نشاطات

بقلم الكاتبة والاديبة مها سلامة ديوب …..

مؤخراً تم الاجتماع.
عاجل.
بحضوري، وأنا شاهدة ..
اجتماع موثّق..
اجتماع جدّي..
اجتماع على اعلى المستويات العالمية الفلسفية البحتة .. الجذرية .. القطعية.
دخل قاعة الاجتماع كل من المفكرين أفلاطون .. سقراط .. أرسطو.
دخل ديكارت ونيتشة الراقي بكل ماتعنيه الكلمة ..
جاء فرويد، ودخل بعده الفلاسفة والعلماء .. أدباء على مستوى التاريخ تباعاً، واضعي الابجديات والرمزيات و يصعب حصرهم جميعاً..
عن السياسة دخل جون ستيورات، ابن خلدون خير من حلّلها، وتلاه الأخرون من اختصاصه، وكلهم حيّوا أفلاطونَ، وسلموا عليه، فقد سبقهم إليها.
دخل همنغواي وتلاه تولستوي..
جاء جبران الرقيق، الذي أعشقُ فكره.
اجتمع العقاد، وسعد الله ونوس، والمنفلوطي بالباب، وكلٌ ينحني احتراماً للآخر.
دخل المبدع طه حسين .. ما لفتني أنه لايحمل عكازاً، ولا تسنده سوزان.
علمتُ إن بوصلتهم جميعاً، الفكر والعلم..
جاء دور الشعر وقيثارته.
دخل القاعة زهير بن أبي سلمى، والنابغة الذبياني، وامرؤ القيس، وعمرو بن أبي ربيعة.
ما أجمل ذاك العصر، وما أجزل أشعاره، لكن للحداثة عشّاقها.
دخل عمي الجواهري الغالي، والبياتي والسّيّاب، ولحقهم عن الحداثة نزار، فللقباني حضوره..
أنا أجلس بزاويةٍ بعيدةٍ جداً، مستغربةً اجتماعَ عمالقةٍ بصموا إبداعاً .. أخاف أن يرونني فأُطرد من بينهم .. فلولا التعجل والعجلة لما كنت على أرض فيها الناس عجّلى، كما وصفها ربي..
هرج ومرج، وشوق، وكأنهم رغم بُعد الأزمنة بينهم يعرفون بعضهم جداً، بل تربطهم عروةٌ وثقى…
بلحظةٍ بدأ الاجتماع، وقالوا: أصغرنا سناً فليبدأ.
وقف جبران بحياء ورحب بهم بدماثة خلقه وأناقته..
جبران: أنا كتبت كثيراً عن الحرية، ووصفتُ بكتبي أنواع العبودية، وشرحت متى يتحرر الإنسان منها، لكن أنا كجبران للعقل عبدٌ .. فالعقل مذهبي..
فكيف لي أن أترأس اجتماع فيه افلاطون العظيم…؟
حقيقةً .. ضِعتُ بينهم، من منهم أكثر أدباً؟؟
من منهم أكثر تواضعاً؟؟
بلحظة تذكرت مُدّعيّ الثقافة بمجتمعاتنا الحديثة وجلساتهم، التي لاتخلوا من الدهشة لمن يحضرها، فكلٌ منهم يملك نرجسيةً، وحبّ السيطرة أكثر من الأخر، ويا ويلٌ لمن يحاول إقناع مثقفٍ عربيّ بفكرته…
تحتاج مئة سنة ضوئية لتشرح فكرة بسيطة بينهم، فالفهم لهم والباقي ..أوت..
المهم عُدتُ من ذكرياتي للأجتماع.
فكري ضئيلٌ أمام ماطرحوه ولعالمٍ جذاب أخذوه..
ما أرقى نقاشهم .. ما أجملهم ياإلهي .. أبِحِلمٍ أنا، أم بعِلم؟؟
ناقشوا قضايا كبرى وصغرى..
ناقشوا الرمزية والصورية، والكون ومجرّاته..
ناقشوا الشعر الحديث، وشعر التفعيلة، وأوزان الشعر بكل لغات العالم، والغريب اكتشفت إنهم جميعاً لا تفصلهم لغات مختلفة، إنما جمعهم علم، وعقل .. لغة العلم واضحةٌ جلية.
بالسياسة تحدثوا ولابن خلدون هنا ميدانه..
كلهم استمعوا، ياإلهي كم للحديث بينهم رغم كثرة عددهم رقيه، فلاتسمع ضوضاء واحترام الحديث والاستماع فنٌ وأدب..
تحدث ابن خلدون واستفاض لم يكن مملّ كمحلّلي السياسة على شاشاتنا العربية، بل جعل الجميع منبهراً بغزلِه وتحليلاته الراقية المنطقيه المقنعة، وبعلم السياسة الشرح يطول تحدث من تلك الحقبات الأزلية إلى عصرنا هذا، هنا تغير الجو الجميل وبات ضوضاء واختلاف و.و.و.و.و .. اختلف الرأي
وفجأة سألوه: كيف ترى الحلول .. لِمَ وصل إليه العالم الموبوء هذا ؟؟.
تنحنح كثيراً وتحرّك على مقعده و.و.و.و.
أخيراً قال: العلم كله احتار بما لوثته أياديهم. نحتاج لحلٍّ إلهي، فقد برّأوا الفاسد، وغيروا المسميات، وعاقبوا الشرفاء وقصقصوا العقلاء، ورحّبوا بالجهلاء .. وأهل الفكر اتهموهم بالبلهاء.
التصفية .. التنقية .. الزلزلة.
فما فعلوه لن يحله إلا تدخلٌ إلهيّ..
عندما تصل الأمور هذا الحد، يكون البشر إلى التهلكة لا محالة..
وعندما حددوا له السؤال بالعالم العربي؟؟..
صمت فجأة عن الكلام…
هنا أنا رغماً عني سَعَلتْ.
انتبه إليَّ الجميع، وأشار ابن خلدون، تلك السيدة التي حشرتْ نفسها بالزاوية، خائفة أن نراها، لم تنبث ببنت شفة .. لم تتجرأ أن تقول أنا انسان مثلكم، لي رأي وأملك وجهة نظر. عمّرت .. بنيت .. أسست.
أنا لي اسمي ماضياً وحاضراً.
اختصرت لكم وضع العرب…
نسمع ببنات افكارنا .. نحلل .. نفهم ،لكن كلٌ منّا يخاف حتى الاقتراب، وكل تطور .. كل تقدم .. كل انجاز، يقال بفضل خبراتهم هم .. هم الغرب .. هم الحضارة، وننسى أننا بفضل السياسات الغبية، أبناؤنا عمّروها .. هناك وزرعوا العلم، وانسلخوا عنّا .. خجلاً منّا .. من ضعفنا .. من انهزاميتنا..
نحن أهل أغلب من كان بذلك المجلس العظيم لانعرف عنهم .. عن أجدادنا إلا البسيط، إنما بالغرب حلّلوهم وفسّروهم، وفهّموهم، وحلّوا طلاسمهم، ونحن بقينا نناقش، هذا من أي مِلة، وذاك من أي طائفةٍ، وذا لمن ينتمي، ولأي حزبٍ يميل..
بالموت .. المسلم يقول: رحم الله كلّ مسلم وكل من توفي من أمّة محمد.
والمسيحي يقول: من مات مسيحياً فسيحيا..
من منكم يجزم أن الله لم يقصد بالعبد الصالح، كل انسان صالح؟
خجلتُ من نفسي، وتقدمت منهم .. رميتُ التحية بأدب واعتذرتُ منهم.
اعذروني فأنا بحدادٍ على وطني .. خَجِلةٌ مما سمعتْ..
غادرتهم ودموعي تنساب على وجنتيّ..
وااااامعتصماه..
إلى أين تسيرُ أمتي التي خلقني الله بها بأمره؟؟.
قد تكون صورة ‏‏‏شخص واحد‏، و‏‏ابتسام‏، و‏عشب‏‏‏ و‏شجرة‏‏
<img class="x16dsc37" role="presentation" src="data:;base64, ” width=”18″ height=”18″ />
<img class="x16dsc37" role="presentation" src="data:;base64, ” width=”18″ height=”18″ />
كل التفاعلات:

٦٤٤

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق