مقالات

هل يجوز الطلاق في المسيحية ؟ (أ.د. حنا عيسى)

الطلاق في المسيحية وفقًا لما ورد في إنجيل متي الإصحاح الخامس الآية رقم 21 “وقيل من طلق امرأته فليعطها كتاب طلاق وأما انا فأقول لكم إن من طلق امرأته إلا لعلّة الزنى يجعلها تزني ومن يتزوج مطلقة فإنه يزنى ” فإن الطلاق في المسيحية يعتبر أمر غير مقبول. تنظر المبادئ المسيحية للزواج على أنه علاقة أبدية

يعتبر الزواج بحسب المفهوم المسيحي رباط مقدس ، وارتباط بين شخصين رجل وامرأة وجدا ليتكاملا في جو القدسية والمحبة والتفاهم والانسجام والعطاء والتضحية وعليهما أن يعيشا معاً ، ويحافظا على بعضهما بعضا في السراء والضراء ،في أيام العُسر واليُسر .

والكنيسة المسيحية عبر تاريخها علمت أن زواج الرجل ينبغي أن يكون بامرأة واحدة مدى الحياة ، وأن يكون كل من الزوجين أميناً لعهود الزوجية المقدسة ، انطلاقا بأن الدين المسيحي لا يجيز الطلاق بين الزوجين ، لأن الزواج رباط مقدس مُرتب من الله .

وكما هو معلوم فإن الديانة المسيحية اهتمت بالزواج ، وجعلته من المقدسات الدينية ، فمنعت تعدد الزوجات وحرمته ، ، كما حرمت الطلاق مبدئيا كقاعدة عامة وذلك استناد إلى ما قاله السيد المسيح عندما جاء اليه الفريسيون يجربوه قائلين له : هل يحل للرجل أن يطلق امرأته بكل سبب ؟ فأجاب وقال لهم : أما قرأتم أن الذي خلق من البدء خلقهما ذكراً وأنثى وقال من أجل هذا يتمسك الرجل وأباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكون الاثنان جسدا واحدا ،اذا ليسا بعد اثنان بل جسد واحد.

فالذي جمعه الله لا يفرقه إنسان ، قالو له فلماذا أوصى موسى أن يعطي كتاب طلاق فتطلق ؟قال لهم إن موسى من أجل قساوة قلوبكم أذن لكم أن تطلقوا نسائكم ،ولكن من البدء لم يكن هذا ،وأقول لكم إن من طلق امرأته إلا بسبب الزنا وتزوج بأخرى يزني ،والذي يتزوج بمطلقة يزني ( متى 19:3-9).

فالزواج في المسيحية يقوم على الأسس التالية :-

القدسية ، فالزواج المسيحي المبني على كلمة الله هو رباط مقدس.

المحبة والاحترام ، أن يقوم الزواج المسيحي على أساس المحبة والاحترام والتفاهم المتبادل بين الزوجين (أفسس 5).

الوحدة والاتحاد ، الوحدة تقوم على أساس أن يتخذ الرجل الواحد امرأة واحدة فقد جاء في رسالة بولس الرسول لأهل كورنثوس :” ليكن لكل واحد امرأته ، وليكن لكل واحدة رجلها (كورنثوس 7:2).

الثبات وعدم الانحلال وهذا يعني أن الزواج يجب أن يدوم ولا يحل بقوة سلطان بشري إلا بالموت .

هذه هي أهم الأسس التي يقوم عليها الزواج المسيحي المثالي ،ولكن لكل قاعدة شواذا ، فقد تنشأ حالات استثنائية يكون نتيجتها تصدع بنيان الزواج أو تفسخه ، لذلك لابد من ايجاد وسائل معالجة مثل هذه الحالات إلى المحاكم الروحية الكنسية ، لإيجاد التشريعات المناسبة لتبرير الطلاق أو بطلانه ، والتي هي بالنتيجة شيء واحد (إلا أنه يسمى طلاقا بالنسبة للبعض في حالة الزنى فقط ولا يحق لمن طلق بسبب الزنى أن يتزوج ثانية ،بينما يجوز ذلك في الحالات الأخرى).

ومع أن المرجع الأول الذي يعتمد علية تبرير الطلاق هو الكتاب المقدس ألذي ينص في أكثر من موضوع على أن “من طلق امرأته إلا لعلة الزنى يجعلها تزني ، ومن يتزوج مطلقة فإنه يزني “(متى5:32 ). فلذلك اضطرت الكنيسة لوضع تشريعات واجتهادات خاصة لمعالجة موضوع الزواج الفاشل الذي يحول الحياة الزوجية إلى جحيم وشقاء ،ومن هذه الاجتهادات والتشريعات :

عندما يكون زواج أحد الطرفين من الآخر بالإكراه ودون موافقته ورضاه.

عندما يقع أحد الزوجين تحت عقوبة جرم شائن يؤدي به إلى السجن لمدة طويلة .

عند ترك الزوجين بيت الزوجية دون إذن أو علم الآخر ودوام ذلك لفترة طويلة قد تكون ثلاث سنوات أو أكثر (عند بعض الطوائف ).

عند إصابة أحد الزوجين بالجنون والانفعالات النفسية الشديدة التي لا يمكن شفاؤها والتي تشكل خطرا على الحياة الزوجية والأولاد فيما بعد .

حالة الزنى ، عند افتراق أحد الطرفين جريمة الزنى وتدنيس قدسية الزواج .

بالإضافة إلى ذلك ، هناك آراء وأفكار إضافية حول الأسباب التي تؤدي إلى الطلاق أو فسخ الزواج ،ومنها عدم الانسجام الروحي والجسدي الذي يؤثر على السعادة الزوجية وقد ذهب البعض إلى أن اختلاف الدين بين الزوجين أو العجز الجنسي الدائم ، أو كل ما يسبب تصدع صرح الزوجية ، وهو كافٍ للطلاق إلا أن المسيحية بشكل عام لا تقبل بالطلاق المعلق على الأهواء والنزاعات الخاصة أو النزوات أو التراضي والاتفاق على الطلاق ،إذ يجب أن تكون هناك أسباب هامة تؤدي إلى ذلك ،ويعود تقديرها للمحاكم الروحية لدى الطوائف المسيحية .

ومما يجدر ذكره أن بعض الطوائف المسيحية لا تجيز الطلاق لأن الشريكين قد صارا في الزواج المقدس جسدا واحدا ، لا يجوز الفصل بينهما مهما تكون الأسباب ، ولهذا فهي تقرر الهجر بين الزوجين لمدة طويلة يختبر كل من الطرفين نفسه ، على أمل أن يكون هناك مجال لعودة الوفاق بينهما وليس هناك قانون عام أو قاعدة عامة يجوز الطلاق بموجبهما ، بل أن كل حالة تأخذ على حده يقرر بشأنها بحسب الموجبات المؤدية إلى الخلاف والحل الذي ترتئيه المحكمة الروحية المولجة بشؤون الأحوال الشخصية.

وخلاصة القول فإن الديانة المسيحية تقدس الزواج بين الرجل والمرأة تقديساً كاملاً ، ولا تشجع بل تحترم الطلاق في الحالات التي يمكن فيها إنقاذ هذا الزواج ،لأن ما جمعه الله لا يفرقه الإنسان ،وأن الطلاق إن حدث فهو لأمور شاذة لا يمكن إصلاحها .

فالمسيحية تكرم المجتمع والأسرة وحياة الأطفال وتنادي بقدسية الزواج ليعيش الجميع في محبة وتفاهم ووئام في ظل راية المسيح داعية المحبة ورئيس السلام ألذي يساعدنا أن نحيا حياة مثالية عندما ننظر الية كمدبر لحياتنا وليس لبيوتنا .

 

1

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق