مكتبة الأدب العربي و العالمي

حكاية هاتف منتصف الليل من قصص العبرة والموعظة المصادفة الغريبة (حلقة 2 )

قلت للطبيب هل سيتحسن فقال؟ نعم لا تقلق ولكن الطفل بحاجة إلى رعاية ، ،ويجب أن يكون المكان الذي يعيش فيه نظيفا وفيه تهوئة جيدة ،فتذكرت تلك الغرفة العفنة المليئة بالشقوق ،وقلت في نفسي: لن يشفى ذلك الولد إن لم ينتقل إلى مكان آخر لائق، ولما خرجت من المصحّة كلمت ناهد عن الغرفة في الحديقة التي كان فيها عم إبراهيم البستاني ،وقلت لها :منذ رجوعه للصّعيد وهي فارغة ،وبإمكان تلك المرأة أن تهتم بنظافة البيت ،ونعطيها أجرة بدلا من الشغالة التي عندنا ،فكّرت ناهد قليلا،وردّت: لا بأس ،حتى يجدوا حلا،
في الصّباح فتحت الملف الذي بسببه فارقني النوم تلك الليلة وهو متعلق بعمارة قديمة ،تريد بلدية بيروت هدمها ،وأرسلت لي تقريرا عن عدم صلاحيتها للسّكن ،لكني لم أكن مرتاحا، فهناك شعور غامض يقلقني كل ما أحاول الإمضاء ، لكن لمّا ألقيت نظرة على العنوان، كدت أقع من مقعدي لشدّة الدّهشة ،لقد كانت نفس العمارة التي ذهبت إليها البارحة لحمل الولد للمصحّة ،أنا شخص عقلاني لا أعتقد في وجود شيء اسمه الصّدفة ،ولا الجان والشياطين ،حاولت أن أركّز لأجد تفسيرا يقبله عقلي قلّبت الأمر من جميع الأوجه لكن دائما أجد نفسي أصل إلى نفس النقطة أن الله جعل لي سببا ليقودني لتلك العمارة قبل أشرع في هدمها، فلقد ذهبت إليها ورأيتها من الداخل، وبالرّغم من قدمها إلا أنّها متينة ،ولا تحتاج سوى لترميم لتصبح لائقة للسكن ،لكن لماذا تصرّ البلدية على هدمها ؟
لم يكن من الصعب معرفة أن أحد المستثمرين يريد بناء مركز تجاري في ذلك المكان، وفي الماضي كان بعيدا لكنه بسبب التّوسع العمراني أصبح الآن ضمن المدينة ،فرفضت الهدم ،واقترحت القيام بالتّرميمات الضرورية لكن البلدية أصرّت على موقفها ،وأعطت الملف لشركة ثانية ،فقلت في نفسي :لقد أرحت ضميري فسكان تلك العمارة فقراء ولا يدفعون سوى إيجار صغيرا فأين سيذهبون لو هدمت تلك العمارة ؟أحسست بالراحة الكبيرة للقرار التي إتخذته رغم خسارتي للعقد ،والذي كنت سأربح من ورائه خمسة ملايين ليرة لبنانية وأنا في أمس الحاجة إليها.
بعد انصرافي للشركة جاءت تلك المرأة واسمها نوال مع إبنها للفيلا ،وأعطتها ناهد مفاتيح تلك الغرفة، وكان بها نافذة كبيرة مطلة على الأشجار والزهور، وبالإضافة لشغل البيت كانت تعتني بالحديقة فقبل قدومها للمدينة مع زوجها كانت فلاّحة، وسررت كثيرا بعمل تلك المرأة نوال فقد كانت مثالا للأمانة والإستقامة مضت الأيام وحصلت نوال على أوّل أجرة ،واشترت ملابس جديدة لها ولإبنها رفعت ،وذهبت للكوافيرة ،ولمّا رجعت ناهد في المساء رمقتها باستغراب ،فهي أكثر جمالا ممّا تظنّ لكن الفقر دفن شبابها ،وجعلها تبدو أكبر من عمرها بكثير ،فقالت في نفسها سأنتظر حتى يستعيد ذلك الولد صحته ،وأجد سببا لكي يغادر مع أمه الفيلا !!! أما أنا فلاحظت جمال تلك المرأة، وحذقها لكل شؤون البيت ،وكان الولد رفعت يدخل من حين لآخر ويجلس على الأريكة، ويتفرج على التليفزيون ،ولا أنكر أني أفرح لم أراه ،فبعد عشر سنوات زواج مع ناهد لم أرزق بأطفال ونحن نعيش مع قطة رمادية تسلي وحدتنا وتحركت في مشاعر الأبوّة فصرت أشترى له اللعب والحلوى ،بل وأعطيه مصروف جيب، وثارت ناهد ولم أفهم سبب ثورتها فما هو إلا ولد يتيم .
المهمّ لم يمض شهرين حتى سمعت أنّ البوليس أجلى تلك العمارة بالقوة ،ولما حاولت جرّافة هدمها تعطلت ،وجاءوا بواحدة أخرى لكنها تعطلت أيضا وخاف العمال ،ورفضوا الاقتراب منها ،وجنّ جنون رئيس البلدية بعد أن رفضت كلّ شركات البناء هدم تلك العمارة ،فضحكت ،وقلت في نفسى: ذلك المستثمر لم تنفعه علاقاته ولا ماله ،لكن توقّفت فجأة عن الضّحك ،وقد ظهر على وجهي الاهتمام ،وتساءلت : ترى ماذا يوجد في تلك العمارة ؟

يتبع الحلقة 3

بقلمي نديم العامري/ حكايات زمان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق