اقلام حرة

السلام المفقود

الاديبة الكاتبة أ. اسماء الياس

السلام المفقود
بحثت بين أوراقي المبعثرة عن رسالة كانت قد وصلتني من صديق سجن في سجون الاحتلال بسنوات الثمانينيات. كنت صبية بريعان شبابي، في ذلك الزمن كان الحب نقيٌا عفيفا لا تشوبه شائبة، كانت قلوب البشر طيبة إذا أحبك شخص أحبك بطهارة نفس.
عندما وجدت الرسالة أمسكتها بيد ترتجف بدأت بقراءتها بلهفة، فقد كانت حروفها ما تزال كما هي. الظاهر أن الزمن لم يؤثر عليها فقد كنت أحتفظ بها داخل حقيبة جلد كنت قد أخذتها هدية عندما كنت أعمل بإحدى مصانع الحقائب الجلدية، فيها احتفظت بكل الأوراق والأشياء المهمة العزيزة عندي خوفاً من فقدانها.
اليوم عندما أعود لتلك الأيام التي خلت أجد فرقا كبيرا بين تعامل الناس مع بعضهم، بين نفوس البشر بذلك الزمن واليوم. اليوم لا تستطيع أن تثق بشخص ثقة تامة، يبقى هناك تخوف من أن يأتي يوم ويغدر بك.
لماذا؟ اسأل نفسي: لماذا تبدل انسان اليوم عن إنسان زمان؟ لكني لا أجد جوابا، لأن الأجوبة تبقى غامضة.
هذا الصديق الذي كان يلقب باسم يوسف تعرفت عليه من خلال المراسلة. في ذلك الزمن لم نكن نملك هذه الأجهزة المتطورة التي اليوم يحملها كل شخص، كنا نتعرف على بعض من خلال الرسائل الورقية. أتذكر عندما كانت تصلني رسالة يحملها لي موزع البريد كنت أتناولها بيدي وسعادة الكون في قلبي اقرأها مرة بعد مرة كلمات جميلة مشاعر نظيفة صادقة، كنت أحتفظ بكل الرسائل بدرج المكتبة الخاصة في.
بعد أن تقدم الزمن وذهب بكل سيئاته وحسناته، أعود لتلك الرسائل كل فترة حتى اشتم من خلالها عبق الزمن الجميل. اقرأها بشغف منقطع النظير.
أتذكر ذلك اليوم الذي وصلتني فيه رسالة غريبة غامضة نوعاً ما، لم تكن الرسالة تحمل خط يوسف، بل كان خطاً غريباً لم أعهده من قبل، فتحت الرسالة وأنا متخوفة من شر مستطير. عندما بدأت بقراءة الرسالة تأكد لي بأن ما شعرت به كان حقيقيا. لقد قرأت أن يوسف استشهد في سجون الاحتلال بعد أن عذب ومات تحت التعذيب. لم أتحمل هذا الخبر بكيت عليه، بكيت على طفولته المعذبة على حياته الصعبة، ونهاية لم أكن احلم يوما من الأيام ان أفقد صديقا كل ذنبه أنه فلسطيني دافع عن وطنه المسلوب.
الإنسان بكل مكان في العالم بحاجة أن يعيش بسلام.
توقفت عن الكتابة لأن الذكريات المؤلمة تؤلم الروح. نهضت من مكاني خرجت للشرفة، نظرت نحو السماء، كانت السماء صافية والطيور تحلق بعيداً، ما أجمل الحياة قلت بيني وبين نفسي.
عدت حتى أكمل ما بدأت به من كتابة فقد كنت مهتمة ان أكمل كتابة القصة لأنها تتحدث عن فترة جميلة في مركز حياتي، نعم أنا أكتب عن فترة بعيدة مرت في حياتي، لكنها ما زالت تعيش بأعماقي.
جربت أن أستعيد تلك الفترة بكل جماليتها وتلك البراءة التي كانت تميزني. تذكرت عندما تقدم لي شاب حتى يخطبني لقد كنت شابة جميلة لكن الخجل كان يعيق حياتي، يجعلني أبتعد عن كل من أراد التعرف عليَّ، لا أعرف على من كان الحق؟ هل الحق كان على التربية أو المجتمع؟ لا أعلم. المهم عندما لم يجد ذلك الشاب تجاوبا مني ذهب ولم يعد.
أكملت حياتي. صحيح أنا لم أكمل تعليمي الثانوي ولا الجامعي، لكني ثقفت نفسي بنفسي قرأت الكثير من الروايات العربية والعالمية المترجمة للغة العربية. عدا عن الموهبة التي اكتسبتها من حياة الوالد، فقد كان والدي شاعراً وكاتباً وله الكثير من الاصدارات الشعرية والقصة والرواية وسيرة ذاتية.
ولأن الموهبة تكون بالجينات تكتسب بدأت أكتب ولأني إنسانة عاطفية وجدت نفسي أتوجه نحو الرومانسية، كتبت فأجدت التعبير عن خلجات روحي. بعد ذلك جربت أن أقتحم عالم القصة القصيرة فأجدت ذلك، غير أني وجدت التشجيع من الكثيرين. اليوم أعتبر نفسي قد اجتزت الكثير من العقبات وخاصةً الخجل أصبح من ورائي، أصبحت شجاعة، خاصةً عندما يصول قلمي ويجول على الأوراق. اليوم أعتبر نفسي قد اجتزت كل الخجل، لأن الكتابة أعطتني المزيد من الشجاعة والاقدام.
والفضل الأول والأخير لشخص أحبني لشخصي.
الرحمة لكل شهداء الوطن، والرحمة ايضاً للأحياء. أتمنى أن يعم السلام، ولا يبقى مفقوداً كما هو الآن…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق