نشاطات

لمنع الارهاب يتوجب ان يكون هناك وضوح سياسي بقلم: د. حنا عيسى – أستاذ القانون الدولي

بسبب التعقيدات السياسية والدينية فقد أصبح مفهوم “الارهاب” غامضاً أحياناً ومختلف عليه في أحيان أخرى. فهو الأفعال العنيفة التي تهدف إلى خلق أجواء من الخوف، ويكون موجهاً ضد أتباع دينية وأخرى سياسية معينة، أو هدف أيديولوجي، وفيه استهداف متعمد أو تجاهل سلامة غير المدنيين.

وهو وسيلة من وسائل الإكراه في المجتمع الدولي، لا يوجد لديه أهداف متفق عليها عالمياً ولا ملزمة قانوناً، وهو أعمال العنف غير المشروعة والحرب. وهو الافعال الإجرامية الموجهة ضد الدولة والتي يتمثل غرضها أو طبيعتها في إشاعة الرعب لدى شخصيات معينة أو جماعات من الأشخاص، أو من عامة الشعب وتتسم الأعمال الإرهابية بالتخويف المقترن بالعنف، مثل أعمال التفجير وتدمير المنشآت العامة وتحطيم السكك الحديدية والقناطر وتسميم مياه الشرب ونشر الأمراض المعدية والقتل الجماعي.

ويعود تاريخ العمل الإرهابي إلى ثقافة الإنسان بحب السيطرة وزجر الناس وتخويفهم بغية الحصول على مبتغاه بشكل يتعارض مع المفاهيم الاجتماعية الثابتة، والعمل الإرهابي عمل قديم يعود بنا بالتاريخ مئات السنين ولم يستحدث قريباً في تاريخنا المعاصر. ففي القرن الحادي عشر، لم يجزع الحشاشون من بث الرعب بين الأمنين عن طريق القتل، وعلى مدى قرنين، قاوم الحشاشون الجهود المبذولة من الدولة لقمعهم وتحييد إرهابهم وبرعوا في تحقيق أهدافهم السياسية عن طريق الإرهاب.

وفي حقبة الثورة الفرنسية الممتدة بين الأعوام 1789 إلى 1799 والتي يصفها المؤرخون بـ فترة الرعب”، او “الإرهاب الممول من قبل الدولة”. فلم يطل الهلع والرعب جموع الشعب الفرنسي فحسب، بل طال الرعب الشريحة الارستقراطية الأوروبية عموماً. ويرى البعض ان من أحد الأسباب التي تجعل شخص ما إرهابياً أو مجموعة ما إرهابية هو عدم استطاعة هذا الشخص أو هذه المجموعة من إحداث تغيير بوسائل مشروعة، كانت اقتصادية أو عن طريق الاحتجاج أو الاعتراض أو المطالبة والمناشدة بإحلال تغيير. ويرى البعض أن بتوفير الأذن الصاغية لما يطلبه الناس (سواء أغلبية أو أقلية) من شأنه أن ينزع الفتيل من حدوث أو تفاقم الأعمال الإرهابية.

وأسباب الارهاب متعددة منها أسباب تربوية وثقافية، فأي انحراف أو قصور في التربية يكون الشرارة الأولى التي ينطلق منها انحراف المسار عند الإنسان، ويجعل الفرد عرضة للانحراف الفكري ومناخًا ملائمًا لبث السموم الفكرية لتحقيق أهداف إرهابية. وهناك أسباب اجتماعية،فانتشار المشكلات الاجتماعية والتفكك الأسري يدفع الفرد إلى الانحراف في السلوك، والتطرف في الآراء، والغلو في الأفكار، بل ويجعل المجتمع أرضًا خصبة لنمو الظواهر الخارجة عن الطبيعة البشرية.

ومن دوافع وجود الارهاب، أسباب اقتصادية، فكلما كان دخل الفرد يفي بمتطلباته ومتطلبات أسرته كان من رضاه واستقراره الاجتماعي ثابتًا، وعلى العكس إذا كان دخله قليلاً كان مضطربًا وغير راضٍ عن مجتمعه، هذه الحالة من الشعور يولد عند الإنسان حالة من التخلي عن المسؤولية الوطنية ، كما هناك أسباب سياسية، فوضوح المنهج السياسي واستقراره، والعمل وفق معايير وأطر محددة، يخلق الثقة والقناعة، ويبني قواعد الاستقرار الحسي والمعنوي لدى الفرد، كما أن الغموض في المنهج والتخطيط في العمل يزعزع الثقة، ويخلق حالة من الصدام بين المواطنين والقيادة السياسية.

كما ان هناك أسباب نفسية، فهناك دوافع تدميرية نفسية متأصلة في الفرد، وتضخم الأنا العليا بسبب الشعور المتواصل بوخز الضمير، أو الإحباط في تحقيق بعض الأهداف أو الرغبات، أو الوصول إلى المكانة المنشودة، فهذه العوامل النفسية تؤدي إلى ارتكاب الأعمال الإرهابية، نتيجة لخلل في التكوين النفسي أو العقلي أو الوجداني، سواء مكتسب أو وراثي، كما أن ظهور منظمات وهيئات كثيرة في العالم تسجل رسميًا في دولة من دول العالم لأهداف وأغراض إنسانية أو تعليمية محددة، وقد يوجد إمكانية لبعض أفراد تلك المنظمات في سوء استخدام تلك التبرعات.

ومن اسباب الارهاب هو التقدم العلمي والتقني في مجال شبكات الاتصال، الذي مكن أعضاء تلك الخلايا والشبكات الإرهابية من الحصول على معدات وأجهزة فنية متقدمة، إضافة للتناقضات في موقف بعض دول العالم تجاه ظاهرة الإرهاب، ووجود ما يسمى بحركات المقاومة للفكر السائد في بعض الدول أو للنظام الحاكم فيها، وتفشي ظاهرة الفقر والبطالة في كثير من دول العالم.

ولعلاج الارهاب، يتوجب الردع بعد ظهور الاعراض،وممارسة الإرهاب يعتبر الردع الحاسم هو الحل الامثل، فالحزم الحاسم والردع الصارم هو الدواء الوحيد لكل من مارس الإرهاب. كما أن هناك علاج وقائي لناشئة الأمة وشبابها وهو الحرص على تربية عقولهم، فإن تربية العقل “إحصان” للناشئة من أي انحراف، فالذين لا يعقلون يفهمون الأمور فهماً خاطئاً، ويعتقدون اعتقادات ضالة، وبناءً على ذلك قد يرتكبون أعمالا شنيعة. كما يتوجب مواجهة المشكلات الاقتصادية، وما يتبعها من أزمات تضر بآمال الشباب، مثل أزمة الإسكان وأزمة العمل، وعلاج الخلل الإداري في بعض أجهزة الدولة الذي يعوق وصول الخدمات لطالبيها.

ولمنع الارهاب يتوجب أن يكون هناك وضوح سياسي حتى ينشأ الشباب على بينة من أمر بلاده داخليًا وخارجيًا، وبما لا يضر بمصالح وأمن البلاد، وحتى لا يقع تحت مؤثرات خارجية وأخبار غير صحيحة تذيعها المصادر التي تعمل على عدم الاستقرار في البلاد، ويجب عدم تقديم وسائل الإعلام ما يضر بالمجتمع دينينًا وثقافيًا واجتماعيًا وسياسيًا، وأن تكون الكلمة مثمرة لا مدمرة، ويتوجب مواجهة التيارات الخارجية التي تبث العنف وتعمل على إثارة الفتن بكشف مصادرها ومقاصدها، كما يتوجب تمكين القضاء، وتوفير الرعاية المناسبة للأسرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق