نشاطات

لغتنا الجميلة البحث الثالث الطباق .. أحد أنواع علم البديع / خالد خبازة المراجع عدد من كتب التراث

لغتنا الجميلة

البحث الثالث

الطباق ..

أحد أنواع علم البديع

كثيرا ما استعمل الشعراء العرب البديع في أشعارهم . و خاصة منهم الشعراء المحدثين .. و سموها المحسنات البديعية لما تمنح المعنى جمالا ، و القريض قوة ..
لا بدمن القول أن الشعراء الأوائل لم يكونوا يتقصدون استعمال البديع كمحسنات لأشعارهم .. انما كانت تأتي في قصائدهم بصورة طبيعية وبداهة .. فتأتي متكاملة جميلة .. لا تكلف فيها .. الا أن الشعراء المحدثين و خاصة في العصر العباسي و ما بعده .. أخذ الشعراء بتقصدون استعمالها .. حتى أنها في كثير من الأحيان كانت تأتي ممجوجة و متكلفة .. و بالتالي فانه على الشاعر ان يستعملها بصورة تبعده عن التكلف و الصنعة ، فان أكثر منها مجها السمع وأصبحت ثقيلة عليه ، فجاء شعره متكلفا ، بعيدا عن العاطفة . و يقال ان مسلم بن الوليد الملقب ” صريع الغواني ” هو أول من أكثر من البديع في شعره ، ثم تبعه الشعراء في ذلك . و يبدو أنها سميت ” محسنات ” لما تضيف على القصيدة أو الأبيات من جمال شعري ، و قوة في البناء .

وانني أرى ، أن على الشاعر خاصة ، أن يكون ملما بهذه المحسنات ، و على معرفة بها ، ليمنح الأبيات جمالا و قوة ، و ليتجنب بالتالي ما هو مكروه منها ، أو الاكثار من استعمالها و التعسف فيه .. و لا يكفي الشاعر أن يكون على علم بها فقط ، بل أن يكون ملما بها بحيث يستطيع ابدال كلمة بأخرى تحمل المعنى نفسه ، و تشكل في الوقت نفسه جناسا جميلا ، أو أن يأتي بكلمة تشكل طباقا ، أي معنى مخالفا ، فتأتي الأبيات بصورة أجمل ، فكأن الشاعر يقوم بترصيع قطعة من الحلي ، حتى تخرج أكثر جمالا ، و أبهى منظرا ، بعد اختيار الكلمات المناسبة ، و حذف العبارات التي تشكل حشوا ، لا فائدة من وجودها .

و كنا في مقالتين سابقتين تحدثنا عن الاستعارة و الكناية

و قلنا ..ان الاستعارة كما جاء في كتب التراث هي

ضرب من التشبيه ، و نمط من التمثيل ، و التشبيه قياس ، و القياس يجري فيما تعيه القلوب ، و تدركه العقول ، وتستفتى فيه الأفهام و الأذهان ، لا الأسماع و الآذان .

يقال : هي استعارة الشيء المحسوس ، للشيء المعقول ( المعنوي ) ، كقوله تعالى :

” لا تظلمون فتيلا ” ” و لا يظلمون نقيرا ” ” و ما يملكون من قطمير ”

و الاستعارة أوْكَدُ في النفس من الحقيقة ، و تفعل في النفوس ما لا تفعله الحقيقة . و كقوله تعالى أيضا :

” و اخفض لهما جناح الذل من الرحمة ”

كما ذكرنا أن الكناية

هي أن يأتي الشاعر بعبارات أو بألفاظ تحمل معان معينة .. و لكن يستشف منها معنى آخر قصده الشاعر

وكذلك ، أن يذكر المتكلم شيئا ، و هو يريد شيئا آخر ، كقولك : فلان نقي الثوب ، أي لا عيب فيه ،
و طاهر الجيب ، أي ليس بغادر ،
و دنس الثوب ، أي فاجر ،
و مغلول اليدين ، أي بخيل ،

. و اليوم سيكون حديثنا عن نوع آخر منه ، وهو

الطباق :

الطباق .. كما جاء في كتب التراث .. علم يعرف به وجوه تحسين الكلام ، بعد رعاية تطبيقه على مقتضى الحال ، ووضوح الدلالة . وهو ضربان : ضرب يرجع الى المعنى , و ضرب يأتي على اللفظ . أما المعنوي فمنه :
المطابقة و تسمى الطباق ، أو التضاد أيضا .

يقال ، ان أصل الطباق ، من قول العرب : طابق البعير في مشيه ، و هو اذا وضع خف رجله ، موضع خف يده .
وهو الجمع بين المتضادين ، أي معنيين متقابلين في الجملة . و يكون ذلك اما بلفظين من نوع واحد : و قد يكونا أسمين كقوله تعالى : ” و تحسبهم أيقاظا ، و هم رقود ” . أوأن يكونا فعلين ، كقوله تعالى : ” تؤتي الملك من تشاء ، و تنزع الملك ممن تشاء ، و تعز من تشاء ، و تذل من تشاء ” .
فهنا نلاحظ الأضداد في الأسماء ( أيقاظ ، و رقود ) كما نلاحظها في الأفعال ( في : تؤتي و تنزع .. و في : تعز و تذل )

و قول أبي صخر الهذلي :

أما و الذي أبكى و أضحك و الذي … أمات و أحيا ، و الذي أمره الأمر

نلاحظ هنا الأفعال ، أبكى و أضحك ، و كذلك ، أمات و أحيا .
و قد يكون الطباق بين حرفين ، كقوله تعالى : ” لها ما كسبت ، و عليها ما اكتسبت ” .
و هنا نلاحظ وجود الطباق في الحرفين : لها ، و عليها .
و كقول الشاعرأيضا :

على أنني راض ، بأن أحمل الهوى … و أخلص منه ، لا عليا و لا ليا

كما في الحرفين : عليا ، و ليا …

كذلك قد يكون الطباق بن لفظين من نوعين مختلفين ، أي بين اسم و فعل كقوله تعالى : ” أو من كان ميتا ، فأحيينا ..” أي ضالا فهديناه .
الطباق هنا بين الاسم ” ميتا ” و بين الفعل ” أحيا ” .
و كقول طفيل :

بساهم الوجه لم تقطع أباجله … يصان ، وهو ليوم الروع مبذول

الطباق هنا بين الفعل ” يصان ” و الاسم ” مبذول ” .

و من لطيف الطباق و المستحسن منه قول ابن رشيق القيرواني :

و قد أطفأوا شمس النهار ، و أوقدو … نجوم العوالي ، في سماء عجاج

الطباق هنا بين كلمتي : أطفأوا ، و أوقدوا

و قد ينقسم الطباق الى طباق الايجاب .. كما ورد في الأمثلة السابقة ، و الى طباق السلب .
و طباق السلب ، و هو الجمع بين فعلين من مصدر واحد ، أحدهما مثبت ، و الأخر منفي ، أو أمر و نهي ، كقوله تعالى :
” و لكن أكثر الناس لا يعلمون ، يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا ” .

نلاحظ هنا الطباق بين : لا يعلمون .. ثم .. يعلمون

و كقوله تعالى :
” فلا تخشوا الناس و اخشون .. ”
و كقول الشاعر :

و ننكر ان شئنا على الناس قولهم … و لا ينكرون القول حين نقول

و قول المتنبي :

و لقد عرفت و ما عرفت حقيقة … و لقد جهلت و ما جهلت خمولا

و من الطباق أيضا .. قول أبي تمام :

تردى ثياب الموت حمرا فما أتى … لها اليوم الا و هي من سندس خضر

و في الحقيقة ، فان للطباق أنواعا كثيرة .. و قد بحثنا في أهمها .. و البحث يطول فيها , مكتفين بما أوردناه .

خالد خبازة

المراجع
عدد من كتب التراث

مقالات ذات صلة

إغلاق