ثقافه وفكر حر

مذكرات صيدلانيه متقاعده بقلم لمياء فرعون

مذكرات صيدلانيه متقاعده :
في يوم صيفي حار من أيام شهر آب اللهاب من عام ….. كنت آنذاك أقضي النصف الثاني من فترة خدمة الريف في صيدليتي التي افتتحتها في قطنا والتي أخبرتكم سابقا أنني اسميتها (صيدلية الإقبال ) تيمنا بإسم والدتي الغاليه جدا على قلبي رحمها الله.
كان الوقت عصرا،الحراره مرتفعه تتجاوز التاسعة والثلاثين،وكانت قطرات العرق تبلل كل ما ارتديت من ملابس،أقفلت باب الصيدليه الخارجي ودخلت إلى المختبر،تمددت على الكرسي الطويل الموجود هناك بعد أن تخففت من بعض ثيابي ومنيت نفسي باستراحة لذيذه لبعض الوقت،حيث يقل عدد القاصدين إلى الصيدليه في هذه الفتره،وما هي إلا لحظات قليله وإذ بالباب يقرع بشده وبطرقات متواليه،نهضت وأنا ارتجف وقلبي يكاد يقفز من صدري من شدة الخوف،رباه من هو الطارق وهل الأمر بهذه الخطوره حتى يتصرف بتلك الطريقه المزعجه!!؟خرجت مسرعة وفتحت الباب بيدي المرتجفه،وإذ بجاري الذي يقطن في البيت المجاور(وهو من بيت نخله) يقذف بكلمات سريعه جدا لاتكاد تلتقطها اذناي ومفادها أن جدته المريضة تريد أن آتي إليها وبسرعة صاروخيه لأمر هام جدا،توسل الي أن ألبي طلبها وقال لي :تعرفين غلاوتك لديها فهي تحبك كثيرا،ولك حظوه كبيره عندها،فأرجوك ثم أرجوك أن تلبي رغبتها فقد تكون ألأخيره فهي متعبه جدا.
توكلت على الله ودخلت إلى بيت هذه العجوز المغرمه بي،وأنا أدعو الله أن لاتطول هذه الزيارة المفاجئة ،فوجدت حشدا من الناس حول سريرها ،ألتفت الجميع نحوي يريدون أن يروا من هذه الزائره المهمة التي أصرت قريبتهم على رؤيتها،افسحوا لي الطريق إليها ،تقدمت بخطوات مرتجفه نحوها،وما إن رأتني حتى تهلل وجهها الشاحب بابتسامة كبيره،أعادت إليها بعضا من حمرة خفيفه ،قالت لي اقتربي مني ياابنتي فأنا مشتاقة لرؤية وجهك الصبوح،اقتربت قليلا ولكنها أصرت على الإقتراب أكثر وأكثر ،قالت أريد أن أقبل يديك اللطيفتين،فقد كان لهما الفضل الكبير في اعطائي الحقن التي لاتعد رغم إنها لم تجدي نفعا،فها أنا كما ترين اصارع الموت وحياتي قد أشرفت على النهايه أريد أن تبقى صورتك هي الأخيره المرتسمه في مقلتاي،خفت كثيرا من قولها هل ماقالته مؤشر على أني سألحق بها بعد وقت قصيرهل هذا نذير شؤم لي
عندما حضرتني هذه المخاوف،وجدت الدموع تتسرب من عيني بغزاره فظنت أنني أبكي من أجلها ،هل أقترب أجلي أنا الأخرى!؟
لاغير معقول فأنا لاأزال في مقتبل العمر ولم اتمتع بعد بأي شيء من مباهج الحياة،وعمري الذي مضى قضيته في صومعة الدراسة
وبينما كنت غارقة في وساوسي وأفكار ي المتشائمه،امتدت يدها الي وشدتني نحوها بقوة كبيره ،قبلتني بنهم وقالت لاتحزني ياصغيرتي ربما نلتقي معا في جنة الرب وعندها سأطلب منه أن يكون متساهلا في حسابك،فقد كنت لي نعم الجاره ونعم الإنسانة الطيبةالقلب،كانت كلماتها كأنها قادمه من عالم أخر،اغمضت عيناها بهدوء وسحبتُ يدي العالقه بيديها وأنتهى كل شيء.
تسللت خارجة من بين هذه الجموع التي بدأت بالبكاء والنحيب ودقت اجراس الكنيسه المجاوره دقات حزينه معلنة الرحيل
مرت أيام عديده على رحيل جارتي،وأنا دائمة التفكير في كلماتها التي جعلتني أعيش هاجس الموت حتى آخر فترة إنتهاء خدمتي في الريف،وحتى الآن لازلت اتذكر هذه الحادثه وأشكر ربي على أنني لازلت على قيد الحياة
بقلمي لمياء فرعون

مقالات ذات صلة

إغلاق