الرئيسيةمنظمة همسة سماء

سلسلة محاضراتي طلاب الدكتوراة في “تاريخ اللغة العربية في أوروبا ” القسم الاول من الجزء الرابع

فاطمة ابوواصل اغبارية

غليوم بوستل
=========

إن ظهور هذا الرجل ذي الأعمال الغريبة قد أدهش العلماء والملوك في أوروبا في القرن الذي عاش فيه، وأحدث فيما بعد انقلابًا عظيمًا، وحير معاصريه بخيالاته، وآرائه، الغامضة !
تاريخ هذا العلامة
————————
قام كأعجوبة من العجائب، أو كوكب منير سطع حينًا وانطفأ في منفى الجنون، ويدعى بوستل كان أول مستشرقي فرنسا، وقد ولد سنة ١٥١٠ في مدينة دولري بالقرب من بارنتون في نورمنديا، وكان محبًّا للعلم شغوفًا بالمجادلة والمحاورة في الأمورالصعبة ، حيث كان يظهر عبقرية نادرة، وقد اعتبره معاصروه لغويًّا حادَّ الذهن جدًّا، تعلم اللغات، خصوصًا الشرقية، وقد ذاعت شهرته وملأت كل أوروبا، وقد أحسَّ بوستل اليتيم، وعمره ثماني سنوات، بقساوة الحياة وبالفقر وضيق اليد والعوز ، فلما أدرك شيئًا من العلوم البسيطة وعمره اثنا عشر عامًا شجَّعته رغبته في العلم؛ فذهب إلى قريةٍ قريبة من بلده ليدرس فيها، ويستعين بما يَربحه من نقود على المعيشة وإتمام علومه.

وحدث ذات يوم أنه أراد الرجوع إلى بلدته، فانقضَّ عليه اللصوص، وسلبوا كل ما كان معه، وأطلقوه خاوي الوفاض؛ ومرض بعد هذه الحادثة مرضًا ألقاه طريح الفراش بإحدى مستشفيات باريس مدة ثمانية عشر شهرًا، وقد أصابه هذا المرض من سيره على قدمَيه إلى باريس حين انتشر في بلاده الطاعون، وبعد أن شُفي وجد عملًا في مدرسة ماري برباره بصفة خادم. وهكذا دخل إلى ميدان العلم من أحقر الأبواب، وأصبح فيما بعدُ كالمنارة يهتدي بنوره كلُّ من يرغب في العلم، خصوصًا في اللغات الشرقية. وقد انهمك بوستل في علومه، وبرع بسرعة في تعلم اللغة اللاتينية واليونانية والإيطالية والإسبانية والبرتغالية والعبرانية والكلدانية والسريانية والأرمنية والحبشية والعربية؛ حتى انتشرت شهرته وملأت الآفاق، وعلم بأمره ملك فرنسا فرانسوا الأول، وكان الملك فرنسوا يحب اللغة العربية والتركية، ويتقنهما جدًّا؛ فألحقه بسفارته في تركيا لدى السلطان سليمان، وأمره أن يُحضِر معه إلى باريس كل ما يستطيع الحصول عليه من المخطوطات النفيسة الشرقية، وكان هذا في سنة ١٥٣٤ حين بلغ بوستل من العمر أربعة وعشرين عامًا. وقد استفاد من وجوده في الآستانة لتعدد الشعوب الشرقية فيها، واشترى من هناك كتبًا مخطوطة باليد لا للملك فقط بل لنفسه أيضًا، وقد ابتلعت أثمانُ الكتب التي اشتراها كلَّ ثروته، حتى كتب مرةً لأحد أصدقائه: «إني أفلست، وأصبحت خاوي الوفاض، وليست معي نقود لأشتري بها كتبًا، وأستعين بها على أسفاري، ولم يبقَ لي شيء قط يجعلني أحتمل هذه الحياة.» وقد درس بوستل جميع الأديان والمذاهب، واشتغل في علم اعتدال حركات النجوم، وألَّف كتابه Linguarum caracteribus طبْع باريس سنة ١٥٣٨، ويحتوي هذا الكتاب على علم قراءة الخطوط الآتية: الخط العبراني، والكلداني، والسرياني، والسماريتاني، والعربي، والحبشي، والأرمني، واللاتيني، وألَّف آجرومية عربية، وهي الأولى التي طبعت في أوروبا بحروف عربية، وكان عنوانها هكذا

Grammatica arabica, Guilielmus Postellus, lector. Ne quid nostri confilii ignores candide lector, quum characterum difficultate in sculptis tabulis, multos esse perterritos viderem. quod essent difficile & male formati, volui loco illorum quaternionum hic insere grammaticam typis excussam, ut quos difficultate abegerat, facilitate & pulchitudine renocet. Parisiis apud Petrum Gromorsium 1538.

يتبع …. القسم الثاني من الجزء الرابع

المصادر ….

كتاب تاريخ دراسة اللغة العربية بأوروبا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق