مقالات

تغريدة الشــــــــــــعر العربي السعيد عبد العاطي مبارك – الفايد

نقوش على حجر الحصر
الشاعر و الناقد اليمني عبدالرحمن فخري : 1936 – 2016 م ”
لماذا عصافير بلادي
تحلم بالوزن الثقيل، قبل الموسيقى
هل رأت في نومها شمساً بلا ظلال
وثماراً لم تضعها يد الرب
في أسنان الأشجار
ألا ما أطيب هذا الزمان
يأكل الكتب،ويربي الدواجن في غرف النوم
ثم يخرج الأفلام الخليعة عن الأجداد!
————-
يقول الروائي علي المقري:
فقدت اليمن الشاعر الكبير عبدالرحمن فخري (1936 عدن ) أحد أبرز كتاب القصيدة الحديثة وشاغل الوسط الأدبي بنصوصه الجريئة طوال السبعينات.. رحل في وقت لم يعد أحد يسأل عن أحوال الأدباء والفنانين حيث تعلو أصوات المدافع والصواريخ ولا يسود غير الضجيج.

كان الدكتور عبد العزيز المقالح قد أقر بالدور التأسيسي الحداثي لفخري بالقول:
لن ينسى تيار الشعر الجديد في اليمن دور الشاعر عبدالرحمن فخري في الدفاع عن هذا الاختيار ومقاومة أنصار المحافظة الأدبية بعامة والشعرية بخاصة.

من بلاد اليمن السعيد من مملكة بلقيس من جنة عدن نتوقف مع تغريدة الشعر العربي نتأمل حالة الابداع الفني مع مثلث الشعر ” عبد الله البردوني و الدكتور عبد العزيز المقالح و الدكتور محمد عبده غانم فالفرسان الثلاثة كنت اتابع انتاجه الشعري من خلال الصحف و المجلات
حتي وقعت عيني علي بعض مقطوعات شعرية فبحثت عنها فوجدتها درر يمنية سعيدة فكان صاحبها ” عبد الرحمن فخري ” الذي حمل لواء الحداثة و التجديد في نظرة مستقبلية مع درويس و ادونيس و غيرهم من أرباب قصيدة النثر في باكورة تنبيء بالتفتح مع اجناس الادب حيث الحداثة الشعرية بعيدا عن الاسفاف و التكرار في رؤية عميقة فنية لها ضوابط و منهج و اضافة هكذا نسبح بين جداول شعره الرقراقة شكلا و مضمونا معا !!
نعم يعتبر الشاعر الفخري من طليعة رواد قصيدة النثر في اليمن، واحد المجددين في الشعر العربي، عمل بدأب مع مجايليه من الشعراء في التمهيد لكتابة القصيدة الجديدة بإيقاع عصري، حيث تميزت القصيدة بموسيقاها الداخلية وايقاعاتها مع خلوها من الوزن. ترجمت بعض اعماله إلى عدة لغات، وصدرت له مختارات باللغة الإنجليزية بعنوان ” ليالي الادب العربي الحديث عام1988 م.
عبدالرحمن فخري شاعر وناقد يمني، ولد في عدن عام 1936 م، ودرس الابتدائية والمتوسطة في مدارس مستعمرة عدن، التحق مع عدد من الحاصلين على الشهادة المتوسطة بالتدريس في مدارس المستعمرة تحت اشراف ورقابة إدارة المعارف.
بعد اكمال دراسته الثانوية في مصر، تم ايفاده للدراسة في لبنان فالتحق بالجامعة الأميركية في بيروت، ودرس الاقتصاد والعلوم السياسية.
التحق بوزارة الاقتصاد، ووزارة الثقافة بعد الاستقلال الوطني، وعين وكيلا لوزارة الثقافة. من الأعضاء المؤسسين لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، وشغل منصب نائب أمين عام الاتحاد. عمل في منظمة الأمم المتحدة كمسئول في الاعلام.
– عضو جمعية الشعر.
– عضو مؤسس في اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين.

توفي الشاعر عبدالرحمن فخري في مدينة نيويورك الأمريكية في 21 أغسطس 2016.
و بعد مشوار عطاء طويل بلا حدود حيث التجديد و الحركة و التطور بين ظلال النبوغ رحل الشاعر اليمني عبد الرحمن فخري 80 عاما”، بعد رحلة طويلة مع المرض، وبعد حالة اغتراب مركبة. فالشاعر الحداثي الإشكالي والخبير والمستشار الإعلامي سابقا في اليونسكو والأمم المتحدة رحل في نيويورك بعد ان كان في السنوات الأخيرة قد غاب عن المشهد تماما، وقليلًا ما كان يخرج من بيته وقليل التواصل مع الآخرين، لأن الكآبة والعزلة، هما آخر ما تركته الأيام الصاخبة للشاعر المستوحد بوحشته، وهو الذي قضى عمرا استثنائيا، في زمن مظلم وصعب، كان فيه نجمة المدينة الأجمل، وضوء الأصدقاء الكثير.
مؤلفاته:
– نقوش على حجر الحصر- شعر- دمشق 1978- اتحاد الكتاب العرب.

– الكلمة والكلمة الأخرى – كتاب نقدي- صدر في بيروت – عن وزارة الثقافة في عدن.

– من الأغاني ما أحزن الأصفهاني – شعر – عمان، الأردن.

– من جعبة الفراشة – شعر – صادر عن اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين – صنعاء.
الشاعر عبد الرحمن فخري الذي يعتبره “مؤسساً حقيقياً لشعر الحداثة في اليمن والعالم العربي، بوصفه أول شاعر تاق إلى تجاوز وتخطي القصيدة العربية المقرونة بالتفعيلة والقافية وقدّم في هذا الباب نصوصاً وافرة وإبداعات حاضرة، والشاعر الراحل محمد سعيد جرادة ومحمد عبده غانم ضمن جيل الإحياء الشعري، علاوة على العلامة الشعرية الفارقة في المدرسة الرومانتيكية العربية، وهو الشاعر والفنان الشامل لطفي جعفر أمان”.
لكن إلى أي حد يمكن القول إن مشروع الحداثة في القصيدة اليمنية أصبح متجذراً في تربة الشعر والمجتمع بوصفه مشروعاً تغييرياً؟
الرمال التي لفعتنا سوافي الرياح
وأقنعة من خيوط السراب
وكم وسدتنا العظام، الصخور، النبات المرير بوادي النهار، هي ذات الرمال التي علمتنا الفراغ المسجى على ظهر كف، تهش الظلال عن الشمس حينا وحينا تشد من الأفق حبلاً ، ليرقى عليه خيال وطيف.
وكم علمتنا نعابث نخل المساء الحزين
نخاصر حلما بعرس الخطايا
ونلهو مع الموت سيفاً بسيف.
وكم علمتنا نسابق ريح الفوارس يوماً، ويوماً ننيخ الركاب على رسم دار، لتبكي الدموع التي ما بكتنا.
وما علمتنا:
بأن الرياح تهب جنوباً لتعرق حقلاً ، رماه الجفاف بعنة رب فقمنا لنعجن طيناً وملحاً ، ونستل روحاً لرب جديد من الصخر يكوي جراح التراب، ويزرع وعدا لكل الفراش بأن من النار ورداً يكون وتمراً وقمحاً وملحاً سيشعل كل السواعد .
وأن السراب كحلم العذارى بليلة صيف
ولكنه وهم من قد يسافر بين الصخور
ينتظر جريحا يعود.. ولكن بوشم كنجم الشمال
مختارات من شـــعره
يقول شاعرنا اليمني عبد الرحمن فخري في قصيدته و التي بعنوان ” كعكَةُ حُبْ ” حيث تتجلي فلسفة الحب و الجمال مع نظرته الي الحياة و الصراعات التي تعصف بكل القيم و تحول المشهد الي حالة خطايا تنال من ظلال الانسان فيفقد احاسيسه فيندب وجودته بين ضفاف الوهم ينتظر ومضات الامل مع صيرورة الوجود :

أيَّها الحُبْ
أتمسَّحُ باعتابكَ الخُضرْ
لأمتشقَ قامتي
وأرْمِي بِظلِي إليْكْ
ليتلوَّن بالفَرحْ
وابتَلَّ بالنَّشوهْ..
أعلِّق الخطايا عليكْ
كأنَّكَ الصَّليبْ
أيها النعيمُ المقيمْ
يا بِرْكَةَ جحيمٍ،
غَسَلْتُ فيها أيامي
أنتَ.. أنا
-2-
أطرقُ بابكَ المسحورْ
لأنفتحَ عليكْ
أركبُ القوسَ إليكْ
حيثُ تحكُمُ القلوبْ
وحيثُ تعشَقُ العيونْ
ظلالك المزركشَةْ
أنشدُ المغامرةََ معكْ
حيثُ تلعَبُ الرِّياحْ
وحيثُ ترقدُ الخطيئةُ،
مع الأفاعي
أريدُ أنْ أتَّحِدْ
بِكْ
لتضيعَ في ضياعيْ
ويَغْرقَ السندبادْ..
أنا إنسانٌ،
وأنتَ حُبْ
فأنا أنتْ.
-3-
أيُّها الحُبْ
مَنْ أنتَ،
إنْ لم تكُنْ.. أنا؟
أريدُ أن أنتحرَ في إسْمي
فقطْ، لأغْرَقَ فيكْ
أنا عائد من رِحَلاتِ المسْتَحيلِ،
إليْكْ..
شاخت في ظِلّي الأزَلي
أشْواقُ الليالي السُّمْرْ
وتحوَّلتُ في سبيلِكَ إلى كأسْ
وكانَ الطُوفانْ
وظَلَّ قلبي يُغني لكْ
ويأكلُ التُّرابْ..
-4-
يا حُبِّي
إنني أعْبدُكْ
لأنَّكَ النَّبيُّ والرَّغيفْ.
إنَّني أتعلَّمُ من كتابِكَ حُروفيْ
ومن دموعكَ وضلوعِكَ،
أصْنعُ حليبيْ.
إنَّني طِفلُكَ الذي يقضِمُ،
ابتساماتِكَ الحُلوَهْ
ويتنفَّسُ غضَبَكْ
ويتلَفَّعُ بالرِّيحِ مَعَكْ
في فصْلِ الرَّبيعْ
أنتَ عيْدي الأخْضَرْ
وحذائي الذي لا لون لهْ
أنْتَ… أنا.
-5-
حُبي الأكْبرْ
هل أنتَ أكبرُ مني، أنا الإنسانْ؟
أصغرُ مني، أنا العالَمْ؟
حاولتُ أن أُجَدِّفَ في سُعالِ الفقراءْ
لأُزرِّرَ مدينةَ المسْتحيلِ بالنُّجومْ
حاولتُ أن أمْسَحَ،
دُموعَ الكِلابِ الضالَّهْ
بغلاف ديوانْ
وأنْ أقِفَ مع العَصافيرْ
في رَفِّ الفجْرْ
لننْشدَ معاً مارْشَ السَّلامْ:
سَلام الرَّغيفْ،
سلامَ الجنْسْ،
سلامَ العَمَلْ.
حاولْتُ أنْ أحتويَ العالَمَ،
في عُيونِ السَّمَكْ
وأنْ أطيرَ مع الرّيحْ
في فساتينِ النِّساءْ
حاولتُ أنْ أجمعَ الزَّمَنَ في حقيبهْ
تكونُ مِلْكاً مُباحاً للأطْفالْ
حاولتُ أن أوزِّعَ أشْجارَ النَّرْجِسْ
فقطْ، على المسَاكيْنْ
حاولتُ أنْ أفْنِي العالَمَ، فيْكْ
ليخرجَ ببَصَماتٍ جديدةٍ،
يومَ القيامةْ
حاولتُ أن لا أكونَ فيكْ
أنْ أقفَ خَلْفَ ظِلِّكْ
لأكونَ في البدْءِ… مِثلَ الكَلِمةْ؛
لتكونَ في جيبِ سُتْرتي القديمةْ
كوردةِ الصَّباحْ
وعلى مائدتي البائسةْ
وفي كلِّ بَيْتْ
فهَلْ أنا… أنْت؟!
*
عدن
20 /4/ 1968

يقول الشاعر و الناقد اليمني عبد الرحمن فخري في قصيدة بعنوان ” أنتِ الحقيقة ” حيث يجسد في اطلالته معالم الحقيقة المصبوغة بظلال الاحلام من خلال رسم صورة فنية متداخلة الالوان في عزف بياني يحلق بيننا في فلسفة جمالية تستدعي قيم مفقودة منذ عصر النهضة الذي داهمته صراعات فيغازل بلغته وصف البيئة حيث سحر المعطيات لجوهر الاشياء فوق وهج المدينة المحترقة و صمت التلال و عواصف الادخنة و أشلاء الأرصفة لكنه عند جدار الشعر يتلو قصائده في وجوم :
الظلُّ وسِيمْ
والعَيْنُ المسْحورةْ
ترقُصُ في ماءِ الذَّهبْ
خَلْخالُ الرِّيحْ
يُغازلُ كَعْبَ الحِصانْ
والنُّجُومْ
تلكَ الكلماتُ الفُصْحى
شَبَكة من نارْ
فوقَ المدِينَةِ سَراجْ
وعلى السَلَّةِ دُمْيةْ
لها نَهْدٌ واحدْ
الجِدَارُ يَقْرأُ شِعْراً
عن قَريةِ الدُّخَانْ
الأصابعْ
الأصابعْ
والعطْرُ سُلطَانٌ أسْمَرْ
واللَّونُ الأحمرْ
وأظافرُ الحريقْ..
قد نامتِ الغيومْ
الأشياءُ تَعْشقْ
كلُّ الأشياءِ، في فَمِ البحْرْ
والغجَريَّةُ، تَزْني مع الحَجَرْ
وتَلدُ كلمةْ
كَمْ تَعْلِكُ الشَّجَرْ
وتصْنَعُ لكل كَلْبٍ زَهْرةْ
يا فَتاتي،
أنتِ شمْسي الجَديدةْ
وأنا…..
قُربانُ الخلود!
*
عدن
1967
هذه كانت صفحات مشرق من شعرنا العربي الخالد من بلاد اليمن السعيد بين ظلال عدن حيث الشاعر و الناقد اليمني عبد الرحمن فخري الذي طفنا معه من خلال الحداثة وروح الجمال النصي الذي يعتبر تجربة فريدة بل رائدة تضاف الي اشكال شعرنا المعاصرة كظاهرة تجديدية تستوعب رؤي الواقع و لم لا فهو رمز يحلق بين سماء شعر القصيدة الوليدة شكلا و مضمونا في تراكيب و صور فلسفية فنية مصبوغة بملامح الوطن و جمال البيئة بين محن و منح ينسج بحروفه الحلم المتعسر دائما
مع الوعد بلقاء متجدد لتغريدة الشعر العربي أن شاء الله

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق