الرئيسيةمقالات

كذبة ” ترومان “ بقلم مروة السنهوري

  مروة السنهوري

” ترومان ” فيلم للممثل الأمريكي جيم كيري،  يعتبر أول أفلامه الجادة البعيدة عن الكوميديا ، يناقش فلسفة سيطرة الإعلام على البشر.

يحكي الفيلم قصة موظف سعيد يعمل في شركة تأمين ، برفقة زوجته الشقراء الجميلة، وعلى الرغم من أن حياته شبه كاملة وسعيدة ،  إلا أن ” ترومان ”  كان يشعر دائماً بخواء وكأن عالمه الداخلي ينهار لسبب ما، لذلك قرر السفر حول  العالم لإستكشاف المعنى من حياته .

وفي أحد الأيام بالصدفة لاحظ شيئاً غريباً ألا وهو  سقوط قمر صناعي ملحق به كاميرات، و بعد تعاقب الأحداث أمامه اكتشف أنه نجم  يطل على الناس عبر ” برنامج واقع ”  يبث على مدار الساعة بدأ عرضه منذ ولادته بالإتفاق مع والديه .

أدرك ” ترومان”  أن حياته ليست حقيقية إنما مجرد عرض ترفيهي يشاهده المراهقين والعاطلين عن العمل  المغرمين بتتبع حياة الناجحين ، يشارك فيه مجموعة من الممثلين بمن فيهم أصدقائه وزملاء العمل وحتى زوجته بمساعدة 5 آلاف كاميرا مزروعة في  كل مكان حوله.

مع تطور الأحداث يقدم   مخرج الفيلم  عرضاً لـ ” ترومان”  بالموافقة  على الاستمرار في أداء دوره بالبرنامج  ليحظى بالمزيد من النجاح والمال، لكنه أدرك فحوى الخدعة الإعلامية   التي ستخسره نفسه، فقاده نداء الروح إلى خيار العيش بعيداً عن وهم الإعلام والكاميرات .

قصة الفيلم  تذكرتها بعد رؤيتي للكمال والسعادة المطلقة متجسدان أمامي وهو أمر يكاد يكون ضرباً من الجنون في الواقع.

نعم  ” مدينة أفلاطون الفاضلة” الني نشدها الفلاسفة وغازلت قلوب الشعراء موجودة عند البلوغر الفلاني و الفاشينستا الفلانية  التي تعمل كمصممة أزياء و في الوقت ذاته  كاتبة وخبيرة تنمية بشرية ومديرة شركة ناجحة وأم لأربع أبناء ورياضية نشطة ومتأملة عميقة في دراسات  الذات والروحانية  .

لن اتحدث هنا ب” اكليشيهات” استهلاكية  حول  الزيف الذي  يوهمنا به هؤلاء فقد قتلت هذه المواضيع بحثاً  في  دراسات البحوث الاجتماعية والتحقيقات الصحفية خلال العامين المنصرمين،  و لا أريد لومهم فمنهم من له أثر إيجابي للباحثين عن الإلهام  .

ليست المشكلة في الأكاذيب التي يسوقون لها أو يبيعونها لك ، بل  المفارقة المضحكة والمبكية في الوقت ذاته  أني كمراقبة للظواهر الاجتماعية وتحليلها كإعلامية وخلال أدائي لوظيفتي ، سحرتني القصة وذابت لدي الحدود الفاصلة  بين ماهو واقعي وما هو افتراضي ، شعرت في لحظة  بأني جزء من موجة الهوس واقتفاء الأثر والإعجاب بشخصيات ” الرخام ” المثالية ، إلا أن  جملة الكاتب   الفرنسي غوستاف لوبون كانت تتردد في أذني ” الجمهور  انفعالي على غرار الإنسان الهمجي لا يعبأ بشئ ، تنطمس فيه سمات الشخصية الواعية  فتجره الأمواج مع القطيع”.

لذلك سقت العذر لصديقتي المهووسة بهذا العالم الذي يسلبك إرادتك رغماً عنك هي لا تريد الارتباط برجل يمتلك ” نجمتين”  لأنها تتابع أبو”  7 نجوم ”  ، نجمتان غير كافتيان لسعادتها.

بل إن حياتها استمدت خصائصها من السويشال ميديا ،فهي تمرر تجاربها وكأنها مقاطع في السناب وتضغط  ” سكيب ” على الوظيفة غير المناسبة، ” سكيب ” على الفستان ذو الجودة السيئة  ” سكيب ” على الفكرة أو المعتقد الذي لا يناسبها ، سكيب سكيب سكيب ، لا مجال للنقاش أو المراجعة ، كأنها تتابع أحد النجوم، ترقباً لما هو أفضل وأجمل ، مؤمنة بأن هناك  دائماً الأحسن والبراق  والفائق في الإمتياز وهو ما لا يحدث   في الواقع .

خلاصة القول  كل تلك الضوضاء  تتعدى مجرد مشاهد تسلينا في أوقات فراغنا، بل في الكثير من الأحيان  تقف حاجزاً أمام صوتنا الداخلي  والاقتراب من حقيقتنا  ، فهل ينبغي  أن نتألم حتى نتغير أم نستمر في عيش كذبة ترومان  ؟

مروة السنهوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق