مقالات

الخطوة الإعلامية من مكتب نتنياهو حول إمكانية احتلال غزة، مناورة وليست قراراً فعلياً، والمشاورات تدور في إطار إدارة الأزمة لا حسمها..!

سهيل دياب- الناصرة د. العلوم السياسية

إسرائيل تعيش حالة غير مسبوقة من التخبط والارتباك، هي الأكبر منذ بداية عدوانها على قطاع غزة في أكتوبر 2023، واؤكد إلى أن ما وصفته صحيفة “معاريف” الإسرائيلية بـ”المشهد الأكثر ضبابية وفوضى في القيادتين السياسية والعسكرية”، يُعد توصيفًا دقيقًا لما يجري داخل المؤسسة الإسرائيلية اليوم.

ما يجب توضيحه، أن إسرائيل خسرت خلال الأسابيع الأخيرة استراتيجيتين رئيسيتين دفعت من أجلهما ثمناً باهظاً، الأولى هي استراتيجيتها العسكرية في قطاع غزة، حيث لم تحقق العملية العسكرية المسماة “عربات جدعون” أهدافها المعلنة، وفشلت في كسر المقاومة أو القضاء عليها، ما يعني ، انتهاء فاعلية هذه الاستراتيجية عسكرياً وسياسياً.
أما الاستراتيجية الثانية التي خسرتها إسرائيل، فهي محاولتها الترويج لكونها طرفًا يقدم “مساعدات إنسانية” عبر ما يسمى بالبرنامج الأميركي-الإسرائيلي، والذي تضمن إنشاء “مدينة إنسانية” في القطاع، وهي الخطة التي فشلت فشلاً ذريعًا، وأدت إلى مزيد من العزلة والضغط السياسي الدولي على إسرائيل، حتى من أقرب حلفائها، وخاصة الترويكا الأوروبي، وقد ظهر ذلك جليًا في مخرجات مؤتمر نيويورك الأخير بموضوع حل الدولتين.

وتأتي زيارة المبعوث الأميركي الخاص للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، إلى إسرائيل، حيث لم تكن بهدف الضغط عليها لاتخاذ موقف معين، بل جاءت أساسًا للبحث عن مخرج مشترك للأزمة المتفاقمة التي يواجهها الحليفان الأميركي والإسرائيلي، لا سيما مع بدء الولايات المتحدة بدفع ثمن مواقفها في مجالين أساسيين. المجال الأول، هو اتساع الفجوة بينها وبين أوروبا الغربية فيما يتعلق بقضايا المساعدات الإنسانية وحل الدولتين، أما المجال الثاني، والأخطر فهو أن “نيران الإبادة الجماعية في قطاع غزة بدأت تصل إلى داخل الحزب الجمهوري الأميركي”، وباتت النقاشات داخل هذا الحزب تُحدث تصدعات فكرية وسياسية، وليس فقط داخل الحزب الديمقراطي، وهو ما يشكل ضغطًا داخليًا على إدارة ترامب.

أن زيارة ويتكوف جاءت كزيارة استراتيجية وليست عملياتية، تهدف إلى إيجاد معادلة تخفف من وطأة الأزمة لدى الطرفين: أميركا من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى.

أن تلويح نتنياهو بخيار احتلال قطاع غزة كاملاً، لكنه لا يملك الإرادة أو القدرة على تنفيذه، نظراً لتقديرات الجيش التي تؤكد أن هذا الخيار يحتاج من 3 أشهر إلى سنتين، ويتطلب تضحيات بشرية جسيمة، وقد يهدد حياة الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في القطاع.
لذا فإن الخطوة الإعلامية الأخيرة من مكتب نتنياهو حول إمكانية احتلال غزة ليست إلا مناورة سياسية – أمنية، وليست قراراً فعلياً تم اتخاذه داخل “الكابينت” الإسرائيلي المصغر، إذ أن المشاورات الجارية مع الجيش والأجهزة الأمنية تدور في إطار إدارة الأزمة لا حسمها.

واشنطن تسعى حاليًا لإعطاء إسرائيل “وقتاً إضافياً” للتموضع عسكريًا في غزة، تحت غطاء المفاوضات بشأن “اليوم التالي” في القطاع، ضمن ما تم تسميته صفقة شاملة وليست جزئية، في حين تعمل في الوقت ذاته على تهدئة الرأي العام الغربي والأميركي، عبر خطوات شكلية لزيادة المساعدات الإنسانية.

تجدر الاشارة الى ان ما يجري هو تناغم أميركي – إسرائيلي هدفه كسب الوقت وتخفيف الضغوط، أكثر من كونه مساراً حقيقياً نحو حل شامل أو تسوية سياسية. فامريكا ، بتسهيل ادخال الماعدات تخفف من ازمتها الداخلية ومع الاوروبيين، وبنفس الوقت يستفيد نتنياهو بربح الوقت- بضوء أخضر امريكي- دون الاضطرار الى التعجيل بصفقة لا يرضى بشروطها.

سهيل دياب- الناصرة
د. العلوم السياسية

5.8.2025

إغلاق