نشاطات

تعرّف على الشخصية الحقيقية لـ”رأفت الهجان”.. من كومبارس إلى أشهر جاسوس مصري

رحل “الساحر” محمود عبد العزيز، تاركاً كنزاً سيظلّ من خلاله حيّاً بيننا، ولكنّ البصمة الأكبر المحفورة في أجيالٍ رحلت، وأخرى ما زالت حيّة بيننا، ويبدو أنها ستكون حاضرة بين أجيالٍ قادمة، هي مسلسل “رأفت الهجان”، الذي قُدّم في ثمانينيات القرن الماضي.

إنّه العمل الذي كان يتوقّف العالم العربي من المحيط إلى الخليج عن الحركة مع عرضه، فهل شخصيّة رأفت الهجان حقيقيّة؟

المخابرات العامة تنشر نعياً لأول مرة

بالطبع الشخصيّة حقيقيّة، والدليل جاء مع أوّل نعي ينشره جهاز المخابرات العامة المصريّة في الصحف، في سابقةٍ هي الأولى من نوعها، برثاء فنان أو شخصية عامة، واصفةً إيّاه بمن أثرى بفنّه من الإبداعات عن طريق التجسيد بصدق بطولات أبناء الوطن عبر إخلاصه وقدرته العظيمة.

إسمه الحقيقي رفعت الجمال

“رأفت الهجان”، هذا الإسم الشهير والمرتبط بأجيال، هو لشخصيّةٍ حقيقيّةٍ للعميل المصري “رفعت الجمال”، الذي عاش في المجتمع الإسرائيلي داخل أوساطه السياسية والعسكريّة والإقتصاديّة دون أن يتمّ اكتشافه، لأكثر من 20 عامًا.

تمّت زراعته عبر خطةٍ منظّمة من جانب “المخابرات” في إسرائيل، عقب تسلّله بين يهود مصر في خمسينيّات القرن الماضي، بإسم أحد أبناء الجالية اليهوديّة، الذي مات على يد الألمان في شمال إفريقيا وقت الحرب العالميّة الثانية، عندما كان طفلاً، مع والده ووالدته وشقيقته، ليُقدَّم لكبار اليهود على أنّه استطاع أن يهرب من ملاحقة الألمان، وعاد إلى مصر لخدمة مشروع إنشاء وطنٍ قومي لليهود في فلسطين.

تورّط في قضايا نصب واحتيال واحترف التزوير

إسمه الحقيقي “رفعت علي سليمان الجمال”. تعود أصوله إلى مدينة دمياط في شمال مصر، وكان شابّاً هوائيّاً يهوى التمثيل و يتفنّن في العلاقات النسائيّة، متنقّلاً بين مهنٍ داخل وخارج مصر.

تورّط في قضايا نصب واحتيال، محترفاً في إتقان عددٍ من اللغات، ومارس أعمالاً في بداياته داخل المجتمع اليهودي في لندن وباريس قبل أن يعود إلى القاهرة، فضلاً عن تزويره أوراقاً ثبوتيّة لشخصيّاتٍ مصريّة وفرنسيّة وبريطانيّة، وأيضاً لشخصيّة ضابطٍ بالموساد الإسرائيلي.

عمل “كومبارس” مع ليلى مراد وسامية جمال

ومن ضمن مهن “الجمال”، عمله ككومبارس في أكثر من عملٍ سينمائيٍّ شهير في نهاية الأربعينيّات وأوائل الخمسينيّات، حيث ظهر مع الراقصة سامية جمال في فيلم “أحبك أنت” بدور الراقص الذي حملها على كتفه، وأيضاً مع الفنانة ليلى مراد في أوبريت “اللي يقدر على قلبي” في فيلم “عنبر” عام 1948.

الإنجليز سلّموه للأمن المصري أثناء هروبه إلى ليبيا

وفي بداية الخمسينيّات، وعند محاولته عبور الحدود المصريّة إلى ليبيا، ألقت القوّات البريطانيّة القبض عليه، وسلّمته للسلطات المصريّة التي وقفت أمام شخصيّاته المتعدّدة.

وبعد عمليّات فحصٍ وتدقيقٍ بالسجلّات الجنائيّة وبمطابقة البصمات، وجد أن شخصيّته الحقيقيّة هي “رفعت الجمال”، فوجد فيه أحد ضباط المخابرات المصريّة، طريقاً لبدء زرع جاسوسٍ داخل إسرائيل، في ظلّ ما يمتلكه من مقوّمات.

قدّم أسرار إسرائيل على طبقٍ من ذهب للمخابرات المصريّة

لم يكن “رفعت الجمال” جاسوساً عاديّاً؛ فهو من عاش في إسرائيل مخترقاً الصفوة السياسيّة والإقتصاديّة والعسكريّة، واضعاً هذا المجتمع بأسراره وتجهيزاته ضدّ مصر، على طبقٍ من ذهب بين أيادي رجال المخابرات المصريّة. فكانت جلساته مع موشيه ديان وجولدا مائير وشيمون بيريز، و كوّن علاقات صداقة قويّة مع جنرالاتٍ وضبّاط بالجيش الإسرائيلي وضباط بالموساد والشاباك، ونقل إلى مصر من تل أبيب موعد الهجوم بالساعة والتفاصيل في العدوان الثلاثي عام 1956، ونفس الأمر لنكسة يونيو 1967.

كما و ساعد في نقل المعلومات المطلوبة التي ساهمت في إلحاق الهزيمة بإسرائيل عام 1973.

أنقذ دمشق من كارثة وفضيحة

في دمشق بالخمسينيّات والستينيّات من القرن الماضي، إستطاع الموساد زرع شاب إسرائيلي من أصول مصريّة في سوريا يدعى “إيلي كوهين”، على أنّه رجل أعمال سوري شاب عاش في البرازيل وعاد ليستثمر في بلده باسم “أمين حافظ”.

وإستطاع هذا الرجل أن يصل لمكانةٍ رفيعة في دمشق، حيث كان قياديّاً في حزب “البعث” ومرشّحاً لمنصب وزير سيادي وصديقاً مقرّباً للرئيس السوري الأسبق أمين الحافظ، وكان مرافقاً لقيادات الدولة في زيارة الأماكن العسكرية السورية المواجهة لإسرائيل على هضبة الجولان.

في عام 1964 سافر “الجمال” إلى إيطاليا في شخصيّة الجاسوس، وخلال اطّلاعه على إحدى الصحف اللبنانيّة هناك، وقعت عيناه على صورة مكتوب أسفلها: “الفريق علي عامر بصحبة الرئيس السوري وعدد من قادة الجيش السوري والقيادي بحزب البعث أمين الحافظ على الجبهة في الجولان”، ليكتشف أنّ هذا القيادي هو أحد الشباب الإسرائيليّين الذين كان يتعامل معهم في تل أبيب.

وهنا طلب فوراً “الجمال” مقابلة مع ضابط المخابرات المصري المسؤول عنه محمد نسيم ليبلغه بالأمر، ليقوم على الفور بإجراء تحريّاته للتأكّد من شكوك “رفعت”.

و تمّ إبلاغ الرئيس جمال عبد الناصر الذي كلّف أحد ضباط المخابرات بتجهيز ملف عن الواقعة والتوجّه به سريعاً على طائرةٍ خاصة إلى دمشق لإبلاغ المخابرات السوريّة والقيادات العسكريّة، و ينفضح أمر “حافظ” ويتمّ القبض عليه وإعدامه علناً في ساحة المرجة بدمشق.

أمره انفضح لإسرائيل بعد وفاته عبر المسلسل

نجاح “الجمال” أو “رأفت الهجان”، هذه الشخصيّة التي قدّمها الراحل محمود عبد العزيز، يكمن في أنّ أمره لم ينفضح للإسرائيليّين إلا بعد وفاته بخمس سنوات، عندما قُدّم مسلسل “رأفت الهجان”، حيث ظلّ هناك لأكثر من 20 عاماً، متواجداً كأحد أهم رجال السياحة والمقاولات في إسرائيل، حيث توفّي في عام 1982 في ألمانيا خلال العلاج من مرض السرطان.

مقالات ذات صلة

إغلاق