـيـاة بـعـزلـةٍ
يـقـضي الليالي في هُـدًى وتهجُّد
أوصـلـتِـه بـاب الـتـحـدي عُـنـوة
لـيُـطارد الظـلـم الـذي لـم يَـرشُـدِ
فالدين يفـرضُ ان تكـون مقاومًا
لِـفـســـاد اخــلاق الـمــلا بـتَـجـرُّدِ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق