مقالات

رجاء قراءة هذا المقال فهو مهم جدا جدا رغم طوله نسبيا الصفقة

راغب رجب

يطلق على هذه اللفظة وجود شراكة بين طرفين , من أجل حالة من التواصل وكسر حدة التباعد , أو خطر التباعد , فكلا الطرفين يريد المصلحة الذاتية , والمكسب , على أن يكون المكسب مرض لكلا الطرفين , فالصفقة قد تكون إقتصادية وتجارية أو سياسية حربية لوجود حرب أو تجارة أسلحة
ويشترط فيها رضا الطرفين ووجود وسيط شاهد ليوفق بينهما , يرضاه الطرفان , وبنود للصفقة محددة يمكن تفعيلها على أرض الواقع
والطرفان قد يتساويان في القوة , وقد لا يتساويان , يكون أحدهما أقوي من الآخر
وهنا القوة لا تعنى أن القوي يفرض بنود الصفقة على الآخر , فقد يكون الأضعف من ناحية القوة على الأرض هو الذي يملي شروطه ويجعل الطرف الآخر الأقوي منه عدة وعتاد مضطرا لقبول شروطه
نتكلم أولا على الصفقة بين موسي وشعيب عليهما السلام , فموسي لم يكن بعد نبي مرسل من الله عز وجل ولكن على دين آبائه يعقوب وإسحاق وإبراهيم عليهم السلام , وشعيب سواء كان النبي شعيب عليه السلام المرسل الى مدين قوم اشتهروا بطفيف الميزان أى الغش فيه سواء بالزيادة ( اكتالوا )أو النقصان ( كالوا ), وهذا الرأى بعيد لإختلاف زمن شعيب النبي عن زمن شعيب موسي تاريخيا
فالصفقة كانت بين موسي عليه السلام , وشعيب , على زواج موسي عليه السلام من إحدى إبنتي شعيب , والمتدخل هو إبنتي شعيب , والشاهد هو الله عز وجل , ولكن يوجد بنود للصفقة
الطرف القوي نسبيا هو شعيب , حيث كان على أرضه وله قوة إقتصادية من الغنم , وله بيت أيا كان هو ومصنوع من ماذا , فشعيب مستقر هو وبناته , ونقطة ضعفه أنه أصبح شيخا كبيرا غير قادر على العمل , ومن يعوله ويعمل له هو ابنتاه برعي أغنامه وسقياهم , من بير , قومه القوى منهم يسقي أولا ولا يعتبر للضعفاء , فقوم شعيب أشار القرآن أنهم غير صالحين , وفى نفس الوقت لايريد زواج إبنتيه من القوم الغير صالحين
الطرف الثاني هوموسي , وهو الطرف الأضعف , حيث الفقر ولا يوجد له مأوي ,ولا عمل , ولا زوجة , وهو مطارد من فرعون وجنوده ليقتلونه ثأرا للمصري , حيث قتل مصريا بغير تعمد , ولكن فرعون وجنوده لا يحبون موسي لصلاحه وحب المصريين له , ولم يكن عندئذ نبيا مرسلا
ولكن تدخل إبنتي شعيب في الصفقة هو الذي أنجحها , فقد قالوا لأبيهم شعيب أن موسي رجل قوى فقد سقى لهما قبل قوم شعيب , ولم ينتظرهم , وكان على البئر صخرة لا يزيحها إلا عدد من الرجال غير قليل , ولكن موسي أزاحها وحده , وكان موسي رجلا شجاعا وشهما وبه المروءة فشعر بضعف البنتين , ومن الشهامة عند وجود المرأة في العمل وقد خرجت له للحاجة ( وهى أبوهم الشيخ الكبير الضعيف )وكما قال الشعراوي : عندما تخرج المرأة للعمل للحاجة ( والحاجة هنا تقديرها حسب الوقت والزمن ومقومات الدول وقدرة المرأة ), سأل موسي البنتين وقد رأى إنتظارهما بكل حياء وشهامة , لم هما في هذا الوضع من الإنتظار ومعهم الغنم , فقالا : لا نسقي حتى يسقي الرعاع أى قومهم الذين لا شهامة لهم , فأجابا بكل حياء ما قلت سابقا , وموسي وجد منهما الضعف , فشخصيته هى المجدة وما قتل المصري إلا لاستغاثة شخص من قومه له وكان ضعيفا , قد هاجمه المصري وقاتله , فكانت نتيجة نجدة موسي له أن لكزه , أى مجرد ضربة , ولكن ضربة موسي وهو القوى الذي أزاح الصخرة الكبيرة من على البئر قتلت المصري , والقتل هنا غير متعمد , وأظنه قتل تشريعي بمعنى كان الحدث لابد منه , حتى يخرج موسي هاربا من فرعون وجنوده لما أعلمه الرجل الصالح ( وهو جاء من أقصي المدينة أى ليس جاسوسا على فرعون , وإنما علم من القوم بذلك ومن يجد فيه الصدق ), فخروج موسي عليه السلام من مصر الى مدين خروج لابد منه حتى يتم قضاء الله , فيجد شعيب ويتزوج من إحدى ابنتيه ثم يقضي عشر سنين مع شعيب في العمل عنده برعي الغنم ثم يرجع الى مصر عبرسيناء ليتلقي وحى الله , ويعود به الى فرعون وجنوده ( التوحيد)والمعجزات ,وعودة قوية فيها العصمة له من القتل , ثم بعد ذلك تلقى التوراة وشريعتها
فإبنتي شعيب , كانا هم الطرف الذى تدخل في الصفقة لما رأوه من موسي وقوته وأمانته وأخلاقه , فقالا :استأجره إن خير من استأجرته القوى الأمين.. وهما رأيا أخلاقه عندما مشت إحدى البنتين أمامه لتعرفه الطريق الي البيت , لم يرضي أن ينظر الى أنوثتها بالمشي والتطلع لها ( غض البصر ) , بأن تمشي وراءه فعلمتا حسن أخلاقه
وقيل لما انتظر موسي في مكان قريب من البيت تحت ظل شجرة ,دعا الله أنه فقير , قيل سنعته إحداهما , أو لم تسمع , فالله يعده لرسالته ولمقابلة شعيب
وكالعادة البنات وأظن أن أمهما غير موجودة إما لموتها أو لفراقها لشعيب , فشعيب هو الأب والأم , ولذلك حكت البنتان قصة موسي معهما
وكان رأيهما أن يستأجره , وعلم شعيب ميلهما أو إحداهن الى الزواج من موسي عليه السلام , وهذا ليس عيب , فقد وجد شعيب لما حكى موسي له حكايته مع فرعون والمصري الصدق, فقال له: ” فَجَآءَتْهُ إِحْدَىٰهُمَا تَمْشِى عَلَى ٱسْتِحْيَآءٍۢ قَالَتْ إِنَّ أَبِى يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَآءَهُۥ وَقَصَّ عَلَيْهِ ٱلْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ ” القصص 25
وهنا عرض شعيب بنود الصفقة معه , وهى الزواج من إحدى ابنتيه , فتحرم عليه الأخري , وفى نفس الوقت شعيب لايريد زواجهن من قومه لسوء أخلاقهم , والبند الثاني العمل معه أو عنده في رعي الغنم لمدة ثمانى سنين , وخيره إن عمل عشر فمن نفسه أى شهامة وتقدير , وافق موسي على الزواج والعمل , برضاه لا لإحتياجه , ولإن فعل لاحتياجه فهو لم يفعل إلا الخير
والشاهد هنا هو الله عز وجل , فلا يوجد مراقب إلا الله على تنفيذ الصفقة ” فالله شهيد, وكيف لا وكلا الرجلين صالح , فلم يأبها بغير الله شاهد , وأظن أن وقتها ليس فيه كتابة
ونجحت الصفقة لصلاح الطرفين , ولم يستغل أحد الطرفين قوته وضعف الطرف الآخر , فلم يشدد شعيب في بنود الصفقة , وأتم موسي الصفقة بالأخلاق وإعتبار الجميل , فجعل مدة العمل عشرة بدلا من ثمانية
” قَالَ إِنِّىٓ أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ٱبْنَتَىَّ هَـٰتَيْنِ عَلَىٰٓ أَن تَأْجُرَنِى ثَمَـٰنِىَ حِجَجٍۢ ۖ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًۭا فَمِنْ عِندِكَ وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِىٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ ” القصص27
أما معظم الصفقات السياسية والحربية تعتمد على إرغام الطرف القوى للضعيف أن ينفذ ما يطلبه لصالحه أكثر من الطرف الآخر , فصفقة إسرائيل نتنياهو مع حماس غزة ( طبعا بالتعاون مع الفصائل الفلسطينية كلها ) كان الطرف الأقوي هو حماس رغم قلة عددها وعدتها فهى فصيل وليس جيشا قويا كما هوجيش إسرائيل المحتلة الذي يعد من أقوى جيوش العالم كما يدعون بالنسبة للعدة والعتاد الآلي ( وقيل الاقوة تعتمد على السلاح وحامل السلاح , وهنا يوج سلاح قوى وفتاك مع إسرائيل المحتلة ولكن لا يوجد حامل قوي يحارب من أجل قضية , فالجندى الإسرائيلي يحارب من أجل البقاء محتلا ولي عن أرضه فهى ليست أرضه وهو يعلم ذلك ), ولهذا نجحت حماس في فرض ما تطلبه من الصفقة بالنسبة لتبادل الأسري والهدنة واعتراف إسرائيل بوجودها على الأرض ,
وكان الوسيط بينهما هو مصر وقطر العربيتان وأمريكا التى هى الأقرب لإسرائيل ولكن سير الحرب كان لصالح حماس فجعلها تتخلى نسبيا عن الوقوف مع نتنياهو , وطبعا الضغط بالنسبة لأهل الأسري الإسرائليين , ولداخل إسرائيل الذي أصبح الأكثرية مع تبادل الأسري والتخلى عن الحرب , وأيضا الضغط من شعوب العالم على إسرائيل لما رأوا من مذابحها اللا أخلاقية ممع الفلسطينيين حيث قتلت الأطفال والنساء والشيوخ والصحفيين والأطباء , بل هدمت المستشفيات وحتى الإسعافات دمرتها وقطعت الكهرباء والماء ومنعت الوقود والأمدادات بأنواعها للدخول الى غزة , وهدمت البنية التحتية لغزة دمار كبيرا
فكسبت حماس الاعتراف بوجودها دفاعا عن أرضها , وكسبت من تبادل الأسري بقدر الإمكان عددا أكبر من عودة أسراهم , الفرد تقريبا بثلاثة أو أكثر
وكسبت إلتقاط الأنفاس من غارات إسرائيل المكثفة عليهم بجميع الوسائل الحربية جوا وبحرا وأرضا وبالأسلحة المحرمة , وكسبت في كل لحظة تعاطف المجتمع الدولي مع قضيتهم وقيام دولة فلسطينية على حدود 1967 م
حتى داخل المجتمعات المعاونة كأمريكا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وغيرها
وكسبت تعرية إسرائيل المحتلة من دعايتها الكاذبة ليكتشف العالم أنها هتلرية نازية همجية مغولية , صوت وصورة وعلى الأرض , وأنها هى الإرهابية لا حماس
والشاهد على البنود وتطبيقها من تدخل وسيطا والعالم كله
أما الطرف القوى في معاهدة كمب ديفيد كانت مصر رغم تحييد أمريكا لمصر بالنسبة للحرب , وبالنسبة لبعض قضايل القضية الفلسطينية , ورغم أن مصر لم تتخلى عن هذه القضية أبدا في المجتمع الدولى والى الآن من فتح معبر رفح للمعونات ومن وقف إطلاق النار ولو هدنة مؤقتة وسير تبادل الأسري مع التنفيذ
لا أطيل عليكم فيوجد صفقات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق