مكتبة الأدب العربي و العالمي

حكاية #بشير_ونوسة_العروسة

يحكى عن رجل فقير غلبان إسمه بشير ،لا يكاد يجد قوت يومه .كان يسعى للرزق من فجر يومه إلى أن يغطيه الليل … ومرت السنون لم يستطع خلالها أن يتزوّج بمن تؤنس وحدته حتى ضاق به الحال وأعيته الحيلة ،وكره الفقر .وفى أحد الأيام حاول أن ينهي حياته ويرتاح من النكد ،والحرمان .سار دون هدى حتى وصل إلى جبل، ووجده مليئا بالناس يولولون ويندبون حظهم، ورغم أنه كان يائسا إلا أنّ منظرهم كان مثيرا للشفقة وللعجب.
فأخذ يسألهم عن حالهم ،وهم لاهون عنه ، تائهين لايسمع منهم إلا تمتمه حزينة ” ياريت اللى جرى ما كان ” …. فظل الرجل ينتقل بينهم حتى وصل إلى أقربهم من حافّة الجبل وحينما ألح فى السؤال أمسك به، وقذف به إلى أسفل،وعندما أفاق وجد نفسه فى مدينة لا مثيل لجمالها ،وإندهش لنظافة أزقتها ،و لبيوتها الناصعة البياض،وحسن هيئة أهلها . فجأة جاءأحدهم واستقبله بحفاوة وأخذه إلى كبيرهم ،وكان رجلا بشوشا لا يبدو عليه عمر أو مر عليه زمن ،رحّب به وشرح له كيف يمكنه العيش فى مدينتهم .
فشكى له الفقير من ضيق حاله وانعدام أمواله، ولكن الكبير طمأنه أن المال ليس هو العملة التى يتعاملون بها . بل أن عملتهم فى البيع والشراء وسائر المصالح هى “الصلاة على النبى ” فتعجّب الفقير ولم يصدّق ما سمعه ، و أشترط الكبير عليه حتى يستطيع العيش بينهم أن يتزوّج منهم ،لكن سأله الفقير إن كانت الصّلاة على النّبى تكفي للزّواج ؟ فأكّد أنّه لا يحتاج لشيئ آخر.
هلّل الفقير وكبّر ،وقال كيف ذلك وهو لا يعرف أحدا فى هذه المدينة ، أجاب الكبير :في وسط المدينة هناك ساحة مليئة بالحسناوات … العذارى منهم تحمل ” طبق ملئ بالتفاح ” ومن سبق لها الزّواج كانت تحمل ” إبريق ماء ” ومن تعجبه منهنّ ،فعليه أن يأخذ ممّا تحمل، وعندئذ ستصحبه الفتاة إلى ولىّ أمرها .
كاد الفقير يطير من الفرحة ،فأخيرا سيتزوج ويجد جارية تقاسمه طعامه وفراشه ،وذهب من حينه إلى ساحة الزواج، وما أن جال بنظره وسط الجواري ،حتى إبتسمت له إحداهن، وكانت رائعة الجمال ،قال في نفسه : هذه تليق بالسلاطين ،فكيف ستقبلني ،وأنا الفقير المعدم ،الذي يشتهي أن يشبع من الخبز ؟ وعلى استحياء أخذ تفّاحة ،فأومأت إليه أن يتبعها إلى دارهم ،وسارت على مهل وهو وراءها ،يقدّم خطوة ويأخّر أخرى ،حتى وصل ،تردّد في الدّخول، فكيف سيقابل أهلها وهو في هذه الحالة المزرية ؟
وهمّ بالرّجوع ، لكن خرج أبوها ،ورحّب به، ودعاه إلى الدّخول ،وقال له : مهر إبنتي نوسة غالي، عليك أن تكتب ألف صلاة على النبي في صحيفة تقدّمها لي ،هل يناسبك ذلك ؟ قال :نعم ..نعم ، تعجّب أن يكون ذلك في منتهى السّهولة ،ولكن أباها أشترط شرطا وحيدا كى يكملا حياتهما وهو الا يتدخل فيما لا يعنيه، فوعده بكلّ خير .
في الغد ذهب إلى الحمّام ،واشترى ثيابا جديدة وعمامة أنيقة ،بصحيفة فيها خمسين صلاة على النبي ،وإكترى بيتا فخما وأثثه ،كل ذلك بالصلوات على النبي ،كان بإمكانه أن يحصل على كل ما يشتهيه ،كل ما عليه أن يفعله ،هو أن يأخذ صحيفة ويكتب علها صلواته ،ولكثرتها كانت المدينة مباركة ،وخيراتها كثيرة ،وينعم أهلها بالسّعادة …

الجزء الاول

من قصص حكايا العآلم الآخر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق