اقلام حرة
الماء والخضرة والوجوه النضرة تصقل الحاسة السادسة والموهبة الأدبية / بقلم سلامة ابو جودة
واليكم هذه الحكاية…
قصة قصيدة (عيون المها بين الرصافـة والجسـر)
قدم علي بن الجهم على المتوكل – و كان بدويًّا جافياً – فأنشده قصيدة قال فيها :
أنت كالكلب في حفاظـك للـود و كالتيس في قراع الخطوب
أنت كالدلو لا عدمنـاك دلـواً من كبار الدلا كثيـر الذنـوب
فعرف المتوكل قوته ، و رقّة مقصده و خشونة لفظه ، وذ لك لأنه وصف كما رأى و لعدم المخالطة و ملازمة البادية . فأمر له بدار حسنة على شاطئ دجلة فيها بستان يتخلله نسيم لطيف و الجسر قريب منه ، فأقام ستتة اشهر على ذلك ثم استدعاه الخليفة لينشد ، فقال :
عيون المها بين الرصافـة والجسـر **
جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري
خليلـي مـا أحلـى الهـوى وأمـره **
أعرفنـي بالحلـو منـه وبالـمـرَّ !
كفى بالهوى شغلاً وبالشيـب زاجـراً **
لو أن الهوى ممـا ينهنـه بالزجـر
بما بيننا مـن حرمـة هـل علمتمـا **
أرق من الشكوى وأقسى من الهجر ؟
و أفضح من عيـن المحـب لسّـره **
ولا سيما إن طلقـت دمعـة تجـري
وإن أنست للأشياء لا أنسـى قولهـا **
جارتها : مـا أولـع الحـب بالحـر
فقالت لها الأخـرى : فمـا لصديقنـا **
معنى وهل في قتله لك مـن عـذر ؟
صليه لعل الوصـل يحييـه وأعلمـي **
بأن أسير الحب فـي أعظـم الأسـر
فقالـت أذود النـاس عنـه وقلـمـا **
يطيـب الهـوى إلا لمنهتـك الستـر
و ايقنتـا أن قـد سمعـت فقالـتـا **
من الطارق المصغي إلينا وما نـدري
فقلت فتـى إن شئتمـا كتـم الهـوى **
وإلا فـخـلاع الأعـنـة والـغـدر
فقال المتوكل : أوقفوه ، فأنا أخشى أن يذوب رقة و لطافة !
من صفحة محسن ياسر