منوعات

حكاية الملك والخادم من الفولكلور السّوري لا تطمع في غيرك ولو كان على رأسك التاج

أنيس بن هالي

يحكى أنّ بعض ملوك  الشام طلع يوماً إلى أعلى قصره يتفرج، فلاحت منه التفاتة، فرأى امرأة على سطح دار وراءه ،لم ير الرّاؤون أحسن منها، فالتفت إلى بعض جواريه .وسألهنّ : من هذه ؟ فقالت : يا مولاي هذه زوجة غلامك فيروز ،وهي إبنة عمّه، فنزل الملك ،وقد شغف بها، ثم استدعى خادمه، .وقال له : يا فيروز خذ هذه الرسالة، وامض بها إلى البلد الفلانى، وسلمها للوالي!!! فأخذ فيروز الرسالة،وهو لا يدرى ما يدبره الملك له، ثم توجه إلى منزله، فوضعها تحت الوسادة ، وبات ليلته، فلما طلع الصباح ، ودّع إمرأته الشّابة ، وسار لتنفيذ مهمته، وأمّا الملك فإنه لما خرج فيروز قام مسرعاً وتوجّه متخفياً إلى داره ، فقرع الباب قرعاً خفيفاً .
فقالت امرأة فيروز : من بالباب؟ أجاب : أنا الملك سيد زوجك .ففتحت له، فدخل ،وجلس .فقالت له : أرى مولانا اليوم عندنا ! فقال : زائر ،فقالت : مرحبا بك، فثم جلس على كرسي . وبعد قليل قال لست مرتاحا هنا أريد أن أتكأ على فراشك ،فأدخلته غرفتها ،ورجعت بطبق من العنب والتفاح ،ووضعته أمامه ،وهو يتلطف معها ويدعوها إلى الجلوس معه ،ففهمت مقصده ،وردت ما أنا إلا جاريتك ،ولا يجالس الملوك إلا من على قدره ،زاد إعجاب الملك بالمرأة وقال لها تعالي وأنا أكسوك بألبسة الحرير ،فردّت يكفيني لباس العفة والطهارة فقال لها : ويحك إنني الملك ، وما أظنك عرفتني .فأجابت : بل عرفتك يا مولاي، ولقد علمت أنك الملك، وما أحسن قول الشاعر :
قل للذي شفه الغرام بنا (*) وصاحب الغدر غير مصحوب
والله لا قال قائل أبــــداً (*) قد أكل الليث فضلة الذيــــب
فاستحيا الملك من كلامها ،وخرج مسرعا، ،هذا ما كان من الملك .وأما فيروز، فإنه لما سار في طريقه، تذكر أنه نسي الرسالة تحت الوسادة ،، فرجع إلى داره، وما كاد يدخل حتى شم رائحة عطر الملك على فراشه، فطاش عقله، وعلم أن الملك لم يرسله في هذه السفرة إلا لأمر في نفسه، فسكت ،ولم ينبس بكلمة وأخذ الرّسالة وسار إلى حاجة الملك، فقضاها، ثم عاد إليه، فأنعم عليه بمائة دينار، فمضى فيروز إلى السوق، واشترى هدية حسنة تليق بالنساء ،وأتى إلى زوجته، فسلم عليها .
وقال : قومي إلى زيارة بيت أبيك. قالت : وما ذاك؟ قال : إن الملك أنعم علينا وأريد أن تظهري لأهلك ذلك .قالت : حباً وكرامة .ثم قامت من ساعتها، وتوجهت إلى بيت أبيها، ففرحوا بها، وبما جاءت به معها، فأقامت عند أهلها شهرا، دون أن يأتيها زوجها أو حتى يسأل عليها، فجاءه أخوها .وقال له يا إبن العم : إما أن تخبرنا عن سبب غضبك، أو نشكوك إلى القاضي.فقال : إن شئتم الحكم، فافعلوا، فإن كان لها حقاً، فاطلبوه .فذهبا إلى القاضي، وكان الملك حاضرا في مجلسه يستمع ، فقال أخو المرأة : أيد الله مولانا قاضي القضاة إنّي أجرت هذا الغلام بستاناً سالم الحيطان له بئر ماء ، وأشجار مثمرة، فأكل ثمره، وهدم حيطانه، وأخرب بئره، فالتفت القاضي إلى فيروز .
وقال له : ما تقول يا غلام؟ فقال فيروز : أيها القاضي قد تسلمت هذا البستان وسلمته إليه أحسن ما كان .فقال القاضي : هل سلم إليك البستان كما كان؟ قال : نعم، ولكن أريد منه السبب لرده .قال القاضي : ما قولك؟ قال : والله يا مولاي ما رددت البستان كراهة فيه، وإنما جئت يوماً من الأيام، فوجدت فيه أثر الأسد، فأشفقت على نفسي منه، فحرمت على نفسي البستان إكراماً للأسد .وكان الملك متكئاً ،وفهم مقصد الخادم فاستوى جالساً ،واستأذن من القاضي ثم قال : يا فيروز ارجع إلى بستانك آمناً مطمئناً، فوالله أن الأسد دخل البستان ، ولم يلمس منه ورقاً، ولا ثمراً ولا شرب ماءا، ولم يلبث فيه غير لحظة يسيرة، وخرج من غير بأس،
وإعلم أنّي لم أر مثل سياج بستانك، ولا أشد حرصا من الشجر على ثمره، ومن الطير على بيضه،فارجع وأنت قرير العين فحمل فيروز إمرأته إلى بيته، وقبل رأسها، ولم يفهم القاضي، ولا غيره شيئا من الكلام الذي دار أمامه ،فليس لفيروز بستان ،ولا حتى شجرة …

إنتهت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق