مكتبة الأدب العربي و العالمي

الساحرة وكنز سليمان الجزء السابع والأخير

وصلت عائشة إلى بيتها صاحت على أبيها ،لم يرد أحد ،فزاد خوفها ،دخلت الحجرة الصغيرة التي يستعملوها كمخزن ،ووجدت مرآتها النحاسية على الأرض، وأمامها فتحة في الصّخر قالت في نفسها هذه اذن مهمتها فتح الباب السري لمغارة سليمان ،كنت أعرف انّ لها دورا مهمّا ،اخذتها معها ،ودخلت ،بعد قليل وصلت أمام الأبواب الثّلاثة ، وجدت قطرات من الشّمع في الهواء أمام الباب الثالث ،ادركت بذكائها انّ هناك سلما غير مرئي ، وان هذه القطرات من شمعة بديعة …
صعدت السّلم و مشت قليلا كانت الحيطان مليئة بالنّقوش و الزّخارف الجميلة، و عندما وصلت أمام الباب الكبير سمعت صراخا مكتوما يأتي من الأرض ،انحنت ووضعت اذنها ،كان الصوت ينادي لطلب المساعدة ،عرفت أنه أباها بحثت عن منفذ لكنها لم تجد شيئا كانت الحفرة مغلقة بإحكام إحتارت عما يجب فعله ،فقط السّحر يمكنه إنقاذ أبيها ،وهنا تذكرت الناي السّحري الذي أهداه لها ملك الجان ،أخذته و نفخت فيه ،صدر عنه صوت ناعم ،وفجأة وجدت أماما ماردا من الجنّ ،و قال لها: في خدمتك يا عائشة ،انهارت بالبكاء وقالت له أبي محبوس ،ولم أقدر على إخراجه ،قال لها : جفّفي دموعك ،سأتدبر الأمر .
نظر إلى الباب فوجد نقشا بارزا لثعبان فاتحا فمه ،لم يكن الأمر يحتاج إلى كثير من الذكاء لكي يعرف أنّه فخ، إذ كانت الثّعابين عند القدامى حرّاسا للكنوز و والقبور ،ضغط عليه مرّتين ، ففتحت الحفرة ،ودخل بسرعة، وأخرج بائع السّمك، كان في حاية يرثى لها نظرت إليه عائشة ،و صاحت ما هذا اللون الأخضر الذي يكسو جسمك ، قال لها أبوها عن مذا تتحدثين و عندما نظر الى يديه احسّ بالفزع ،فلقد كانت تكسوهما الطحالب، و كذلك ساقيه …قال الجن: هذه النبتة اسمها طحالب الموت، إذا لمست أي شيئ يتحوّل إلى نبات، والعلاج الوحيد هو سحر قويّ لم يعد موجودا الآن ،
قالت عائشة : أمّي أيضا مريضة لا تقدر عن الحركة ،لقدت دسّت لها ساحرة شئا في قلتها ،قال الجن: سمعت من آبائي أن هناك عنكبوتا إسمه عنكبوت آدم بإمكان سمه أن يحدث شللا دائما للأطراف ، مع الأسف هنا أيضا العلاج سحر قوي ،الحل الوحيد خاتم سليمان ،قبل موته قضى على كبار سحرة العصر الأول من الإنس و الجان ،ومن بقي منهم نفاهم إلى جزيرة نائية لا يعرفها أحد …
كانت بديعة في هذه الأثناء جالسة في القاعة الكبيرة تفكّر في حلّ ،و عندما سمعت الضجيج عند الباب إعتقدت انّ اهل القرية جائوا في طلبها، قامت وأخذت قضيبا حديدا وعزمت على فتح درج التابوت بالقوّة ،قالت : إنّه من الذّهب و لن يكون من الصّعب فتحه فقط يجب الإحتياط من وجود فخّ ،أدخلت القضيب في الدّرج، و ضغطت بكل قواها ،سمعت صوتا صادرا من التابوت ،ابتسمت ،لكن ابتسامتها سرعان ما تلاشت عندما رأت المئات من عناكب آدم السّامة تخرج من التابوت، و تهجم عليها و تشبعها لدغا ،بعد لحظات تمددت بديعة على الأرض عاجزة عن الحراك ،
عندما دخلت عائشة و أباها و الجنّ خادم الناي ،صرخت أرجوكم ساعدوني لا أقدر عن الحركة ،اقتربت منها عائشة ،وقالت : سبحان الله، سقاك من نفس السم الذي سقيته لأمي ،و سنتركك هناك يا امرأة السّوء حتى تموتين جوعا وعطشا ،اقترب منها بائع السمك، وقال : سأرميك في جبّ الطحالب حتى تفترسك وانت حية ،أنت طالق يا بديعة ،لقد غرّني جمالك و لم أكن أعرف  أن لديك قلب أسود ،قالت له : يا قاسم ،والله لقد أحببتك بصدق ،لكنّك لو عرفت قصّتي لعذرتني ، ماتت عواطفي من زمان، لقد لاحق سليمان ،و من أتى بعده سحرة العصر الأول .لقد ساعد أجدادي الملوك في تثبيث سلطانهم و التلخص من أعدائهم ، لكن بعد ذلك لاحقوهم ،ونكّلوا بهم لإخفاء ما اقترفوه من ثم ،لم يريدوا أن يكون هناك شاهد على فعلهم، لقد قتلت عائلتي عبر العصور، و من بقي من السحرة نفاهم سليمان في جزيرة غريبة من يدخلها لا يهرم و لا يأثر فيهم الزمن ،السّحرة القدامى جعلوا العالم أفضل لا وجود للمجاعات و الأمراض و الفقر،لكن الملوك كانوا يعتبرون السّحرة خطرا على عروشهم ،كنت أريد فقط الإنتقام ..
قالت عائشة و أنا أيضا أريد الإنتقام منك ،كان الملوك محقين في التخلص منكم ،ضرركم أكبر نفعكم
قالت بديعة لعائشة : لن تتمكّني من شفاء أبويك ،فقط سحرة العصر الأوّل يمكنهم ذلك ،ويجب أوّلا الحصول عل الخاتم الموجود في درج التّابوت ، المشكلة أنّ هناك مفتاحا صغيرا من الذّهب يمكنه تحريك تمثال الصياد الذي يطلق سهمه ، ولا احد يعرف أين هو .
تذكّرت عائشة المفتاح الذّهبي الذي وجدته في وادي الأرواح التائهة ،هل يمكن أن يكون هو ،تحسّست جيبها بأصابع مرتعشة ،لقد كان هناك، أخذته ،ووضعته في قفل التمثال ،وادارت االمفتاح ،قالت عائشة في نفسها ،يا لها من مصادفة عجيبة ،اتسعت عيون بديعة من الدهشة عندما رأت المفتاح ،ولعنت الحظ السيئ، لو انتظرت قليلا لأمكن لها خداع عائشة
قال الجن: تروي الأسطورة أن سليمان امر بإلقاء االخاتم في وادي الأرواح التائهة أكثر الأماكن رعبا، واذا لمس أحدهم شيئا هناك تحوّل إلى حجارة ،يبدو أنّ الأمر يتعلق بمفتاح لا يعلم أحد حوله شيئا ..
عندما اتمّ التّمثال دورته ،واصبح السّهم في مواجهة التابوت ،سمعوا صوتا أسفل تابوت سليمان ،وانفتح درج يحتوي على طائر من البلور الصافي متوسط الحجم ،أخرجته عائشة ،وقالت : كنت أعتقد أنّ الخاتم قطعة من الحلي الذهبية …
نظرت إليها بديعة و قالت لا احد يعرف كيف يعمل هذا الشيئ ،كانت محقّة قلبته عائشة، و نقرت عليه، لكن لم يحدث شيئ، قال بائع السمك، لقد كان سليمان يحكم  من قاعة عرشه، وهناك يقابل الانس و الجن ،قالت عائشة للجن هل يمكنك ان تحملنا الى مدينة الأحجار ،قال: نعم، وأضاف : و بديعة هل نتركها هناك ؟ قالت عائشة: لا سناخذها معنا، فالله الذي يعاقبها ولست أنا،
في دقائق وجدوا أنفسهم في قصر سليمان ، لقدانهار السقف منذ زمن طويل ،لكن لا تزال الحيطان سليمة ،دخلوا قاعة العرش ،نهب الذهب الذي كان هناك ، اما كرسي الحكم فلم يبق منه شيئ ،نظرت عائشة الى الحائط كان هناك نقش لحيوانات برية و بحرية سألت الا تلاحظون أنّ هناك شيئا ينقص هذا االنقش ،قالوا بصوت واحد : الطيور،وتحسّست النقش بأصابعها فوجدت حفرة صغيرة تكاد لا تظهر ،أخذت الطائر ،ووضعته بين الحيوانات ،ثم ضغطت عليه فغاص في الحائط ..
في البداية لم يحدث شيئ ،ثم سمعوا رفرفة جناح ،وشاهدوا هدهدا جميل اللون يحط على يد عائشة و قال لقد بقيت في خدمة سليمان ألف عام وها أنا ابعث من جديد، عندما وقفت على يدك أحسست نفس الأشياء التي كنت احسها على يد سيّدي سليمان ، وقال لي بعد خمسة آلاف عام من موتي تأتي بنت تستعمل الخاتم للمرة الأخيرة قبل أن يضيع نهائيا، و ستتصارع مع آخر ساحرات العصر الأوّل التي مازالت طليقة ،لقد فقدت مع الزمن كثيرا من سحرها لكن هي خبيثة و ماكرة لكن ستتغلب عليها بفضل الحكمة .
لا تقلقي ،سآتيك بدواء لأبويك من الجزيرة العجيبة، اين نفى سليمان من بقي من سحرة العصر الأول، و بعد ذلك سأنقل بديعة إلى تلك الجزيرة لتعيش بقية حياتها هناك ،سألت عائشة هل ستشفى، قال الهدهد: نعم ،لكنها لن تخرج من هناك أبدا ،شرعت بديعة في الصراخ : لا أريد أن ابقى هناك أرجوكم … لكن لم يشفق عليها أحد …
بعد لحظات جاء الهدهد بقنينة أعطاها لقاسم بائع السمك الذي شربها ،ولاحظت عائشة أن الطحالب الخضراء شرعت في الإختفاء ، وأعطاها قنينة أخرى لأمّها ،قال الهدهد: أغمضوا أعينكم ،وعندما فتحوها وجدوا أنفسهم في بيتهم ،وإمرأته هناك مندهشة ممّا يحصل ،سقتها عائشة قنينة الدّواء ،وأبدت سعادتها عندما لاحظت أن أمّها بدأت في تحريك يديها
قال الهدهد: لقد أغلقت مغارة الكنز، ولن تفتح إلى الأبد ،و سيختفي الخاتم،وستنتهي حكاية ساحرات العالم القديم ،قبل أن انصرف تركت لكم هدية وأشار إلى جرة صغيرة، عندما نظروا إليها وجدوها مليئة بالذهب والأحجار الكريمة ،
إختفى الهدهد ، ولم يبق شيئ ممّا حصل ،لكن نسي أن يأخذ المرآة … وعندما وجدتها عائشة في جيبها ،ابتسمت ،هل حقيقة إنتهى كل شيئ ؟ …

من قصص حكايا ألعالم الاخر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق