اقلام حرة

بطل الجزائر والأمة الداي حسين ميزو مورتو.

كتب بقلم: المؤرخ تامر الزغاري

بطل الجزائر والأمة الداي حسين ميزو مورتو.
هزم أعظم ملوك فرنسا، وضع سفيره داخل مدفع وضربه، حاول إحتلال فرنسا، أخر إحتلال الجزائر ١٤٧ عام.

عندما تتحدث فرنسا عن الجزائر، فإن حديثها يكون مشحونا بالثأر القومي والعداء الأبدي، هذا العداء الذي لم يبدأ من إحتلالها للجزائر عام ١٨٣٠م، بل كان هنالك صفحات سابقة ذاقت فيها فرنسا مرارة الذل وأثقال الهزيمة.

ومن هذه الصفحات الحملة الفرنسية التي شنتها لإحتلال الجزائر عام ١٦٨٣م وإذلال ميزو مورتو لهم، ومحاولته إحتلال بلادهم، وحصاره لهم، وإستنجادهم للخلاص منه.


البداية


ورد في كتاب (البحرية العثمانية) للكاتب دانيال بانزاك بأن حسين ميزو مورتو ولد في جزيرة ميورقة الإسبانية لأسرة مسيحية قيل أنها ذات أصول أندلسية، فقرر حسين في شبابه العودة لجذوره فانشق واعتنق الإسلام واتى الجزائر بإختياره.

وأما سبب لقب (ميزو مورتو) ومعناها (النصف ميت) وهو لأنه في معاركه أصيب مرتين بإصابات قاتلة وفي كل مرة مرة يتم عده مع الأموات ولكنه بعدها يستيقظ، وأما الإصابة الأولى فكانت بالسيف على رأسه، وأما الثانية فبقذيفة على ظهره.


الحملة الفرنسية عام ١٦٨٣م


في ذلك العام كان يحكم فرنسا أعظم ملوكها الذي كان يلقب ملك الشمس لويس الرابع عشر، والذي نتيجة سطوته وقوته في أوروبا ظن أن إحتلال الجزائر سيكون سهلا، وسينهي دولة تملك السيادة على البحر المتوسط

فقرر عام ١٦٨٣م إرسال حملة لإحتلال الجزائر بقيادة دوكين، بهدف أن يحرر الأسرى الفرنسيين، ويملك السيطرة على البحر المتوسط، ويحقق مجدا شخصيا إضافيا.


سيطرة حسين ميزو مورتو على الحكم


أمام هذه الحملة الفرنسية القادمة وافق داي الجزائر بابا حسن على التفاوض معهم، وأبدى استعداده لدفع جزية كبيرة وإطلاق جميع الأسرى الفرنسيين في الجزائر، ولكن هذا الرضوخ من الداي لم يعجب طائفة رياس البحر ومنهم حسين ميزو مورتو، فقاموا بقتل الداي بابا حسن وتعيين حسين ميزومورتو دايا مكانه، حيث اتهم ميزو مورتو الداي بابا حسن بالخيانة، لأنه ارسل له اوامر بعدم قصف القوات الفرنسية، وكذلك أمر بنقله إلى منطقة بعيدة عن البحر، وتآمر عليه حينما سلمه سابقا كرهينة عند الفرنسيين حينما أوهمه بأنه ارسله ليتفاوض معهم.


وضع السفير الفرنسي داخل المدفع وضربه.


بعد تولي ميزو مورتو الحكم أرسل مباشرة خطابا شديد اللهجة إلى قائد الحملة الفرنسية إبراهام دوكاين ينذره فيها بكارثة وخيمة للأسرى الفرنسيين الموجودين في الجزائر إلا أن دوكين كان مغترا بقوته فرفض الاستماع لتهديد الداي الجديد الذي ما كان منه إلا أن أحضر القنصل الفرنسي “جون لوفاشي” المتهم بالتجسس على الجزائر وادخله في فوهة أحد المدافع وقذفه على الفرنسيين فتطايرت أشلاءه في عرض البحر ولم يكتفي بذلك بل اتبعه بعشرين أسيرا فرنسيا آخر من أعوانه وأمام هذا التحدي الكبير لم يجد دوكين بدا من الانسحاب بعدما فشل في تحقيق شروطه.


إعتراف فرنسا بالهزيمة.


بعد فشل حملتها وعلى الرغم من مقتل سفيرها وأسراها، قامت فرنسا بإرسال وفدا للتفاوض مع الجزائر توج بعقد اتفاقية سلام بين الطرفين لمدة مائة عام، في إعتراف واضح بزعامة الجزائر البحرية.

وتمت كتابة الإتفاقية باللغة العربية تماما كما سيحدث في إتفاقية الجزائر مع أمريكا عام ١٧٩٥، ومعاهدة دي بورمن عام ١٨٣٠م، فقد كانت اللغة العربية في أيالة الجزائر هي اللغة الرسمية والحكومية والدينية والدبلوماسية، وكانت اللغة العثمانية هي لغة النخبة والدبلوماسية مع اسطنبول.


توحيد الجزائر وتونس.


في عام ١٦٨٦ م وقعت اضطرابات في الجزائر، فاتهم الداي حسين بأن حاكم تونس الباي علي يقف خلفها، فأرسل جيشا بقيادة ابراهيم خوجة واستطاع هذا الجيش السيطرة على تونس وقتل الباي علي وتنصيب اخيه الباي أحمد الذي كان لاجئا في الجزائر، وبعد هذا الحدث أصبحت تونس تحت الحكم الفعلي الجزائري.


إعتراض فرنسا على الوحدة


قامت فرنسا بدق ناقوس الخطر بعد هذه الوحدة، وهي الدولة التي تعتمد على خلافات البلاد العربية، وخاصة أن تونس قد إتخذت قرارا بقطع علاقاتها مع فرنسا، فأرسلت فرنسا وفدا لحسين ميزو مورتو يعرضون عليه عقد اتفاقية جديدة ولكن الداي حسين رفض.

فقامت فرنسا بإرسال وفدها للسلطان العثماني محمد الرابع لكي يتم عقد الإتفاقية، فأرسل السلطان أمره بالموافقة على الاتفاقية إلى رياس البحر والانكشارية وديوان الجزائر، فوافق الديوان والإنكشارية على الاتفاقية ورفضها رياس البحر، فقام ميزو مورتو بتقديم إستقالته، وبهذه الاستقالة لم يتم توقيع الإتفاقية واستمرت سياسة العداء مع فرنسا، واصبح ذراعه اليمين ابراهيم خوجة هو داي الجزائر.


ميزو مورتو باشا الجزائر.


سعى السلطان العثماني لإعادة نفوذ منصب باشا الجزائر، بعد فترة طويلة من تحوله لمنصب شكلي أقرب للسفير، فقام السلطان العثماني بتعيين حسين ميزو مورتو باشا للجزائر في عام ١٦٨٧ م، واستمر ميزو مورتو في حكم الجزائر ويعاونه إبراهيم خوجة


الحرب ضد إسبانيا.


في عام ١٦٨٧ م بدأت حملة لتحرير وهران من الاحتلال الاسباني، واستطاع ابراهيم خوجة قتل حاكم وهران الاسباني وتحرير اراضي واسعة، وفرض حصارا على وهران بالتحالف مع قبائل جزائرية


الحرب ضد فرنسا.


أمر ميزو مورتو بضرب كل السفن الفرنسية في البحر، فردت فرنسا بإرسال حملة بحرية ضخمة بقيادة ديستري في عام ١٦٨٨ م، فقام ميزو مورتو بقتل كل الأسرى الفرنسيين، وردت فرنسا بقتل كل الأسرى الجزائريين، ثم استطاع ميزو مورتو صد الحملة، وعاد ديستري مهزوما.

وبعد هذا الفشل أصبح التواجد البحري الفرنسي صفر، فانقطعت التجارة عنها من البحر المتوسط، ليكون عام ١٦٨٨ م هو الأسوأ في تاريخ الملك لويس الرابع عشر.


محاولة إحتلال فرنسا.


أمر حسين ميزو مورتو بمهاجمة الساحل الفرنسي، وركز هجومه على مدينة مرسيليا بهدف إحتلالها، فانعقد المجلس الملكي الفرنسي وقال: ((إذا لم يحتلنا الجزائريون من الجنوب سيحتلنا الإنجليز من الشمال))، وأرسلوا وفدا للتفاوض مع ميزو مورتو، ولكنه رفض إستقبالهم.

فقام الفرنسيون بإرسال وفدهم إلى السلطان العثماني سليمان الثاني، فأصدر السلطان فرمان عزل ميزو مورتو وتعيين اسماعيل باشا مكانه، ولكن ميزو مورتو رفض حتى أن ينزل اسماعيل إلى الشاطئ، وارسل له رسالة يقول فيها: (( إننا لسنا في حاجة إلى باشا ولا نريده أبدا، عد من حيث اتيت وإلا رأيت ما سيحل به، كل أمير هو سيد على بلاده، ويبقى كذلك بفضل سيفه وقوته)).

فقامت الإنكشارية لاحقا بالتمرد، وقامت بجمع الضرائب واستفزاز الناس، والتجمع حول العاصمة والتهديد بإجتياحها ونهب محلاتها، حيث استغلوا غياب ميزو مورتو وابراهيم خوجة في حملتيهما، فقام ديوان الجزائر بعزل الداي ابراهيم وتعيين بابا شعبان، وأعلن بابا شعبان تمرده على ميزو مورتو، فوصل خبر التمرد إلى ميزو مورتو وهو في البحر، فقرر وقف حملته ضد فرنسا، وقرر العودة ولكنه عاد إلى تونس التي كانت خاضعة لحكم الجزائر أنذاك، وبدأ يرتب لعمل عسكري لإستعادة السيطرة على حكم الجزائر.


الخديعة


أرسل السلطان العثماني فرمان بتعيين ميزو مورتو قائدا للبحرية العثمانية ودعاه للقدوم إلى اسطنبول، وعدم العودة للجزائر حقنا للدماء، فوافق ميزو مورتو، وفي طريقه واثناء وجوده في مصر اتاه خبر إلغاء تعيينه قائدا للبحرية، فعلم أنه قد وقع في خديعة، وأما الداي الجديد بابا شعبان فوقع مع فرنسا اتفاقية جديدة في عام ١٦٨٩ م ومنحها امتيازات واسعة.


من رئيس دولة لقائد اسطول


بعد عامان من الإستقرار في مصر والإبتعاد عن السياسة، عاد ميزو مورتو تقريبا إلى الصفر، وبعد أن كان رئيس دولة أصبح قائد اسطول الدانوب في عام ١٦٩١ م، وهو منصب اقل بكثير من مناصبه السابقة، ولكنه استطاع تحقيق إنتصارات متلاحقة في البحر الأسود، واستطاع إيقاف هجوم كبير من أساطيل البندقية، فتم تعيينه حاكم جزيرة رودس في عام ١٦٩٢م، واستطاع لاحقا أن يهزم البندقية في معركتين وأن يحرر جزيرة خيوس الإستراتيجية، والتي كانت تهدد الأناضول.


قائد البحرية العثمانية


في عام ١٦٩٥ م تولى الحكم السلطان العثماني مصطفى الثاني والذي كان يختلف عن سابقيه، حيث كان يتسم بالشجاعة ويقود الجيوش بنفسه، ويسعى لإعادة القوة للدولة العثمانية، فقام بتعيين ميزو مورتو قائدا للبحرية العثمانية، فبدأ ميزو مورتو بحملة اصلاحية واسعة وإعادة هيكلتها، وبين عامي ١٦٩٦ و١٦٩٨ انتصر على البندقية في معارك كثيرة ومنها لسبوس واندروس وتندوس، وفي نفس الوقت انهى التواجد الروسي في البحر الاسود، واسترجع ميناء آزوف وهو الميناء الوحيد الذي كانت تملكه روسيا على البحر الأسود، لينهي حلم الإمبراطور الروسي بطرس الأكبر في السيطرة على المياه الدافئة.


الموت


مات فجأة في جزيرة باروس في عام ١٧٠١ م، وتم دفنه في جزيرة خيوس، ولم يبقى أمر مادي من سيرة هذا البطل العظيم إلا كتاب التنظيمات الذي نشره قبل وفاته بعام.

ولا ننسى أيضا مدفع بابا مرزوق الذي به قام بضرب السفير الفرنسي، والتي قامت فرنسا بأخذه كغنيمة حرب بعد إحتلالها للجزائر، وأرى أن من واجب الحكومة الجزائرية المطالبة بإسترداده.

*** المراجع:

١) البحرية العثمانية، دانيال بانزاك
٢) تاريخ الجزائر في القديم و الحديث، مبارك الميلي
٣) Encyclopedia of Islam, Orhonlu

****************
كتب بقلم:
المؤرخ تامر الزغاري
****************

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق