إلتقينا صدفة بأحد المستشفيات كان جالسا في قاعة الانتظار في قسم “أمراض النساء والتوليد”. ضللت أراقبه من تحت نقابي، وعادت بي ذاكرتي إلى ذلك الزمان حين أتى وخطبني كانت فرحتي لا توصف، لأنني كنت دائما أمر من أمام محله لبيع وإصلاح الالكترونيات في الحي، وكان قلبي حينها يدق بأقصى سرعة. كنت مراهقة مهووسة به، لم أتردد للحظة في أن أقبل عرض زواجه مني. كان وسيما، بالإضافة لكونه فارس أحلام معظم فتيات الحي… دامت خطوبتنا لمدة سنتين، كان دائما ما يتصل بي ونتبادل أطراف الحديث، أو المحادثات عبر رسائل الواتس اب الصوتية، كان احيانا يتدمر لأنني لا أجد الكتابة ولا القراءة لدرجة أنه كان يداعبني قائلا “حبيبتي الأمية”… لم يكن يدري الى أي مدى كان يشعرني بالإهانة بعبارته تلك.
أيقضني من شرودي صوت الممرضة قائلة “السيدة فاطمة البوريقي؟ ممكن بطاقة الهوية خاصتك هناك معلومة لم تسجل”… أعطيتها بطاقة الهوية وغادرت، وبعدها ظل يتفحصني بعينيه المرهقتان بعد أن سمع إسمي، ربما تذكر تلك الفتاة المراهقة، التي أرسل إليها أمه ذات صباح أن تخبرها أنه لم يعد يريد الزواج منها دون أن يقدم أي عذر، وليس هذا فقط بل قالت أيضا أنهم سينتقلون من الحي. لقد كسر قلبي تكسيرا. هل يا ترى استيقظ ضميره؟ هل تمنى أن أكون فعلا ذلك الشخص الذي في باله لكي يطلب مني السماح؟ مهلا! إنه يتقدم نحوي “السلام عليكم هل يمكنني الجلوس بجوارك من فضلك”… حركت رأسي بمعنى نعم. وجلس بقي مهلة من الزمن وقال “فاطمة أرجوكي سامحيني أنا أعرف أنني أخطأت في حقك كثيرا واعلم أن مافعلته لا يغتفر سامحيني فالندم يقتلني يوما بعد يوم”… امتلأت عيناي بالدموع لم استطيع النطق سوى بكلمة واحدة “لماذا؟”…
تردد كثيرا قبل أن يجيب قائلا “حتى أنا لم اجد أي عذر لنفسي عن فعلتي …”… قاطعته مستهزأة “لأنني أمية أليس كذلك”… وطأ رأسه ولم يجيب أضفت “المسامح كريم لقد سمحتك منذ زمن طويل… بالمناسبة ماذا تفعل هنا ولماذا أنت في هذا القسم بالضبط”… رفع رأسه قائلا “زوجتي في غرفة العمليات تلد”… فكرت للحظة كيف ستكون هذه الأنثى التي فضلها علي ورأى فيها ما لم يراه في “مبروك من هو طبيبها”… رد باسما “الدكتور الفتحي”… تسارعت دقات قلبي بعد عبارته “جيد أنه أفضل طبيب في المستشفى بشهادة الجميع أنا أيضا أتبع حملي عنده “… رد قائلا “مبروك… تتبعين الحمل عند طبيب وهل زوجك ليس لديه مشكل في الأمر”… أضاف “أعتذر ﻻني تدخلت في خصوصياتك”… نظرت إليه في نوع من الشرود أ هي غيرة أم فضول ام شماتة من زوج ديوث “لا زوجي ليس لديه مشكل في الأمر لأنه يفضل الاطمئنان على ابنه بنفسه”… قلت عبارتي الأخيرة وانا اتفحص بطني، لم أنظر إليه لأرى ملامحه المصدومة، بعد ثواني من الصمت قال بتساؤل “الدكتور الفتحي زوجك؟”… كنت على وشك أن أرد قبل أن ألمح زوجي، وهو متجه نحوي ببدلته الطبية و ابتسامته العريضة، التي أعشقها والشوق يملأ عيناه الخضرواتان “حبيبتي أسف إن تأخرت عليك لقد كانت لدي عملية”… ما كل هذا الحب الذي رزقت به يا الله، ما الشيء الجميل الذي فعلته لأرزق بهكذا زوج حنون، الحمدلله ودموع كادت تنفجر من عيني وبدون أن أشعر أو أبالي بالناس الموجودة في القاعة عانقته بكل ما أتيت به من قوة كأنني لم أره منذ زمن “هل أنت بخير حبيبتي؟”… أخذني ويده تعنق خصري الى مكتبه، أجلسني على كرسي وناولني كأس ماء بعد أن رفع النقاب عن وجهي، شربت بعدها سألني مرة أخرى بقلق أكثر “كيف تشعرين؟”… أجبت ” أنا بخير بخير لأنك زوجي… اليوم سنعرف جنس الجنين أنا سعيدة جدا حبيبيً”… اختلطت كلماتي بدموع الفرح والسرور أجاباني ” نعم ان شاء الله حبيبتي”… مسح دموعي وبعدها قبلني في رأسي قائلا “مستعدة لنتعرف على ابننا أو ابنتنا”… أجبته بفرح “مستعدة”… حملني و وضعني فوق سرير الفحص ضل يفحصني بتركيز وأنا أراقبه وأسأله بين الحين والأخر عن جنس الجنين… ثم نظر إلي بفرح “ابننا ستنجبين ولدا يا حبيبتي”… عانقته ودموع الفرح ملأت وجنتي “ولد يشبهك أليس كذلك؟!”… أجابني “لا.. أريده أن يشبهك أنت”… أجابته ضاحكة “ألّم نتفق مسبقا أن كان ولد سيشبهك وان كانت بنتنا ستشبهني”… ضحك تلك الضحكة التي أعشقها حينها قال “حسنا سيدتي ولكن الأن يجب عليك أن تنهضي لكي لا تفوتي الامتحان أيتها الجميلة”… شعرت بنوع من الخوف بعد أن تذكرت الامتحان انه امتحان البكالوريا “لا تخافي وحاولي أن لا يأثر عليك التوتر كل شيء سيكون على ما يرام”… حركت رأسي إيجابا “سترافقني” أجابني “بكل تأكيد وسأبقى أمام الثانوية الى أن تنهي امتحانك”… تزوجنا قبل أربع سنوات، لم أشعر يوما بالفرق الثقافي بيننا. كان دائما حنونا في كل شيء، لم أشعر معه بالنقص قط كان لي زوجا صالحا، كما كنت له زوجة صالحة، بعد زواجي منه شفيت من كل الجروح، اعتبرت وجوده في حياتي دواء ليس بعده داء.
مواقع تواصل اجتماعية