مقالات

الاعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة

الدكتور حنا عيسى

في العاشر من شهر كانون الأول 1948
بقلم: د. حنا عيسى – أستاذ القانون الدولي
“الإعلان هو وثيقة حقوق دولية تمثل الإعلان الذي تبنته الأمم المتحدة بتاريخ 10/12/1948م في قصر شايو في باريس. الإعلان يتحدث على رأي الأمم المتحدة عن حقوق الانسان المحمية لدى كل الناس”
من تأكيد ميثاق الأمم المتحدة في مقدمته على إيمان شعوب هذه الأمم بالحقوق الأساسية للإنسان ، وبكرامة الفرد وقدره وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية “وتعزيز احترام حقوق الأنسان والحريات الأساسية للناس جميعا ، والتشجيع على ذلك اطلاقا بلا تميز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين الرجال والنساء ” (م/1 من ميثاق الامم المتحدة) ،إلا ان هذا الميثاق الدولي العام (أي ميثاق الأمم المتحدة) لم يفصل ماهية حقوق الأنسان التي أوصى باحترامها (الحمصاني)ولذلك كان من الضروري أن تبادر المنظمة الى اظهار مدى اهتمامها بموضوع حقوق الأنسان عن طريق صياغة وثيقة خاصة تعالج تفاصيل هذا الموضوع بشكل أشمل وأدق ، وليس لمجرد هدف من بين عدة اهداف تسعى منظمة الأمم المتحدة الى تحقيقها ويتألف الاعلان العالمي لحقوق الأنسان من مقدمة وثلاثين مادة ، وتقر المقدمة لجميع اعضاء الأسرة البشرية من كرامة أصيلة ومن حقوق متساوية وثابتة مما يشكل أساسا للحرية والعدل والسلام في العالم .
ولما كان تجاهل حقوق الأنسان وازدراؤها قد أفضيا الى أعمال أثارت ببربريتها الضمير الإنساني. وكان البشر قد نادوا ببزوغ عالم يتمتعون فيه بحرية القول والعقيدة والتحرر من الخوف، كأسمى ما ترنو اليه نفوسهم ولما كان من الأساسي ان تتمتع حقوق الأنسان بحماية النظام القانوني إذا أريد للبشر ألا يضطروا اخر الأمر الى القيام بالتمرد على الطغيان أو الاضطهاد بأن الجمعية العامة للأمم المتحدة، قامت بنشر هذا الاعلان على الملا ” بوصفه المثل الأعلى المشترك الذي ينبغي أن تبلغه كافة الشعوب وكافة الأمم.
وابتداء الاعلان في مادته الاولى بالقول “يولد جميع الناس أحراراً متساويين في الكرامة وفي الحقوق وقد وهبوا عقلاً وضميراً، وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضاً بروح الإخاء.
ثم ذكر الإعلان حقوق الأنسان الأساسية تباعاً، كالحرية الشخصية وتحريم الرق والعبودية والتعذيب، وحريه الفكر والرأي وحرمة الملكية والمنزل والحياة الخاصة والشرف والسمعة. وأكد مساواة المواطنين إزاء القانون، وعدم التميز بينهم بسبب العنصر او اللون أو الدين أو المذهب السياسي، وحق الشعب في الاشتراك في الحياة العامة وتولي المنصب، وحق الأمن الاجتماعي والتمتع بالجنسية وحرية التنقل واختيار المنزل وحق اللجوء فرارا من الاضطهاد. واعتبر الإعلان أن الأصل براءة الذمة ومنح إلقاء القبض أو الحبس أو النفي استبداداً وأقر حق التقاضي العلني النزيه والتزام الشرعية في التجريم والمعاقبة.
وأقر حق الزواج وحرمة العائلة، وحق المرأة في الحياة والأمن والحرية الشخصية وحقوق الأمومة والطفولة، وحق اختيار الإباء تربية أولادهم. واشاد الى الحق في العمل وفي اختياره بشروط عادلة وبأجر متساو مع أجور الأخرين عن نفس العمل وحق الفرد في الراحة في اوقات الفراغ ولا سيما في تحديد معقول لساعات العمل، وحق الفرد في مستوى معيشة كاف للمحافظة على الصحة والرفاهية له ولأسرته ويشمل ذلك الغذاء والكساء والسكن والعناية الطبية والخدمات الاجتماعية الازمة. ويضيف الاعلان الى ذلك الحق في مجانية التعليم في المراحل الأساسية الأولى على الأقل وأن يكون التعليم الابتدائي إلزاميا مع افساح المجال للفرد في المساهمة في حياة المجتمع الثقافية والفنية والادبية وتوجيه التربية نحو إنماء الشخصية. ويختتم مواده بأن على كل فرد واجبات نحو المجتمع الذي يعيش فيه وان الفرد يخضع في ممارسة حقوقه وحرياته للقيود التي يفرضها القانون لضمان الاعتراف بحقوق الأخرين وحرياتهم واحترامها ولتحقيق المقتضيات العادلة للنظام العام والأخلاق في مجتمع ديمقراطي. ولا يصح ممارسة الحقوق والحريات ممارسة تتعارض مع اهداف الأمم المتحدة ومبادئها المادة 29. ونصت المادة 30 من الاعلان على أنه: – ليس في هذا الإعلان أي نص يجوز تأويله على نحو يضير انطواءه على تخويل دولة أو جماعة أو أي فرد أي حق بأي نشاط أو بأي فعل يهدف الى هدم شيء من الحقوق والحريات المنصوص عليها فيه.
أما من حيث القيمة القانونية للإعلان فلا تعد قواعد ملزمة ولذلك فليس من شأنه أن يلغي أو يعدل القواعد القانونية الداخلية المغايرة له، كما أن القضاء الوطني ليس ملزما بتطبيق مواده من الناحية القانونية.
ومع ذلك فهناك من يعتقد بقوته الإلزامية على اساس أنه جاء مفسرا لميثاق الأمم المتحدة ومعبرا عن مقاصدها ، وبما أن جميع أعضاء الأمم المتحدة تعهدوا بموجب المادة (56) من الميثاق بأن يقوموا منفردين أو مجتمعين بالتعاون مع الهيئة لكي يشيع في العالم احترام حقوق الأنسان والحريات الأساسية للجميع ، فان القيمة القانونية للإعلان تتجاوز مجرد كونه توصية معنويه ليس لها أي قدر من الالتزام .ويدلل البعض على اهمية هذا الاعلان من خلال اشارة الدول به في كافة المناسبات واعلانها عن التمسك بما جاء فيه من مبادئ بينما يلقى سلوك هذه الدولة او تلك استنكار الرأي العام عند خرق مبادئ هذا الإعلان .
ونعتقد أن ما يقدم من اراء لا يعطي صفة الإلزام لهذا الإعلان، وكثيرا ما تشيد بعض الدول به من باب الاعلام وليس الالتزام، بل اننا نشك بمدى امكان الكثير من الدول تطبيق هذه المبادئ حتى ولو كانت إلزامية.
(سمي العالمي وليس الدولي لإن العالمية صفة متأصلة في حقوق الإنسان ومع ذلك يتحتم أن يكون مفهوم العالمية هذا مفهوماً بوضوح ومقبولاً من الجميع، ولا بد من التأكيد هذا على أن العالمية ليست شيئاً مفروضاً أو مقرراً، ولا هي تعبير عن الهيمنة العقائدية لمجموعة من الدول على بقية العالم).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق