اخبار العالم العربي

اسرار تأخير معركة الفلوجة بين الضغوط الداخلية والخارجية

imageالمتتبع للشأن العراقي يعتقد أن معركة تحرير الفلوجة أصبحت وشيكة؛ لكن الغريب في الأمر أنه ما إن تدنو ساعة الحسم، حتى تحدث بعض المفاجآت غير السارة.

هل دقت ساعة تحرير الفلوجة من رجس الإرهاب؟
فقبل نحو أربعة أشهر، استعدت قوات “الحشد الشعبي” لاقتحامها وكانت قادرة على ذلك، ولا سيما أنها نجحت مع الجيش والشرطة وجهاز مكافحة الإرهاب في تطهير تكريت وبيجي وجزيرة سامراء ومحافظة ديالى بالكامل وجرف الصخر وبوقت قياسي؛ وكل المدن المحررة هي أكبر من جغرافيا الفلوجة وأعقد منها.

وعند الاستعداد لاقتحام الفلوجة مع الجيش، تعرضت وحدات من قوات الحشد لضربة جوية، وسقط عدد من عناصرها بين قتيل وجريح، وقيل حينها إنها كانت خطأ من طائرات التحالف.

وبعد مدة، مورست ضغوط أمريكية لإبعاد قوات “الحشد الشعبي” بسبب مطالبات بعض السياسيين. وعندها أعطت الحكومة الإشارة لجهاز مكافحة الإرهاب والجيش والشرطة بالتقدم لاقتحام الفلوجة مع بقاء قوات الحشد على تخوم المدينة. وعندها أيضا ومع تقدم أولى القطعات العسكرية، تعرض الجيش لضربة جوية من طائرات التحالف، وقيل أيضا إنها كانت خطأ غير مقصود؛ وأسفرت الضربة الجوية عن سقوط العشرات من الجنود ما بين قتيل وجريح.

كذلك، بعد تحرير الرمادي، وحين اتُخذت محاولات للبدء بالفلوجة، لأنها تمثل الخاصرة الرخوة لبغداد وبوابة الإرهاب على العاصمة، اشتعل المسرح السياسي بالخلافات، التي امتزجت بها صيحات طائفية.

أما اليوم، وبعد اندفاع القوات إلى تحرير الرمادي وهيت، مرورا بكبيسة، وصولا إلى الرطبة، وانتهاء بالسيطرة على الطريق الدولي باتجاه الأردن، ومجيء دور الفلوجة؛ تأتي المفاجأة من المتحدث باسم قوات التحالف ستيف وارن، ليقول إن أولوية التحرير ستكون للموصل وليس للفلوجة، علما أن تحرير الفلوجة سيؤمن بغداد ويجعل محافظة الأنبار شبه خالية من “داعش” باستثناء القائم وعنه، وهما من المدن التي يمكن دحر “داعش” فيها لأنها صغيرة ومفتوحة على الصحراء. مع ذلك تصر القيادات العراقية على أولوية تطهير الفلوجة.

ومع هذا الإصرار، اشتعلت العاصمة بتفجيرات إرهابية راح ضحيتها المئات من الأبرياء، وتبناها التنظيم الإرهابي، وهذا ما تسبب بخروج التظاهرات الأخيرة التي أسفرت عن اقتحام المنطقة الخضراء للمرة الثانية، ولكنها كانت هذه المرة احتجاجا على تردي الوضع الأمني؛ وقد يؤثر هذا الأمر بشكل أو بآخر على الخطط الأمنية لتحرير الفلوجة، خاصة أن هناك معلومات غير مؤكدة تتحدث عن احتمالات إيقاف الاستعدادات لهذه العملية.

الملفت في الأمر هو أنه مع الإصرار الكبير للقيادات الأمنية العراقية لتحرير الفلوجة، يبرز شبح توتر بين “سرايا السلام” جناح “التيار الصدري” العسكري، و”قوات بدر” أحد تشكيلات “الحشد الشعبي” من دون وجود أسباب مقنعة لأي خلاف.

ويرى مراقبون أن هذا الأمر قد يهدف إلى إشعال مواجهة بين فصائل الحشد، ويشير إلى وجود محاولات من إطراف مجهولة لجر هذه الفصائل إلى مواجهة داخلية، لكن قيادات هذه التشكيلات نجحت في إخماد الفتنة بين فصائلها..

ويتهم مراقبون كثيرون واشنطن وسفارات عدد من الدول بلعب دور مثير ومخيف لافتعال أزمات تؤجل موقعة الفلوجة. والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة: ما سبب بروز عراقيل كلما دنا موعد معركة الفلوجة؟ وما سر تأخير الأمريكيين تحرير هذه المدينة التي باتت مرتعا للإرهاب، وتفضيلهم الذهاب إلى تحرير الموصل كما يقول وارن؟ علما أن الألوف من عناصر القوات الأمنية العراقية موجودة في الأنبار وقريبة من الفلوجة وبعيدة عن الموصل، ولا سيما أن وزير الدفاع العراقي خالد العبيدي نفسه قد أكد في تصريح خاص إلى “RT” أن تحرير الفلوجة سيكون قبل الموصل.

وقد يسأل بعضٌ عن سبب اندفاع القوات وقطعها مئات الكيلومترات لتحرير مدن باتجاه الغرب وفي الصحراء بمحافظة الأنبار وصولا إلى الحدود الأردنية، وترك الفلوجة التي تبعد عن بغداد نحو ستين كيلومترا وتشكل تهديدا لأمن العاصمة.

من الواضح أن هناك ملابسات وأسرارا تعرقل عمليات تحرير الفلوجة لم يكشف النقاب عنها بعد. وحدوث معرقلات في كل مرة، يؤكد أن الأمر لا يخلو من ضغوط سواء كانت داخلية أو خارجية. والآن وفي ظل كل العراقيل، فالفلوجة محاصرة من معظم اتجاهاتها وتم عزلها تماما عن طرق إمداداتها. ومن المؤكد، وفق مصادر عسكرية وأمنية عراقية، أنها تضم أعتى الإرهابيين، سواء من العراقيين أو العرب والأجانب، رغم أن غالبيتهم من العراقيين، وعددهم قد يصل إلى أكثر من ألفين.. والمعلومات تتحدث أيضا عن زرع معظم الطرق المؤدية إليها بعدد كبير من العبوات الناسفة فضلا عن تفخيخ البيوت وحفر أنفاق لم تكتشف بعد.

ووفقا لمعطيات الميدان، فإن التنظيم انهزم وانكسر في معظم المواجهات المباشرة، سواء في مدن الرمادي أو هيت أو الرطبة أو كبيسة. وهذا يعطي إشارات بأنه غير قادرعلى مواجهة القوات العراقية في الفلوجة أيضا. ومع ذلك، فلا ينبغي الاستهانة به؛ فهو يعتمدعلى الكمائن والهجمات الانتحارية بالسيارات والآليات الملغمة والعبوات الناسفة لإيقاف الزحف نحوه. وهذه الأساليب تدركها القوات العراقية. ووفق معلومات أمنية مؤكدة، تم اتخاذ الحيطة والتدابير اللازمة لمعالجتها. كما تشير المعلومات الأمنية إلى وجود ما بين ثمانين وتسعين ألف شخص من المدنيين -بعضهم يناصر التنظيم وبعضهم يرفض وجوده. وقد فتحت القوات العراقية ثلاثة منافذ لخروج العائلات من المدينة، لكنه لا يلاحَظ إلى الآن تدفق كبير من العائلات باتجاه هذه المنافذ، علما أن القوات الجوية العراقية وزعت ألوف المنشورات على الفلوجة، وكتبت عليها بطاقات أمان لتسهيل خروج العائلات، ويعتقد بعضٌ أن “داعش” يضغط في الفلوجة على الأهالي ويجبرهم على البقاء، فيما يشير مراقبون إلى أن التنظيم يحظى بشعبية داخل المدينة.

وفي مطلق الأحوال، فالاستعدادات العسكرية للقوات كافة مكتملة. وصحيح أن العملية العسكرية لن تكون سهلة لبناء “داعش” تحصينات كبيرة، كما أكدت مصادر مختلفة؛ لكن المعركة لن تستمر طويلاً، فـ”داعش” داخل المدينة ينهار تدريجيا ومعنوياته منكسرة في ظل خسارته لمناطق نفوذه في الأنبار الواحدة تلو الأخرى، وهذا قد يسهل من عملية دحره بوقت قصير.

وفي ظل عدم وضوح الرؤية الكاملة من الحكومة أو قوات التحالف عن القوات التي ستشارك في عملية اقتحام وتحرير الفلوجة، يخشى الشارع العراقي تأجيل هذه المعركة والاستجابة للضغوط الأمريكية، وربما لتأثيرات خارجية أخرى، علما أن الجميع مقتنع بأن تحرير هذه المدينة من براثن التنظيم الإرهابي سيكسر شوكته في العراق ككل، ولا سيما أنها تضم قيادات كبيرة للتنظيم، فيما تحدثت معلومات استخبارية دقيقة عن وجود قيادات لحزب “البعث” فيها ومنها عزت الدوري وآخرين.

ومن المؤكد أن تحرير الفلوجة في هذه المرحلة الحساسة، التي تشهد خلافات سياسية، يمثل فرصة استثنائية لرئيس الحكومة حيدر العبادي للتصالح مع الشارع. وعلى الرغم من عدم وجود سقف زمني لحسم المعركة، فإن تطهير الفلوجة قبل موعد الذكرى الثانية لسقوط الموصل سيشكل ضربة موجعة للإرهاب.

أشرف محمد العزاوي

مقالات ذات صلة

إغلاق