مقالات

الإعلامي العربي زاهي وهبي …”نحن نقاتل حيوانات بشرية ونتصرف وفقاً لذلك”.

القائل حيوان غير بشري، حيوان دموي نازي اسمه يوآف غالانت وزير دفاع دولة الاحتلال الإسرائيلي.

ما تقيأه غالانت ليس زلة لسان أو فورة غضب، بل غيض من فيض العقيدة التوراتية المنحرفة وخرافة “شعب الله المختار” الأعلى رتبة من بقية الشعوب لأنه “صفوة الكائنات”، وكل مَن عداه مجرد حيوانات أو كائنات مُسخَّرة لخدمته(!).

لا نبالغ ولا نغالي.

الإيديولوجيا التوراتية ملأى بما يؤكد مقولة غالانت.

ففي سفر التثنية مثلاً: “لأَنَّكَ شَعْبٌ مُقَدَّسٌ لِلرَّبِّ إِلهِكَ، وَقَدِ اخْتَارَكَ الرَّبُّ لِكَيْ تَكُونَ لَهُ شَعْبًا خَاصًّا فَوْقَ جَمِيعِ الشُّعُوبِ الَّذِينَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ”(تث 14: 2). وفي التلمود اليهودي “كل اليهود مقدَّسون، كل اليهود أمراء. لم تُخلَق الدنيا إلا لجماعة يسرائيل. لا يُدْعى أحد أبناء الإله إلا جماعة يسرائيل، لا يحب الإله أحداً إلا جماعة يسرائيل”.

والحقيقة أن هذه النظرة الدونية إلى الشعوب والأمم
الأخرى ليست وقفاً على الصهاينة واليهود المتطرفين، وهي ليست مجرد عقيدة دينية بمقدار ما هي في جوهرها عقيدة استعمارية استعلائية. معظم الدول الاستعمارية تعاملت مع الشعوب المستعمَرة بوصفها كائنات أقل درجة. فما الرق والعبودية وتسخير مواطني الدول الواقعة تحت الاحتلال لأعمال السخرة الشاقة سوى ترجمة فعلية لتلك النظرة الاستعلائية التي متى تمكّن أصحابها من القوة والسلطة استعبدوا الناس الذين ولدتهم أمهاتهم أحراراً.

أما إذا أردنا أن نستعرض تاريخ “حيونة الإنسان”(*) فسوف نجد أن السلوك الوحشي الجماعي أقلّه على مستوى التاريخ الحديث كان وما يزال سمة الإمبراطوريات العظمى التي فتكت بالدول الضعيفة واستعمرتها ونهبت ثرواتها وخيراتها واستعبدت شعوبها وانشأت أسواق الرق والنخاسة، وأشعلت الحروب والاضطرابات وتسببت بمقتل ملايين البشر.

الإمبراطوريات والدول الكبرى المعاصرة ما تزال تمارس السياسة نفسها التي مارستها الإمبراطوريات الغابرة. فرّق تسد، بناء على هذه المقولة تشنّ الحروب تحت ذرائع مختلفة وغالباً كاذبة كما حصل في العراق مثلاً، وتثير الفتن وتُألِّب الناس بعضهم على بعض، وتفرض إرادتها على البلدان الضعيفة وتسلبها حقها في الحياة الحرّة الكريمة، وتفرض العقوبات وتحاصر الشعوب والدول التي ترفض الهيمنة على قرارها وخيراتها.

العبودية المعاصرة لم تعد بواسطة القيود والأغلال والسخرة المجانية، صارت عبودية سياسية واقتصادية وثقافية وإعلامية وتكنولوجية، وها نحن في خضم عبودية “الميديا الحديثة” التي متى شاءت تمنعنا من قول الحقيقة أو نقلها إلا متى كانت في صالح القوى المهيمنة، والأمثلة لا تعد ولا تحصى، وبانت الأمور على حقيقتها خلال الحرب الأوكرانية والعدوان على غزة. فما هو حلالٌ هناك حرامٌ هنا، وما هو مباح هناك محرَّمٌ هنا. هذه هي ازدواجية المعايير لدى حكومات ووسائل إعلام طالما أمطرتنا شعارات ودروساً في حرية الرأي والتعبير والعدالة والمساواة والنزاهة والموضوعية والمصداقية. شعارات فضفاضة افتُضِحَ كذبها وزيفها ونفاقها عند استشهاد أول طفل من أطفال غزة الأبرياء.

لو كان ثمة عدل في هذا العالم لكانت صفة “الحيوانات البشرية” جديرة بمن يحتل الأرض ويقتلع أصحابها الأصليين، ويقتل يومياً النساء والأطفال على مدى عقود من الزمن، وينهب خيرات الشعوب المستضعفة، ويزوِّر التاريخ والحقائق، ويشن الحروب ويشعل الفتن، ويمارس النفاق السياسي والإعلامي جاعلاً الجلاد ضحية والضحية جلاداً، منحازاً للظالم ضد المظلوم، وللقاتل ضد القتيل.
طبعاً، مع الاعتذار من الحيوانات! ——-
(*) عنوان كتاب للشاعر والكاتب والمسرحي الراحل ممدوح عدوان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق