أخبارمحلية
عجزت كل عبارات البلاغة والتعبير التي يجيد الأسير المحرر صلاح استخدامها في التعبير عن مشاعره وهو يستقبل وعائلته الذكرى السنوية ال( 23 ) لاعتقال والده الأسير “احمد أبو السعود حنني”
بيت فوريك/ تقرير علي سمودي.. همسة نت
– عجزت كل عبارات البلاغة والتعبير التي يجيد الأسير المحرر صلاح استخدامها في التعبير عن مشاعره وهو يستقبل وعائلته الذكرى السنوية ال( 23 ) لاعتقال والده الأسير “احمد أبو السعود حنني” مسؤول فرع السجون في” الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين” واحد أعضاء لجنتها المركزية العامة، فالابن “صلاح” الذي حرمه الاحتلال أن يعيش في كنف والده في منزلهم في بلدة “بيت فوريك”، وبعد طول معاناة عاش معه بعض الوقت خلال اعتقاله، يعتبر كل الكلمات عاجزة عن التعبير عن مسلسل معاناة لا زالت حلقاته مستمرة مع استمرار اعتقال والده الذي يعتبر “عميد أسرى” محافظة نابلس والذي شطبت إسرائيل اسمه من كل عمليات وصفقات التبادل والافراجات، بينما كبر الأبناء وتخرجوا من المدارس والجامعات وبعضهم تزوج، وأصبح لديه الأحفاد ممن لا يعرفهم إلا من خلال الصور، “فأي بلاغة يقول صلاح: أو “إعجاز يمكن أن يترجم مشاعر الزوجة والابن وحتى الوالدة التي رحلت وهي تحلم بعناق ابنها الأحب احمد، بلا شك كل المعاني والمصطلحات ستبقى عاجزة، لان دائرة الحزن والألم تمتد وتتسع، خاصة وان الاحتلال لم يتوقف عن استهداف عائلتنا التي كان منها الشهيد والجريح، ولم يسلم احد من أفرادها من الاعتقال بمن فيهم والدتي”. روح الأمل النابضة ورغم السنوات الطويلة، فان الزوجة الصابرة التي تستقبل عاما جديدا محرومة من زوجها، لا زالت تتمتع بمعنويات عالية وترفض التخلي عن الأمل، أمل يكبر ويتجدد، إذ تقول: «مجرد الحديث عن احمد ونضالاته وتضحياته وصبره وصموده يمنحنا الأمل الذي أحوله لحكاية ارويها كل يوم لأحفاده كما أبنائه، لتبقى روحه تنبض في قلوبنا التي لم تفارقها صورته وملامح وجهه، وآمالنا الكبيرة في حريته، مهما طال واستمر ظلم السجان وظلمة السجن، فسنضيء شموع الحرية باستقبال احمد، الذي ولد في (18/3/1956) في بلدة بيت فوريك شرق مدينة نابلس حيث نشأ وترعرع في أسرة بسيطة ومناضله، وقد تعرض جميع أفراد الأسرة لاعتقالات متكررة واستشهد شقيقه معروف أبو السعود عام 1981 عندما كان احمد في المعتقل بسجن نابلس، وكان قد أمضى بذلك الاعتقال 24شهر، وقد تعرض بعض أشقائه للإبعاد خارج ارض الوطن أيضا”. طريق بداية النضال وتتذكر زوجته المحطات المختلفة في حياته، وتقول: تلقى أبو السعود تعليمه الابتدائي والإعدادي في مدارس بيت فوريك ورغم تفوقه وحبه للدراسة إلا انه اضطر لترك المدرسة بعد وفاة والده، وكان أنهى الصف الثاني الإعدادي، وظل محبا للعلم ويشجع أصدقاءه وأبناء بلدته على العلم، و تزوجنا في مطلع السبعينيات من القرن الماضي حيث كان يعمل في مجال البناء والقصاره، وسافر بعد ذلك سوريا و تلقى تدريبا عسكريا على يد أخيه معروف أبو السعود الذي كان مسئول عن احد المواقع التدريبية التابعة للجبهة الديمقراطية”، وتضيف: ثم “عاد إلى ارض الوطن واخذ ينتظر إشارة للبدء بالعمل العسكري وبسبب عدم تواصل أي من مجموعات معه قام بتشكيل أول خليه “لجبهة التحرير العربية” في البلدة حيث عملت الخلية على تهريب السلاح عبر حدود الأردن، وتم اعتقال بعض عناصرها والكشف عن الخلية، وأمضى أبو السعود في السجن 24شهر وقد استشهد شقيقه معروف خلال تواجده بالسجن”. انضمامه “للجبهة الشعبية” ويقول نجله صلاح :”انضم أبي لصفوف الجبهة الشعبية وتحديدا لمجموعاتها السرية في عام 1981 بعدما تعرف في سجن نابلس إلى رفيق دربه الشهيد إبراهيم الراعي الذي كان مسؤولها العسكري، ثم عمل في مجموعات الجبهة الشعبية وتعرض خلال ذلك للعديد من الاعتقالات إلا انه كان يمضي فترة التحقيق أو فترة 3-6شهور ويتم الإفراج عنه بسبب عدم ثبوت أي شيء عليه”، ويضيف: حتى “إنني أتذكر بأنه لم يحضر معنا طوال عمري الذي أتذكره به سوى عيد واحد، وقد كانت اعتقالاته جميعها في فترة الأعياد ( عيدي الفطر والأضحى)، وتضيف زوجته :«خلال عمله في صفوف الخلايا العسكرية للجبهة الشعبية تعرف إلى رفيق دربة مؤيد الشيص من عنبتا، وشكلا مع رفيقهم إبراهيم الراعي نموذجا بالعمل العسكري المميز، حتى تاريخ 23/5/1987 حيث كان ليلة اعتقاله مستيقظا وينتظر قدوم الجيش، فقد كان يتوقع ذلك، ويعتقد بان الأمور ستكون كالمعتاد بأنه سيمضي بضعة اشهر ويتم الإفراج عنه إلا انه في هذه المرة لم تكن الأمور كما أراد، فلم يفرج عنه حتى الآن، وتتابع: «كما اعتقل رفيقه الشيص في 14/6 من نفس العام، وكذلك اعتقل قبلا منهما إبراهيم الراعي الذي تمت تصفيته في التحقيق من قبل المخابرات الإسرائيلية عام ال1988، وحكم زوجي أبو السعود والشيص بالسجن مدى الحياة وبعدها وفي نفس العام أيضا هدمت قوات الاحتلال منزلنا الذي كانت تسكن به عائلتنا المكونة من : أبنائي سوسن 12 عاما وأبو السعود 10سنوات و صلاح 8سنوات سعدي 6 سنوات وسحر 13يوما وهذه أعمارهم بيوم اعتقاله. اعتقال الزوجة والطفلة وخلال التحقيق تقول زوجته:«تعرضت للاعتقال، اقتحموا منزلنا واعتقلوني مع مولودتي الرضيعة في ذلك الوقت سحر وذلك كوسيلة ضغط على أبو السعود خلال تواجده في تحقيق المسكوبية، وجرى احتجازي لمدة يومين أو ثلاثة، بينما أمضى ستة شهور في زنازين المسكوبية وبعدها نقل لسجن نفحة”، وتضيف: “تعرض زوجي أبو السعود خلال تنقله إلى السجون والى المحاكم إلى الضرب المتعمد للانتقام منه من قبل قوات حرس الحدود، حتى انه في كل مره كان يضرب أما على عينه أو رأسه ويتم نقله إلى المستشفى على اثر ذلك. وقد طالب بعض السجانين من حرس الحدود بإعدامه قبل الحكم عليه”. محطات العذاب وتوضح زوجته :«تكثر محطات العذاب في رحلة الاعتقال الطويلة، وكانت الصور المؤلمة التي عايشناها وزوجي متعددة الأشكال، وأكثرها حزنا، عندما تزوجت ابنتي الكبرى سوسن عام 1994، وأنجبت له أول حفيده وهي لارا، أضف لذلك سياسة حرمان الزيارات، فقد كبر أطفاله الصغار وهو لا يراهم إلا من خلف القضبان والشباك، بينما حرم من اللقاء بابننا سعدي لأكثر من عشر سنوات منذ عام ال1996 حتى نهاية عام 2006، وذلك رغم عدم تعرضه للاعتقال أو عدم نشاطه بأي عمل سياسي أو عسكري، وبعد إجراء عدة محاولات لمعرفة السبب تبين بأنه يوجد خطأ في اسم العائلة بشهادة الميلاد، وبعد تعديل الخطأ تم رفضه امنيا”، وتضيف: في “عام 2006 سمح له بزيارته لمرة واحدة ومنذ ذلك الوقت حتى الآن لم يزره إلا مرة واحدة كل سنه، بينما ابنه أبو السعود منع عن الزيارة حوالي 8 سنوات دون أي مبرر أو سبب حتى أن ابنه لم يتعرض أيضا للاعتقال أو التوقيف”. لقاء ممنوع رغم الاعتقال وبتأثر بالغ قال صلاح : رغم « حزن الإنسان لتعرضه للاعتقال، فقد شعرت بسعادة كبيرة عندما اعتقلت في نهاية عام ال2002 لأنني سأتمكن من لقاء أبي، وأعوض ما حرمني الاحتلال منه، لأعيش معه فترة اعتقالي الإداري، وحاولت ووالدي الحصول على موافقة على الأقل لزيارة واحدة ولكنهم رفضوا”. رحيل الوالدة وترتسم معالم الحزن والألم لدى حديث صلاح عن جدته التي كانت ترتبط بنجلها الأسير أبو السعود بعلاقة وثيقة، فأمضت سنوات عمرها تردد اسمه وتصلي لعودته لبيته وحضنها، ويضيف: في “عام (2004 )كان عام الحزن والفراق الأبدي بين أبي وأمه التي توفيت بنفس تاريخ اعتقاله في يوم (23/5/2004 )وقد ذكر عنه المعتقلون معه، بأنه يوم معرفة خبر وفاة والدته كان أعطى الرفاق جلسة في الغرفة وكانت حول الاقتصاد السياسي وفي نهاية الجلسة طلب منهم بعض الوقت ليحدثهم عن امرأة عظيمة قدمت ابنها البكر شهيدا وابنه الذي يصغره مبعدا وجميع أبنائها اعتقلوا لأكثر من مره، وابن ابنها حبش ألاستشهادي الأول في بلدة بيت فوريك، وابن بنتها أزهر أيضا استشهادي وأحفادها معظمهم تعرضوا للاعتقال، وقد توفيت اليوم وهي على أمل أن تحتضن ابنها الأسير منذ 17سنه، وكانت الدموع قد نزلت على خذه، فاخذ رفاقه جميعا يبكون ألما وحزنا حتى انه كان أكثرهم صلابة واخذ يواسيهم”. اعتقال صلاح الثالث واستمرت فصول مسلسل الاستهداف لعائلة أبو السعود، وفي عام ال2005 اعتقل ابنه صلاح للمرة الثالثة بعد اعتقالين إداريين، ويقول صلاح: “اعتقال هذه المرة جاء على خلفية نشاطي الجامعي، وقد التقيت بوالدي في يوم 28/9/2005 أي بذكرى الانتفاضة، وأمضينا معا 73يوما فقط في سجن اوهلي كدار في بئر السبع، ثم نقلوا والدي إلى سجن ايشل بالسبع أيضا وذلك يوم 11/12/2005، وفي يوم 1/1/2006 تم نقلي عنده بعد تقديم عدة طلبات لذلك، ولكن فرحة اللقاء لم تستمر سوى فترة وجيزة وفي تاريخ 26 من الشهر نفسه نقلوه إلى سجن جلبوع و كانت المرة الأولى التي يتم نلقه فيها إلى سجون الشمال، و خلال ذلك قدمنا عدة طلبات لنقلي عنده ولكنهم رفضوا بحجة أن الإدارة لا تجمع الابن مع والده حتى يحكم”، ويضيف: وبعد أن حكمت بالسجن ل 25شهر تمت إعادته إلى سجن اوهلي كدار، وفي يوم 9/11/2006 تم نقلي لوالدي في سجن “جلبوع”، ورغم كل الأيام الصعبة والقاسية افخر بابي الذي قدم وما زال نموذجا في صموده وعطائه وتضحياته، فهو من ابرز قادة الحركة الأسيرة ومعروف عنه ثباته بالموقف وثقافته العالية، وفي عام 1998 قدمت وإياه امتحانات الثانوية العامة ونجحنا معا بنفس العام”، ويوضح لم يتأثر أبي بواقع الاعتقال، بل كرس حياته لخدمة الحركة الأسيرة وانصب عمل وتركيز أبي منذ اعتقاله على العمل التنظيمي، وهو الآن مسؤول فرع السجون لدى الجبهة واحد أعضاء لجنتها المركزية العامة وقد تربى على يديه العديد من الأسرى في كافة السجون وهو معروف للجميع ومحبوب لكل الأسرى والمعتقلين لأنه رفيق وأخ وإنسان ومحب للجميع. كما كرس وقتا كبيرا من حياته في الكتابة والتأليف، وله مؤلفات في العمل التنظيمي وقصص قصيرة وعن واقع الحركة الأسيرة ولكنها حتى الآن لم ترى نور الطباعة، ومن إبداعاته : كيف تواجه المحقق، عن ثقافة الاعتقال، التجربة الاعتقاليه. لحظات صعبه ويتذكر صلاح انه قبل الإفراج عنه بحوالي خمسة أيام، حيث كان يعيش ووالده معا بنفس الغرفة تعرض القسم لعملية قمع، ويضيف: “تعرضت وأبي ومعظم الأسرى للضرب وجرى حرمان القسم من الأدوات الكهربائية، ونقل بعض من المعتقلين للزنازين، ورغم ذلك فان يوم الإفراج عني في 13/5/2007 من نفس الغرفة التي كنا بها، كانت تلك الدقائق أصعب اللحظات على أبي الذي كنت أتمنى أن يعود معي، ورغم ذلك ودعني بفرح وسعادة وهو يوصيني بوالدتي وإخواني، وكان متمسكا بحلم الحرية، ولان الحديث عن صفقة شاليط بذلك الوقت كان رائجا فقد كنا متفائلين باللقاء القريب على ارض البلدة والذي لم يحصل حتى الآن”. كبر الأبناء وغياب الأب تزوج أبناء أبو السعود جميعا في غيابه، ويقول صلاح :”كانت أصعب المحطات في حياة أبي زواج ابنته الصغرى سحر لأنه كما قال كان متفائلا أن يطلق سراحه عبر الصفقة المنتظرة ويحضر زفاف ابنته الصغرى إلا انه هذا الأمل لم يتحقق أيضا كغيره من الأحلام والآمال التي تبددت واصطدمت بجدران وأسوار السجان. والجدير ذكره أن جميع أبناء الأسير أبو السعود قد درسوا وانهوا تعليمهم الجامعي فمنهم المهندس والمحامي والصحافية حتى أن ابنه البكر أبو السعود الابن يكمل دراسة الدكتوراه في بريطانيا في مجال الهندسة الكهربائية.وعبر سني اعتقاله أصبح أبو السعود جدا وله أحفاد من أبنائه الذين حرم اللقاء بهم حتى عبر الزيارات، حيث لم يسمح لهم بزيارته سوى ابنته سحر وزوجته بينما ابنته سوسن تم حرمانها من الحصول على تصريح وسحب منها خلال ذهابها للزيارة بحجة الرفض الأمني رغم أنها كانت قد زارت قبل سحب التصريح بأسبوعين وسحب تصريحها عام 2008 ولم تحصل منذ ذلك الوقت على تصريح زيارة سوى مرة واحده ولزيارة واحده فقط، وكذلك أحفاد أبو السعود لا يسمح لهم بالزيارة أيضا. وفي ذكرى اعتقاله تقول زوجته :”أبو السعود كالعديد من الأسرى القدامى الصابرين والمؤمنين بعدالة قضيتهم ورسالة شعبهم، وميزته عنهم بان له أطفالا قد حرم منهم وكبروا بعيدا عنه لم يعط ولو جزء من حقه عبر الإعلام والمعاناة التي مر بها وما زال، وما زال يعطي ويضحي ويتأمل ويقاوم كل جراح الأيام والسجن، و ما زالت روحه تعيش معنا في جنبات منزلنا ترسم صورته وتبشرنا بان لحظة اللقاء قادمة مهما طال الظلام والزمن”.