المبدع المتميز الصاعد
هل وصله صوتي في ذاك اليوم / بقلم المبدعة المتميزة أدباء الغد أية حجرات
“هل وصله صوتي في ذاك اليوم؟”
قد تكون هذه الذكريات القليلة التي أملكها عن ذاك الشخص، أكثرها تأثيرا في حياتي.
أنهيت لتوي صلاة الفجر وأستلقيت في سريري، أغمضت عيناي لثواني فرأيت شخصا كان قد رحل منذ مدة طويلة، كنت أملك ذكريات قليلة عنه لكن أتسائل لماذا تعود بي ذكرياتي إلى ذلك اليوم من وقت إلى آخر، حاولت في كل مرة ألا أتعمق التفكير بالموضوع ولكن لم أستطع أن أتمالك نفسي، منذ لحظات بدأت تعود لي ذكريات ذاك اليوم.
“صوت عربات تجر في الممرات، لون حائط أبيض متسخ قليلا، أناس يبكون وآخرون فرحون، رائحة المعقمات غطت جميع الطوابق”
كانا والداي يسيران أمامي ورحت أحدق بهما من الخلف طوال طريق سيرنا إلى تلك الغرفة، توقفنا أمام غرفة يوجد فيها ستة أسرة، منها فارغ ومنها من يوجد مرضى عليها، “وصلنا” سمعت أمي بصوت خافت، مشيت وراء والدي إلى أن وصلنا إلى السرير المزعوم ،،، نظرت إلى ذلك الشخص المستلقي على السرير بعينان واسعتان، متجمدة في مكاني، فقط أكتفيت بالمشاهدة، “أحكي لعمو يلا أصحى مشان تاخدنا رحل زي دايما” همست أمي في أذني، دفعتني إلى أمام السرير بلطف، وضعت يدي الصغيرة على يده اليسرى بلطف رافقه بعض التوتر وقلت ما قالته لي أمي بالضبط، أخبرته ذلك بصوت خافت، كنت حينها بالتاسعة من عمري، ظننت أنه سيشفى بسرعة كأنه مرض عادي، كان شبه مستيقظ آنذاك يحدق بي بطريقة حزينة وكأنه يقول “أنقذوني، أنا أتألم بشدة” ، ابتعدت عن السرير حالما أنهيت جملتي وتجولت بالغرفة غير مبالية لما يحدث حولي، بعد هذه الزيارة بأيام قلية كان عمي قد فارق الحياة، لم أستطع سوى تذكر ما حدث في بيت العزاء وما بعده من أحداث.
“أنتظروني أنا قادمة” قلت لﻷطفال في بيت العزاء، لم تهمني أصوات البكاء، لم يهمني لماذا نحن موجودون هنا من الأساس مع علمي الكامل بذلك، لم أهتم سوى باللعب مع الأطفال والركض وراءهم، في أثناء نزولنا من على السطح، أغلق أحد الأطفال نافذة الباب على إبهامي، صرخت بصوت مسموع لمن كان قربي، دمعت عيناي قليلا، كم أردت البكاء يومها، كان يؤلمني بشدة، ضغطت على إبهامي بكل ما أملك من قوة متظاهرة بالشجاعة أو ﻷني حقا لم أرد أن يروني بقية الأطفال أبكي، نزلت الى الطابق الأرضي ووجدت أمي تقف أمامي وكان بقية الأطفال قد سبقوني إلى الحديقة في الخارج، سألتني أمي عن سبب صراخي فأخبرتها بأني رايت حشرة غريبة وذعرت، فأسرعت بالذهاب الى الخارج دون أن أسمع أو أرى تعابير وكلام أمي…
عدنا لاحقا إلى البيت، غيرت ثيابي وارتديت ملابس النوم، استلقيت على فراشي لكن لسبب ما … شعرت بثقل قلبي، دقات قلبي سريعة جدا، شعرت بألم شديد في قلبي، وضعت ذراعي حول وسادتي وعانقتها بشدة، المشاعر التي راودتني قبل لحظات أرادت الخروج بقوة عبر دموعي،، لم يسعني فعل شيء سوى إخفاء وجهي الباكي في وسادتي،، بكيت وصرخت حتى آلمتني معدتي ،، لم يكن مثل بكائي على دميتي اللتي أخفاها أخي عني أو عندما أغلقت نافذة الباب على إبهامي بل كان بكاء فريد من نوعه، بكاء يؤلم جميع أنحاء جسدي، بكاء يشعر صاحبه بالندم، بكاء جعلني أنضج قليلا … ما زلت أتساءل حتى هذا اليوم ،، هل وصلت آمالي للشخص الذي احترمته وقدرته وآمنت به و ربما حتى أحببته أكثر من أبي بقليل.
هل وصلك صوتي ، عمي …
بقلم آية حجرات ?