مقالات

رمضان الشباب.. بؤرة وجوهر التغيير (أ.د. حنا عيسى)

نحن عبارة عن موضوع لفعل الغرب، يستثيرنا فننفعل، ويأتي ردُّ فعلنا موزونًاومقاسًا على فعله. واليوم شبابنا محتاج لفعل تواصلي إنجازي حضاري، وليسلرد الفعل الآني غير التواصلي.. نعم، الذي يريد أن يفتح الدائرة الكهربائية لتنوير المجتمع، يجب عليه أن يأخذ مصابيح عقول الشباب ضمن أولوياته، حيث أن تطور المجتمع وازدهاره لا تتحققان إلا بتلك العقول.. لذا، على الشباب عدم نسيان حقيقة أنهم طلاب في مدرسة تسمى الدنيا، وهم يسيرون في طريق اسمه الحياة. إذن،المجتمع لا يكون قوياً إلا بشبابه والأوطان لا تبنى إلا بسواعد شبابها.

الشباب هم الشريحة الأكثر أهمية في أي مجتمع، وإذا كانوا اليوم يمثلون نصفالحاضر فانهم في الغد سيكونون المستقبل، ومن هذه القاعدة جاء القول بأن الشبابعماد المستقبل وبأنهم وسيلة التنمية وغايتها، فالشباب يسهمون بدور فاعل في تشكيلملامح الحاضر واستشراف آفاق المستقبل، والمجتمع لا يكون قوياً إلا بشبابه والأوطانلا تبنى إلا بسواعد شبابها.. وعندما يكون الشباب معداً بشكل سليم وواعياً ومسلحاًبالعلم والمعرفة، فإنه سوف يصبح أكثر قدرة على مواجهة تحديات الحاضر وأكثراستعداداً لخوض غمار المستقبل. ولذلك فإن جميع الأمم والشعوب تراهن دوماً علىالشباب في كسب رهانات المستقبل لإدراكها العميق بأن الشباب هم العنصر الأساسيفي أي تحول تنموي ديمقراطي.. سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي، فهم الشريحةالأكثر حيوية وتأثيراً في أي مجتمع قوي تمثل المشاركة السياسية فيه جوهر التكوين. والحديث عن الشباب في مجتمعنا العربي هو حديث عن الحاضر والمستقبل الذي يزخربتحولات سياسية مهمة تنتقل بشعوبنا إلى آفاق واسعة لارتياد المستقبل وتحدياتهومتطلباته التنموية والديمقراطية.

ويشكل الشباب العربي بؤرة وجوهر التغييرفكما أن للآخر دوره فإن للشباب أدواره،تتوزع وتختلف تتصادم وتتكامل، لكنها في النهاية تبقى مرتعًا تنمويًّا يستدعي إعادةالتكرير من أجل الاضطلاع بشباب قادر على تحمل أعباء المجتمع العربي، قادرٍ علىالتطوير والتطهير، قادرٍ على صناعة التعبير الحر غير المنمط وغير الملوث، بل تعبيرمبني على إعمال الفكر من أجل حوار شبابي عربيعربي أولاً، وحوار شبابي عربيغربي ثانياَ ، غايته إعادة الاعتبار إلى الجوهر الاجتماعي للشباب لتحقيق مشاركتهالفعلية في الحياة العامة بما في ذلك الحوار الثقافي.

والعيش المشترك والتعاون والانسجام، من الأساسيات التي قام عليها الإجماع البشريمنذ أمد قديم، فاقتضت ظروف الاجتماع البشري والعمل على تطويع الطبيعة لصالحالإنسان، تعاون الجميع بغض النظر عن اختلاف الأعراق والثقافات والأديان، وحرصاًعلى أن يظل هذا التآخي قائماً بين الإنسان وأخيه الإنسان وتذويب الفوارق، عملتالدول والمجتمعات والمنظمات الدولية المتخصصة (اليونسكو) مثلاً على وضع برامجلتثمين التنوع الثقافي وجعله حافزاً للتنمية من خلال الحوار والعمل المشترك.

وللبيئة الاجتماعية دور في إرساء ثقافة الحوار والتسامح لدى الشباب، فإن أول مايتبادر إلى ذهن المتخصصين في علم الاجتماع هي مؤسسات التنشئة الاجتماعيةالمتعددة في المجتمع التي يفترض أن تقوم بدور فاعل في تشريب الناشئة القيمالاجتماعية والثقافية التي يرغب المجتمع في استمرارها، ولعل أهم المؤسساتالاجتماعية التي يحسن الحديث عنها في هذا الصدد هي الأسرة والمدرسة، ففي الوقتالذي تقوم فيه الأسرة بتعويد الناشئة على القيم الاجتماعية المقبولة والتي تأخذ فيطبيعتها خصوصية الأسرة فإن المدرسة يفترض أن تكون هي الجسر الذي يربط بينخصوصية الثقافة التي يجب أن تقوم بها الأسرة لتعميم ثقافة مشتركة تجمع جميعأفراد المجتمع على هوية ثقافية واحدة. فالأسرة والمدرسة كمؤسسات اجتماعية مهمةفي عملية التنشئة الاجتماعية تأخذ الأول طابع المؤسسة الغير رسمية كما تأخذالأخرى طابع المؤسسة الرسمية فيكون لها الدور الأكبر في إرساء ثقافة الحواروالتسامح لدى الشباب.

إلا أنه اليوم حيث يعيش الشباب في بيئة عالمية مشحونة بثقافة الصدام الحضارييتأكد الحديث عن العلاقات المفترضة بين الحضارات والثقافات في هذا العالم، التي لازالت تحتفظ لنفسها بمقومات البقاء والاستعداد للنمو والنهوض. فيصبح حوارالحضارات لا يعفي من ضرورة الرؤية النقدية للواقع، ولابد من القيام بشكل حثيث بنقدالذات والعمل على الخروج من الحالة الفصامية العميقة التي تمتد من الفرد إلىالمجتمع، ومن جيل الشيوخ إلى جيل الشباب، الخروجِ من نرجسية النظرة إلى التاريخوالتراث، الخروجِ من وهم إمكان تمثل الحضارة دون التلوث بها فكرًا ونمطَاً للحياة إنلم نشارك في إنجازها ونساهم في بنائها.

ويعرف الحوار على أنه مراجعة الكلام وتداوله بين طرفين مختلفين. وله أهمية كبيرة،فهو من وسائل الاتصال الفعالة؛ حيث يتعاون المتحاورون على معرفة الحقيقةوالتوصل إليها؛ ليكشف كل طرف منهم ما خفي على صاحبه منها، والسير بطريقالاستدلال الصحيح للوصول إلى الحق. والحوار مطلب إنساني، تتمثل أهميتهباستخدام أساليب الحوار البناء لإشباع حاجة الإنسان للاندماج في جماعة،والتواصل مع الآخرين، فالحوار يحقق التوازن بين حاجة الإنسان للاستقلالية،وحاجته للمشاركة والتفاعل مع الآخرين. كما يعكس الحوار الواقع الحضاري والثقافيللأمم والشعوب، حيث تعلو مرتبته وقيمته وفقاً للقيمة الإنسانية لهذه الحضارة وتلك. وتعد الندوات واللقاءات والمؤتمرات إحدى وسائل ممارسة الحوار الفعـال، الذي يعالجالقضايا والمشكلات التي تواجه الإنسان المعاصر.

أهداف الحوار:

إيجاد حل وسط يرضي الأطراف.

التعرف على وجهات نظر الطرف أو الأطراف الأخرى.

البحث والتنقيب من أجل الاستقصاء والاستقراء في تنويع الرؤى والتصورات المتاحة،للوصول إلى نتائج أفضل وأمكن، ولو في حوادث تالية.

ومنهجية الحوار مع الشباب من شأنها أن تعطي ثمارها في تعميق المشروع التنمويالوطني ككل باعتبار أن الحوار معهم سيضيف بعداً جديداً للمشروع برؤية شبابيةتنظر للغد بشكل يختلف ربما كلياً عن نظرة الكبار له. فالفجوة بين هؤلاء الشباب وبينالكثير من المؤسسات الرسمية المعنية بهم أساساً خلقت فجوة بين الكثير من البرامجوالشباب، ولعل لنا شواهد واقعية كثيرة تكشف تلك الفجوة، مثل أنشطة النواديالرياضية وبيوت الشباب وأيضاً المنظومة التعليمية على وجه العموم، حيث نلاحظأنها لا تشبع نهمهم واحتياجاتهم، بل تعتبر فقيرة قياساً لسرعة التغير الثقافي عندشبابنا ورغبته في التفاعل مع معطيات العصر بعقل متأصل في دينه مستوعبلمعطيات العصر. فالحوار مع الشباب من الأهمية بمكان لتقارب الرؤى بين الأجيالوأيضاً لاستيعاب احتياجاتهم ككل في الخطط الاستراتيجية الوطنية وخاصة فيمايرتبط بالمشاريع الشبابية.

ولا بد عند الحوار مع الشباب التنبه إلى أن طبائعهم ليست واحدة، أو أن لهم سماتمتشابه، وإنما هناك طبائع وسمات متباينة.  فيجب على المحاور الناجح الإحاطةبأكثر الطبائع والسمات السائدة بين الناس، حيث إنه لا يستطيع في العادة أن يختارالتحاور مع النموذج المفضل لديه؛ لذلك وجب عليه التعرف على أكثر الطبائع انتشاراً،وعلى كيفية التعامل مع كل نموذج على حدة.

ويعتبر الحوار بين الثقافات ضرورياً وأساسياً من أجل إرساء السلام، فالإرادة المشتركةالتي تحدو في الإسهام، من خلال تضافر الجهود، في سبيل صناعة المستقبل المزدهرللإنسانية، وتشبثنا بالقيم الإنسانية وتعلقنا بمبادئ القانون الدولي التي تستلهمروح الحضارات والثقافات الإنسانية المتعاقبة عبر العصور، تحتم علينا بذل جهودمضاعفة لتشجيع فكرة الحوار بين الحضارات والثقافات والإسهام في دعم جهودالمجتمع الدولي المبذولة على أكثر من صعيد، من أجل إقرار الأمن والسلم في العالم،وإشاعة روح التسامح والتعايش بين الشعوب والأمم، من خلال تعزيز الحوارالموضوعي النزيه بين الحضارات والثقافات. إن تحقيق فعالية أكبر وجدوى أعمقللحوار بين الحضارات والثقافات يقتضي التوسّع في إقامة منتديات عالمية تتوزَّع علىأكثر من منطقة وإقليم، تقوم على مبادرات من المؤسسات والمنظمات ذات الاهتمامالمشترك، ومن الجامعات والمحافل الثقافية والأكاديمية، على أن تُكرَّس جهودها لإشاعةقيم الحوار والتعايش، بما يمهد السبل نحو التقارب والتفاهم، تعزيزاً للروابطالإنسانية التي تجمع بين الشعوب والأمم.

يواجه الشباب في المجتمعات العربية والإسلامية العديد من التحديات ويأتي فيمقدمتها:

*الازدواجية: فالسمة البارزة لدول ما بعد الاستعمار القديم، هي الازدواجية التيتسبَّبت في انشطار المجتمعات إلى قسمين لا تجمعهما إلا الرقعة الجغرافية؛دعاةالثقافة الأصليةودعاة الثقافة الغربية، مما جعل الصراع الفكري داخل المجتمعاتالعربية أمرًا طبيعيًّا تتوارثه الأجيال، وبالتالي سادت ثقافة الاحتراب التي تتغذىبالنفي والنفي المضاد، وغابت قنوات التواصل والحوار. ولابد لنزع فتيل الحرب الأهليةالثقافية التي تتهدد مجتمعاتنا، من تجاوز الازدواجية بابتكار صيغ تركيبية تعمل علىإدماجالآخرأثناء عملية إعادة بناء الذات، هذه العملية التي لو أنها التزمت بتحديدالتحديات القائمة وترتيبها حسب سُلَّم الأولويات، لظهر أن الصراعات الداخلية التيتستنزف طاقات مجتمعاتنا إنما هي ناتجة عن تناقضات ثانوية واهية بالمقارنة إلىالتناقضات المركزية لهذه المجتمعات.

**تشتت القوى الفكرية في تحديد ماهية الحوار: تتطلب طبيعة التحديات، تجاوزالخلافات الداخلية والتناقضات الثانوية، حتى يتأتى اجتماع كل القوى الفكريةالصادقة على أهداف محددة ترتبط بطبيعة التحديات الحضارية. وفي هذا المضمار،يجب ترشيد الشباب لتشكيل جبهة ثقافية على أرضية فكرية تتكون أسسها منالقواسم المشتركة. وفي سياق الانتقال بالشباب من إشكالية تشتت القوى الفكرية فيتجاوز خلافات الذات لحوار الآخر، يتعين علينا واجبًا توجيهه لمعرفة مَن الآخر المرشحلعقد الحوار معه.

***افتقاد الرؤية المتوازنة للحوار التام والحوار الناقص: يشير مصطلح الحوار إلىدرجة من التفاعل والتثاقف والتعاطي الإيجابي بين الحضارات التي تعتني به، وهوفعل ثقافي رفيع يؤمن بالحق في الاختلاف إن لم يكن واجب الاختلاف، ويكرسالتعددية، ويؤمن بالمساواة. وعليه فإن الحوار لا يدعو المغاير أو المختلف إلى مغادرةموقعه الثقافي أو السياسي، وإنما لاكتشاف المساحة المشتركة وبلورتها، والانطلاقمنها مجددًا منذ أن توقفنا عن صناعة تاريخنا، ونحن عبارة عن موضوع لفعل الغرب،يستثيرنا فننفعل، ويأتي ردُّ فعلنا موزونًا ومقاسًا على فعله. واليوم شبابنا محتاجلفعل تواصلي إنجازي حضاري، وليس لرد الفعل الآني غير التواصلي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق