مكتبة الأدب العربي و العالمي

المزمار_السحري الجزء الثامن

كان جسد الغول يقطر دماً بعد أن أشبعته الساحرة ضرباً بالسياط لأنه تجرأ ووقف بوجهها في المرة الأخيرة..
ثم سمعت ميساء تقول :حالما تنقضي شمس هذا النهار, فستعود يا هارون الى عزلتك وانطوائك لخمسين سنة اخرى.. بانتظار الحب الذي لا وجود له..
وهنا.. ظهرت بدور أمامهما وقالت : انت مخطئةٌ أيتها الساحرة.. فأنا أحب احمد حباً نقياً طاهرا.. وسأخلص له حبي.. وهو يحبني كذلك… لذا فقد حان الوقت لتحرري الامير هارون من لعنته..

نهضت ميساء وهي تنظر الى بدور بتعجبٍ ثم قالت :
ليس بهذه السرعة يا فتاة..إن قلبكِ الصغير لا يعرف شيئاً عن الحب.. فضلاً عن الحب الحقيقي..
انت لستي سوى حمقاء, وذلك بسبب رجوعكِ الى هنا لتثبتي شيئاً لا طاقة بكِ لفهمه, فضلاً عن حيازته وامتلاكه..
فالحب الحقيقي الذي نتحدث عنه, هي تلك القوة التي تتحد وتنبثق من قلبين متحابين… قوةٌ يكون باستطاعتها أن تقلب الموازين لو أرادت.. وتحقق المستحيل لو شاءت .. ولا يقف في طريقها أعتى القوى الاخرى..
ثم اقتربت من بدور أكثر وقالت :انظري الى قلبكِ يا فتاة وأخبريني.. هل حبكِ لأحمد قادرٌ على أن يفعل كل ذلك؟؟

صمتت بدور وهي تنظر الى الارض.. ثم دمعت عيناها وقالت :
لكن هذا بالضبط ما كان يحاول احمد إفهامه لي…
مسكين احمد.. إنه يبحث عن فتاةٍ بالمستوى الذي ذكرتيه..
أما أنا, فلست بفتاة احلامه..
قالت ميساء :هذا صحيح.. أما وقد أدركتي ذلك, فتعالي إليّ يا صغيرتي ولنبكي معاً على قسوة الحياة وظلمها لنا… هيا إليّ…

شعرت بدور وكأن قلبها يقطر دما.. فتحركت صوب الساحرة الخبيثة..
وهنا.. ظهر احمد فصاح :كلا يا بدور.. لا تستمعي إليها…
نظرت بدور إليه.. فتساقطت دموع عينيها وقالت :
احمد.. لقد فشلتُ يا احمد… أنا لا أستحق أن أكون حبيبة أحد..
رد عليها هو :ما هذا الذي تقولينه؟؟.. كل واحدٍ منا نحن البشر يملك في داخله حباً حقيقيا… وأنت تملكين الحب الحقيقي أيضاً ولكنكِ لا تعلمين ذلك بعد..
يجب أن تؤمني به أولاً ثم ابحثي في مكنونات قلبكِ عنه وستجدينه.. نعم يا عزيزتي بدور, أنا واثق أنكِ ستفعلين..
حينذاك.. إستشاطت ميساء غضباً فأشارت الى الغول فأمسك بكتفي احمد من الخلف وثبته مكانه.. فضحكت ميساء وقالت :الآن سأقوم بقتلك يا ولد وسينتهي كل شيئ.. فقد ضقت ذرعاً بخرافات ما يسمى بالحب الحقيقي..

مدت ميساء أصبعها نحو احمد فخرج من طرفه ضوءٌ أبيض أصاب الفتى وجعله يصرخ مصعوقاً حتى سقطت من بين ملابسه اللفافة التي عثر عليها في المزهرية.. فتدحرجت تلك اللفافة الى أن بلغت بدور المذهولة لِما يصيب الفتى..
رفعت بدور اللفافة وقرأتها.. فحملت الخنجر وهددت به ميساء بالقول :أتركيه وإلا استخدمت هذا الشيئ..
هنا انفجرت ميساء بالضحك من بدور وقالت :
يا لكِ من مثيرةٍ للشفقة.. إحذري وإلا جرحتي نفسكِ ب(هذا الشيئ)..

استمرت ميساء بتسليط الضوء القاتل على احمد.. لكنه مع ذلك فقد تمكن من النظر الى بدور والقول لها :
لا يا بدور… أتركيني وانجي بحياتك..
لكن بدور هجمت وهي غاضبةٌ على ميساء لتطعنها.. فمدت الساحرة يدها الاخرى واختطفت الخنجر من بدور..
ثم وضعت ذؤابة الخنجر على قلب بدور وهددت بطعنها إن هي تحركت..

شعرت بدور باليأس وبالعجز الشديد وهي ترى حبيبها يكابد الموت بسببها دون أن يكون باستطاعتها فعل شيئ.. فنظرت الى ميساء وخاطبتها بدموعٍ منهمرة :
أتوسل إليكِ يا ميساء.. أبقي على حياته وخذيني أنا بدلاً عنه..
نظرت الساحرة بغضبٍ الى الاميرة وقالت :
لا زلتي تعتقدين إن ما تقومين به هو بدافع الحب الحقيقي.. ألم تقتنعي بعد بأن الحب الحقيقي مجرد كذبة..
ثم التمعت عينا ميساء وقالت :لدي فكرةٌ عظيمة… لن أقتل الفتى, فلا متعة في ذلك… ولكن بدلاً من ذلك فسأقوم بلعنه وتحويله الى غولٍ بشع تماماً كهارون.. بواسطة هذا الخنجر الذي احضرتيه إليّ..

وذلك عن طريق سحب طاقة الحب من قلبكِ يا فتاة وتحويلها الى احمد.. بعد أن تمر تلك الطاقة من خلالي فتفسد وتتحول الى سحرٍ اسود يدخل الى قلب الفتى..

شرعت ميساء بفعل ذلك فورا.. فأخذت تنبثق ومضاتٌ بيضاء صرفة من قلب بدور.. فتمر الى الساحرة عبر الخنجر الملامس لقلب الاميرة.. ثم ومن خلال إصبع يد ميساء الاخرى ينطلق شعاعٌ أسود ويصب في قلب احمد..

إستمر صراخ الفتى حتى أخذ شكله بالتغير إيذاناُ بتحوله الى مسخٍ مسحور..
فيما استمرت قهقهات الساحرة وهي تقول :
أرأيتي يا فتاة؟؟..هذا ما جناه حبكِ الحقيقي على الفتى… إنه يصلح لتحويله الى مسخٍ فظيع..

لم تعبأ ميساء بتوسلات بدور ودموعها الغزيرة وهي تناشدها أن تتوقف عما تفعله..
آنذاك.. نظرت بدور الى أحمد نظراتٍ ملؤها المودة وكأنها تطلب منه الصفح والغفران.. فأحس الفتى أنها ستقدم على عملٍ خطير, فصاح بها :
أياً كان ما ستفعلينه فاتركيه لأجلي.. أتوسل إليكِ يا بدور..
لكنها قالت بصوتٍ حزين :
سامحني يا احمد, فلا يمكنني تركك هكذا بعد رؤياك بتلك الحالة..

قال هو باكيا :
أرجوكِ أن تتوقفي يا بدور..
ردت هي ببكاءٍ أشد :
أرجوك افهمني أنت يا احمد.. فحبي لك يحتم عليّ إنقاذك…
أمتعت بدور عيناها بالنظر إليه ثم أضافت بصوتٍ شجي :
أحبك يا احمد… الوداع…

آنذاك… أمسكت بدور بكف الساحرة وسحبتها نحو صدرها بقوةٍ فاندفع الخنجر الأسود عميقاً داخل قلب الفتاة…
الساحرة ميساء شعرت بذهولٍ عظيم لما حدث للتوّ.. فأبعدت يدها عن الخنجر وهي تصرخ برعبٍ شديد.. واستمرت بالصراخ حتى مزّقت جسدها ومضاتٌ عنيفة من أنوارٍ بيضاء مبهرة السطوع..

الانوار البيضاء غمرت المكان… ثم حل سكون عجيب..
في تلك الاثناء.. فتح احمد عينيه..شاهد نفسه يطوف في فراغٍ كله بياض..
هل أنا في حلم؟؟ ام إنني ميت؟؟
تسائل هو.. ثم وجد نفسه ينادي باسم بدور مرةً بعد أخرى..
وهنا… أتاه الجواب..نعم يا احمد.. أنا هنا..

إلتفت فرآها أمامه… هي بذاتها.. الاميرة بدور ذات الجمال الأخاذ..
هرع إليها يريد معانقتها.. لكنه لم يستطع الوصول إليها..
قالت له :عزيزي.. نحن لم نعد في عالمنا بعد الآن..
قال وهو يبكي :لا يهمني.. المهم أن نجتمع سوية..
قالت :هل ترغب أن نبقى هنا لوحدنا في هذا العالم الذي ليس فيه غيرنا؟؟
قال :إذا كنا سنبقى معا… فنعم أرغب……
قالت :لكن ما رأيك أن نعود الى عالمنا الذي جئنا منه؟؟ لنجرب هناك التعايش سويةً مع ذلك الحب الحقيقي الذي حضينا به..
أجاب :أخبرتكِ أنه لا يهمني المكان الذي سنتواجد فيه, ما دمنا سنظل معا…..

يتبع في الجزء التاسع و الأخير

من قصص حكايا العالم الاخر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق