خواطر

عندما تفقد الأمان / بقلم اسماء الياس

وتبقى الأيادي تعانق بعضها البعض. بعد ان انتحر السلام على أرض تعاني اليوم من ويلات الحروب.
لم يبقَ معي سوى بقايا من الزمن الجميل، ووصايا جدي عندما كان يقول لي الحياة قدر ما تعطيها تعطيك.
خرجت مسرعاً لا ألوي على شيء فقد كانت المعارك قد بدأت، والقذائف بدأت تتساقط كأنها حبات المطر.
ليلة باردة، صقيع يجمد الأطراف، الطيور هربت لمكانٍ دافئ، من يخرج من بيته في مثل هذا اليوم، تساءلت بينما عيناي تودعان هذا البيت الذي كان شاهداً على أجمل فترات حياتنا أنا وعائلتي المصغرة، القيت نظرة نحو المدفأة حيث كنا نشوي الكستنة بينما كنت أشاهد كرة القدم، وأحياناً أشاهد فيلماً رومانسياً، بينما زوجتي مشغولة بأعمال البيت أو مساعدة الأولاد في دروسهم، الحياة كانت جميلة لم يكن ينقصنا شيء، البيت موجود العمل موجود الصحة راحة البال، كل شيء سعيت من أجله حصلت عليه بعملي وكد يميني، لدي زوجة طيبة حنونة ومحبة لعائلتها، ولدي أولاد أذكياء ربيتهم على المحبة وتقبل الآخر.
قبل أن أخرج نظرت من النافذة كانت السماء متلبدة بالغيوم والثلج ملأ الشوارع والساحات، لا مكان دافئ سوى قلب عاشق. لكن أين أنا من تلك القصص الرومانسية التي قرأتها بفترة شبابي، الذي يحدث اليوم شيءٌ مخيف لا أحد منا توقعه، كنا نستمع لنشرات الأخبار عن صراعات وحروب هنا وهناك، كنا نشفق على تلك الأمم التي تتحارب من أجل أشياء كان من الأجدر أن تحل بالحوار والكلام، ليس بالمدافع والمقاتلات والصواريخ العابرة للقارات، إلى أين وصلنا لأي حال تدحرجنا لا أعلم لكن كل الذي أريده أن يكون الموت بعيداً عني وعن عائلتي التي هربت من أتون الحرب قبل وقوعها بأيامٍ قليلة.
عند خروجي من البيت وقع نظري على صورة تجمعني مع عائلتي بإحدى المناسبات العائلية وشجرة “الكريسميس” تتصدر الخلفية بألوانها المختلفة. أخذتها بيدي وحرصاً حتى لا تصاب بأذى أخفيتها داخل معطفي وخرجت مسرعاً.
في الطريق كثير من العائلات قد خرجت مسرعة متخطية الجثث الملقاة هنا وهناك، عدا عن البنايات التي هدمتها القذائف الصاروخية.
منظر يثير الشفقة والخوف معاً. بحثت بعيني عن جار عن رفيق عن أحد معارفي بين هذا الحشد الكبير من الناس على مختلف أعمارهم وفئاتهم، لعل أجد من يرافقني، لقد كان خوفي شديداً خاصةً لا أعلم إلى أين وصلت المعارك، وكيف حال الزوجة والأولاد. هذه حرب مجنونة لا أحد يعلم مداها، لكن كل الذي أتمناه أن أرى عائلتي حتى يهدأ بالي.
سمعت صوتاً من بعيد يناديني:
– سيد طوني لقد بحثت عنك الحمد لله أنك بخير، ولم يصبك أي مكروه.
– أنا بخير سيد غابي، أين العائلة الزوجة والأولاد؟
– أنهم بخير سيد طوني لقد رحلوا قبلي نحو الجنوب قبل بداية الحرب بأيام. والفضل كله لابن عمي فاروق الذي جاء لزيارتنا وأخبرنا عن تحركات غريبة تحدث الظاهر الحرب قريبة. لم يكن مني إلا أن طلبت من زوجتي والأولاد الرحيل وبقيت أنا هنا حتى أرتب بعض الأمور الملحة. لكن هذه الحرب لم يكن أحد يتوقعها، حتى المحللين السياسيين لم يتوقعوا وقوعها بمثل هذه السرعة. المهم أين عائلتك؟
– لقد ذهبوا لزيارة والدة زوجتي في جنوب البلاد فقد أصيبت بوعكة صحية وقد أخذت معها الأولاد بينما أرتب بعض الأمور المتعلقة بالعمل. لكن الحرب وقعت ولم نكن نتوقع بأنها ستكون شرسة دمرت المباني مات من مات وهرب من هرب. لكن المصيبة الكبرى متى يتفق الزعماء تنتهي الحرب. لكن الظاهر لا حل بالأفق.
عندما نفقد الأمان تفقد الحياة رونقها.
الحربُ ستأتي يوماً وتنتهي لكن أشياء كثيرة تبقى شاهدة على تلك الجرائم التي حدثت. ابن فقد أباه، عائلة فقدت بيتها، أسر بأسرها لم تنج عندما سقطت عليها قذائف صاروخية.
لكن يبقى الحب رسول السلام.. تمسكوا به.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق