مقالات

أم الياسمين .. مسلسل يجسد ملامح المكان الفلسطيني الكاتب والباحث/ ناهـض زقـوت

منذ بدايات شهر رمضان تابعت مسلسل أم الياسمين وهو مسلسل فلسطيني بامتياز، ويعرض على شاشة تلفزيون فلسطين، من فكرة وإخراج المخرج الفلسطيني بشار النجار، والقصة من تأليف طاهر باكير، وسيناريو وحوار فاخر أبو عيشه، ومعالجة درامية سعيد سعادة.
يقدم المسلسل الحياة الفلسطينية منذ انطلاقة ثورة البراق 1929 وما بعدها حتى عام 1935 أي قبل انطلاق الثورة الكبرى، في ظل الاحتلال البريطاني وممارساته ضد الشعب الفلسطيني، لكي يمهد للثورة الكبرى عام 1936 من خلال التراكمات العدوانية التي مارسها الاحتلال البريطاني.
اتخذ المسلسل من مدينة نابلس مسرحاً للأحداث ليروي مائة عام من حياة نابلس كنموذج يطبق على كافة المدن الفلسطينية بما تشمله من أبعاد سياسية ووطنية واجتماعية واقتصادية، وما أحدثه الاحتلال البريطاني في حياة الناس أدى لانطلاق الثورة الكبرى عام 1936 وشملت كل مدن فلسطين.

يزخر المسلسل بعدد كبير من الفنانين والفنانات الذين لهم باع طويل في التمثيل، حتى وصل عددهم إلى ما يقارب 56 فناناً وفنانة، وغيرهم عشرات الأشخاص الذين يؤدون أدواراً ثانوية، بالإضافة إلى فريق التصوير والمونتاج والديكور والاضاءة، وجميعهم يبذلون جهدهم في تجسيد وقائع الحياة الفلسطينية ليس على المستوى السياسي وأعمال المقاومة فقط، بل بكل ما تزخر به الحياة من عادات وتقاليد وأعراف سائدة، ومأثورات شعبية، وأغاني تراثية وشعبية ووطنية، وعلاقات الناس مع بعضها ومدى التلاحم والمحبة بينهم التي لا تخلو من المشاحنات ولكنها لا تعكر الود، ويركز على أحياء الذاكرة الجمعية للشعب الفلسطيني بما يجسد ملامح المكان الفلسطيني زمن الاحتلال البريطاني. ناهيك على مكانة نابلس الاقتصادية وخاصة في صناعة الصابون الذي كان يوزع على كل المدن الفلسطينية والكنافة النابلسية التي ما زالت أشهر كنافة في فلسطين.
والجديد الذي تعرفت عليه من خلال المسلسل في عادات أهل نابلس حفلات الاستقبال، تلك الحفلات التي تجتمع في ظلها نساء الحارة بكل ود ومحبة، يغنن ويرقصن بكل بهجة وفرح، وينشدن الأغاني الشعبية التي تعيد ذاكرة الأجيال إلى سابق عهدها، فيشعر القلب بالحنو إلى الماضي الجميل الذي لم يعكر صفوه غير الاحتلال البريطاني ولاحقاً الاحتلال الاسرائيلي.
ما يثير الانتباه في المسلسل العدد الكبير من النساء الممثلات مما يشير إلى تطور المجتمع وتقبله لفكرة تمثيل المرأة، وكذلك تناقضات المجتمع من حيث فكرة المواطن الشريف في مقاومة الاحتلال، وفكرة الشرطي العربي المساند لسلطة الاحتلال، ورغم ذلك بينهم من هو شريف ولا يرضي بظلم أخيه الفلسطيني، فهذا “وديع” كان شرطياً فأصبح مناضلاً ومسانداً للثوار.
لم يخرج المسلسل عن الواقع الفلسطيني بل قدمه بصورته الحقيقية زمن الاحتلال، وبين محاولاته تجنيد مخبرين لديه، واتباع سياسة فرق تسد بين كبار القوم في المجتمع.
وما يميز المسلسل أنه لم يدخل في التفاصيل من حيث شرح وتفسير الأحداث، بل قدمها بصورة ملامح يفهم منها المقصود، وكان البعد السياسي في رؤية المسلسل أقل تركيزاً من بعده الاجتماعي، فهو يجسد حياة الناس وعلاقاتهم زمن الاحتلال، وانعكاس وجود الاحتلال على حياتهم.
يعتقد بعض الناس أن هذه المشاهد التي يرونها في المسلسل هي مطروقة لهم، وليست جديدة عليهم، ولكنهم لا يدركوا أن المسلسل موجه للأجيال الجديدة التي لم تعش الحياة الفلسطينية قبل النكبة، ولم يتعرفوا على معالمها، كذلك الأجيال التي تعيش في المهجر ولم تعرف دور المدن الفلسطينية ومكانتها، وأن المختار لم يكن عميلاً كما صورته العديد من الأعمال الدرامية، بل هو رجل وطني شريف مقاوم للاحتلال، ولكن ثمة ضعاف النفوس الذين يخدمون سياسة الاحتلال، فالمسلسل يؤكد أن الألوان ليست كلها أبيض.
انا لست ممن يدخلون في مناقشة العمل الدرامي من حيث التقنيات والامكانيات، بل من حيث الفكرة التي يطرحها المسلسل، هي فكرة ممتازة، فكرة الحياة في المدينة الفلسطينية، وما فيها من ايجابيات وسلبيات، وعلاقات انسانية ووجدانية.
نؤكد بما شاهدته من أعمال قام بها فريق العمل من إعادة بناء الحارة في قصر سحويل التاريخي في قرية عبوين قرب رام الله بما يشبه حارة الياسمينة في نابلس، يشير إلى الامكانيات البسيطة التي تمتلكها شركة جنى المنتجة، فهي اختارت مكاناً مهجوراً ومهدماً وأعادت بناءه لتقدم من خلاله المسلسل.
واتفق مع الكاتب والفنان المسرحي نضال الخطيب فيما قاله حول المسلسل بما أنه أكثر خبرة ودراية بالأعمال الدرامية يقول: مسلسل لطيف وبسيط حد العبقرية .. الأهم صدقي مع نفسي ووصولي لشعبي العظيم لا تهمني الحداثة وشعبي تحت الاحتلال .. اضافة الى جماليات العمل، نحن بأمس الحاجة الى احياء الذاكرة، هذا مسلسل بسيط عفوي وجميل فيه صدق عالٍ واحتراف.
وفي تقرير وزارة الاعلام الفلسطينية حول المسلسل ذكرت أن هذا العمل الدرامي يتميز بإمكانياته البسيطة كونه عملاً فردياً يقف خلفه المخرج بشار النجار الذي تميز خلال السنوات الأخيرة بتخصصه واصراره على انتاج المسلسلات التلفزيونية الدرامية منذ سنة 2013 حيث أنتج “أولاد المختار”، و”الأغراب”، و”كفر اللوز”، لكن مسلسل أم الياسمين يوصف بأنه العمل الأكثر نضوجاً، ويشكل انطلاقة جيدة للدراما الفلسطينية.
غزة: 4/4/2023

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق