اقلام حرة
وطن جريح
بقلم الأديبة .اسماءالياس
لم أجد في حقيبتي سوى قلم وفرشاة رسم.
تابعته بنظراتي فقد كان يجلس على المقعد وحيداً، تارة ينظر للبحر يتأمل أمواجه، وتارة أخرى ينظر نحو الأفق لعل يجد بارقة أمل ولو صغيرة تغير حاله.
لكن الوقت طال وبدأت الشمس تبحث عن طريقها نحو الغروب لتسقط داخل غياهب هذا العالم، تاركة إياي وحيدة أبحث عن منقذ من هذا الوحش الذي يطبق على الأنفاس. ومن يكون غير الظلام الذي أصبحت أكرهه لأنه يبعدني عن الابداع عن ضوء النهار. لكن هذه المرة كان المساء موحشاً أكثر من المعتاد.
تركت مكاني توجهت نحوه لأستفسر منه عن حال لم أعرف عنه سوى الحزن القابع في عينيه، شروده المتواصل، تفكيره الذي لم أفهم منه شيئاً.
سألته:
– من انت؟ ولماذا طال جلوسك كأنك صخرة لا تتحرك من مكانها؟
ابتسم في وجهي وقال:
– أنا إنسان وحيد أبحث عن رفيق، فقدت أحبتي برحلة الحياة لم يبقَ منهم سوى هذه القبعة. هل تشاهدينها؟
– نعم أشاهدها. لكن متعجبة منك.
– ما هو سر تعجبك مني؟
– عن ماذا تبحث هنا؟ ولا يوجد سوى الرمال والبحر الذي لا يعرف له حد.
– أنا يا سيدتي استاذ أعلم الحساب والجبر، كان لدي طلاب أحبوني وأنا أحببتهم، لكن الحياة سرقت مني أعز الناس أمي وأبي وزوجتي وأبنائي الأربعة في غارة جوية، تلك الغارة التي قضت على أحلامي، على مستقبل صغاري، زوجة أحببتها وأحبتني، بنينا سوياً بيتاً عماده الحب والتفاهم والإخلاص. لكن الحرب وما يجري من انتهاكات لحرمة الإنسان، جعلتنا مشردين في عالم لا يرحم. هاجرت تركت وطنا أبكاني دماً، لم يرأف لحالي ولا لحال أولادي
– أريد أن اسألك لماذا تشتعل الحروب؟ ومن أجل ماذا الإنسان يقاتل أخاه الإنسان؟
– في مرحلة ما تمنيت لو لم أولد. لكني ولدت وكبرت وأحببتك يا وطني، رفعت علمك غنيت نشيدك اعتبرت نفسي محظوظاً لأن وطني من أجمل الأوطان فيه الجبال والسهول. فيه السلام وفيه كل ما يحتاجه الإنسان.
– لقد نسيت أن اعرفك على نفسي: اسمي ضياء سعيد من مواليد 63 استاذ في مدرسة خالد ابن الوليد. امتهنت التعليم لأني أحببت هذه المهنة، فقد كان والدي معلما في فترة الإنجليز أستاذ قانون لقد تخرج من تحت يديه الكثير من رجال القانون، الذين أصبحوا بعد ذلك يعملون في سلك القضاء. وانا أحببت مهنة التدريس لأني أعتبرها مهنة مقدسة.
– وأنت عرفيني عن نفسك؟
– أنا ياسمين طبيبة اختصاصي تجميل. لي وطن جميل هربت منه بعد أن اعتدى الزعيم على الجماهير، يوم قاموا بالتظاهر من أجل كيس طحين ومن أجل العيش الكريم. لكن الزعيم لم يرق له ذلك فقام بقتل الكبير والصغير، دبابات صواريخ براميل متفجرة، قال “شو عم بدافع عن وطنه من مخربين”.
– اليوم أنا أعمل بأكبر المستشفيات هنا في باريس. ولدي هواية اخرى الرسم فقد جئت اليوم أبحث عن موضوع للرسم، وعندما وجدتك تجلس في مكان منزوي أعذرني لتطفلي فقد رسمت صورتك من بعيد. هل تأذن لي فقد فكرت بإقامة معرض لرسوماتي في باريس وسوف يكون موضوع المعرض وعنوانه “وطن جريح” وصورتك هذه سوف تكون الأولى التي سوف أفتتح بها معرض الرسم. ما رأيك؟
– رأيي موافق لا اعتراض. فقط أخبريني عن موعد افتتاح المعرض والعنوان.
– هو كذلك.
تبادلا أرقام الهاتف وافترقا على أمل اللقاء في وطن ما زالت رائحته تنبعث من كل ثنايا الكون.
منذ تلك اللحظة أصبح لكل واحد وطن يلجأ إليه.