شعر وشعراء

لمن لا يهمها الأمرللشاعر جواد يونس

لمن لا يهمها الأمر

أُهْدي لِمَنْ لا يَهُمُّها الْأَمْرُ *** قَصيدَةً طالَ لَحْنَها الْحَظْرُ

ما عادَ عِنْدي الَّذي أُخَبِّئُهُ *** هَرِمْتُ يا لَيْلى وَانْقَضى الْعُمْرُ

عَرْشُكِ في الْقَلْبِ ظَلَّ، ما جَلَسَتْ *** عَلَيْهِ أَخْرى وَلَوْ لَها قَدْرُ

وَلَمْ يَزَلْ لِلْحَسْناءِ لَوْ هَجَرَتْ *** عَلَيْكَ يا قَلْبي النَّهْيُ وَالْأَمْرُ

رَسائِلي لِلْحَبيبِ أحْفَظُها *** لَوِ امَّحى مِنْ سُطورِها الْحِبْرُ

كَتَبْتُها بِالدُّموعِ إِذْ شَرِقَتْ *** بِها دَواةٌ مِزاجُها الْقَهْرُ

أَوْدَعْتُها أَمْواجَ الْبُحورِ وَما *** حَسِبْتُ يَوْمًا يَخونُني الْبَحْرُ!

حَبَسْتُ حَرْفي عِشْرينَ كامِلَةً *** وَصارَ سِجْنًا لِشِعْرِيَ الصَّدْرُ

فَلا تَلوموا إِذا بَثَثْتُ لَكُمْ *** لُحونَ صَبٍّ مَذاقُها مُرُّ!

صُدودُها خَنْجَرٌ بِهِ فَتَقَتْ *** صَدْري، وَبِالْهَجْرِ أُثْخِنَ الظَّهْرُ

وَلائِمٍ لي في عِشْقِها خَطَرَتْ *** أَمامَهُ، صاحَ بي: لَكَ الْعُذْرُ

يا وَيْحَ قَلْبي، ما هذِهِ بَشَرًا *** إِنْ هذِهِ إِلّا النّورُ وَالطُّهْرُ

فَقُلْتُ: ما في الْغاداتِ غانِيَةٌ *** في حُسْنِ لَيْلى: لا السُّمْرُ … لا الشُّقْرُ

وَمُنْذُ لَيْلى عَلَيَّ قَدْ هَبَطَتْ *** حورِيَّةً وَالْفُؤادُ مُخْضَرُّ

أَذْهَلَني، مِنْ قَبْلِ الْقِيامَةِ، وَجْهٌ جُمِعَ الشَّمْسُ فيهِ وَالْبَدْرُ

تَلَأْلَأَتْ في النَّهارِ شَمْسَ ضُحىً *** وَتَنْسِفُ الْعَتْمَ مِثْلَما الْفَجْرُ

وَكُنْتُ حينَ الْعُيونُ تَلْحَظُها *** يَشِبُّ نارًا بِقَلْبِيَ الْجَمْرُ

وَكُنْتُ إِنْ بِالرُّموشِ قَدْ عَثَرَتْ *** عَيْنايَ صُبْحًا يَطيبُ لي الْعَثْرُ

تَحْلو حَياتي إِذا لِيَ ابْتَسَمَتْ *** وَيَمْلَأُ النَّفْسَ والدُّنا الْبِشْرُ

وَتَرْشِفُ الْشَّهْدَ مِنْ رُضابِ فَمٍ *** ما جادَ يَوْمًا بِمِثْلِهِ ثَغْرُ

يُسْكِرُني ضِحْكُها كَدالِيَةٍ *** تَسْكُبُ لي راحَها وَلا خَمْرُ

فَإِذْ بِنَجْماتِ الظُّهْرِ لي غَمَزَتْ *** وَجَنَّةً قَدْ بَدا لِيَ القَفْرُ

وَأَحْسِبُ الْجِنَّ قَدْ سَبى رَشَدي *** فَالْعِشْقُ مَسٌّ وَدونَهُ السِّحْرُ

لَوْ عَيْنُ قَيْسٍ لَيْلايَ قَدْ لَمَحَتْ *** لَخانَهُ رَغْمَ أَنْفِهِ الشِّعْرُ

فَلا تَلوموا فَتىً يَراعَتُهُ *** أَذْهَلَها حُسْنُ الرّيمِ لا غَيْرُ

مِنْ نَهْرِ إِبْداعِهِ لَكَمْ غَرَفَتْ *** إِذْ فاضَ بِالشَّهْدِ وَالْجَنى النَّهْرُ

حُبّي لَها لَمْ يَكُنْ لِيُعْتِقَني *** فَصِرْتُ عَبْدًا لَوْ أَنَّني حُرُّ

صَبَرْتُ عَنْ ذِكْرِها، عَلى شَغَفي *** بِها، إِلى أَنْ تَمَلْمَلَ الصَّبْرُ

وكانَ مَدْحي الظِّباءَ تَوْرِيَةً *** كَيْما يُصانَ الْوِدادُ وَالسِّرُّ

إِنْ لُمْتُ نَفْسي لِأَنَّها كَتَمَتْ *** أَتَتْ بِأَلْفٍ وَما لَها عُذْرُ!

كَتَمْتُ حُبّي كَيْ لا تَذوقَ أَسى **** فَقْري وَكَمْ حُبٍّ أَعْدَمَ الْفَقْرُ

قَلْبي عَلَيْها فُؤادُ والِدَةٍ *** وَقَلْبُ لَيْلايَ في الْهَوى صَخْرُ

أَمْضَيْتُ دَهْرَيْنِ لا أُعاتِبُها *** وَالشَّوْقُ نارٌ وَقودُها الهَجْرُ

ما عُدْتُ أرْجو وِصالَها وَأَبى *** مَدَّ حِبالِ الْوِصالِ لي الدَّهْرُ

لَمْ تَبْقَ إِلّا وَصِيَّةٌ وَجَبَتْ *** فَلَسْتُ أَدْري مَتى سَأَصْفَرُّ

أَصيرُ ذِكْرى لُحونِ أُغْنِيَةٍ *** كِلْماتُها لَمْ يَضُمَّها سَطْرُ

عَلى ضَريحي اغْرِسي بَنَفْسَجَةً *** كَيْما أَراها فَصِنْوُكِ الزَّهْرُ

وابْكي، إِذا ما اسْتَطَعْتِ، ذاكِرَةً *** حِبًّا عَفيفًا يَضُمُّهُ الْقَبْرُ

الظهران، 23.7.2013 (تفعيلة) جواد يونس
مزيدة وَمنقحة؛ 21.10.2014 (الكامل)
منقحة؛ 22.8.2016 (المنسرح)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً

إغلاق
إغلاق