اخبار اقليميه
متطوعون يحاولون حماية مدينة “ليبتيس ماغنا” الرومانية القديمة في ليبيا
يقف علي حريبش الى جانب قوس سيبتيموس، الموقع الأشهر في مدينة لبدة الاثرية الرومانية في الغرب الليبي، حاملا بفخر رسائل شكر تلقاها بأعداد كبيرة من ليبيا والخارج منذ سقوط نظام معمر القذافي العام 2011.
وقد نجح هذا الرجل الستيني، وهو موظف سابق في الشركة الوطنية للكهرباء، في الحفاظ على هذا الموقع المدرج على قائمة منظمة اليونسكو للتراث العالمي وتجنيبه الدمار.
وجعل الامبراطور سيبتيموس سيفيروس المولود في لبدة والذي حكم بين سنتي 193 و211، مسقط رأسه احدى اجمل مدن الامبراطورية الرومانية بحسب اليونسكو.
وقد شيد في المدينة معالم ساحرة بينها كنيسة ضخمة ترتفع لأكثر من ثلاثين مترا ورمم ايضا الحمامات الساخنة التي اقيمت في عهد الامبراطور هادريان (76 – 138) والتي لا يزال حوضها المقام في الهواء الطلق في حالته الاصلية حتى اليوم.
وعندما غرقت ليبيا في الفوضى بعد سقوط نظام معمر القذافي، قرر علي حريبش بذل قصارى جهده للحفاظ على هذه التحف التاريخية المجاورة له على رغم عدم وجود اي رابط مهني مع انشطة حماية التراث.
وفي مواجهة تداعي مؤسسات الدولة، أنشأ حريبش كتيبة من المتطوعين لهذه الغاية. وبات اليوم يتنقل بمرافقة حوالي عشرين شابا مسلحين برشاشات كلاشنيكوف.
ويستعد هؤلاء لتسيير احدى دورياتهم العادية في محيط المعالم الرئيسية الممتدة على مساحة حوالي خمسين هكتارا بما يشمل ميدان سباق الخيل والكنيسة الكبيرة اضافة الى المسرح الذي لا تزال مدرجاته تتسع لخمسة عشر الف متفرج مع اطلالة مميزة على البحر المتوسط.
خوف من التخريب
وفي حين لا يزال الخطر الجهادي جاثما على ليبيا على رغم استعادة القوات الليبية الموالية لحكومة الوفاق الوطني السيطرة على مدينة سرت من تنظيم “الدولة الاسلامية” مطلع الشهر الجاري، يقول حريبش في تصريحات لوكالة فرانس برس “نحن نخاف اكثر بكثير من عمليات التخريب والسرقة”.
وبعد تدمير تنظيم “الدولة الاسلامية” لمعالم تاريخية في العراق وسوريا بما فيها مدينة تدمر الاثرية، اعلنت منظمة اليونسكو وجود خطر على خمسة مواقع ليبية بينها خصوصا لبدة.
ويقول حريبش “لقد شعرنا بالاستياء بعد هذا القرار”، اذ ان “لبدة تمت حمايتها من أي عمليات سرقة او تخريب ونحن مستمرون في حراسة المكان”.
ويضيف “لن نسمح لتنظيم الدولة (الاسلامية) او لأي كان ان يعبث بالمدينة”.
وفي العام 2015، اكتشف رجاله وفككوا قنبلة بزنة كيلوغرامات عدة في مقهى قريب من الموقع. غير أن حريبش يستبعد فرضية ان يكون وراءها متشددون، في بلد يشهد ايضا معارك مستمرة بين ميليشيات متقاتلة.
ويذكر حريبش بأن السكان في الشرق الليبي هم الذين دمروا جزءا من الموقع الاثري في مدينة شحات (قوريني) التاريخية العائدة الى حقبة الاغريق، لتشييد منازل بحجة أنهم مالكو اراض في المنطقة.
ويقول “عندما ترخص الدولة للناس بالبناء فليفعلوا ولكن ما دمنا هنا لا يستطيعون ذلك”.
ويضيف “في البداية كنا نعتقد ان مهمتنا ستكون قصيرة. كنا ننتظر قيام دولة في مقدورها حماية المواقع الاثرية في البلاد”.
وسائل بدائية
غير أن ليبيا الغارقة في الفوضى منذ خمس سنوات يمزقها الخلاف بين سلطات محلية وميليشيات متنازعة على السلطة وسط عجز عن اعادة الامن.
ويعد حريبش بمواصلة المهمة “حتى اقامة دولة حقيقة”، معتبرا أن اخراج البلاد من الفوضى يتمثل في اعادة الملكية الدستورية التي اطيح بها عبر الانقلاب الذي نفذه معمر القذافي سنة 1969.
كذلك تجند سكان آخرون من مدينة الخمس القريبة من الموقع على مر السنوات لحماية المباني الادارية والمصارف من اعمال التخريب والنهب.
ويستذكر اشرف محمد (33 عاما) وهو أحد اوائل المنضمين الى مجموعة علي حريبش قائلا “من ناحيتنا فكرنا مباشرة في لبدة” بعد سقوط القذافي.
ويقول “البنك ممكن بناؤه و تعويضه ولكن معالمنا الاثرية وتاريخنا لا يمكن تعويضها”.
ويشكو اشرف ومعاونوه من ضعف الامكانات المتاحة امامهم لحماية الموقع.
ويقول علي غازي البالغ 26 سنة “ليست لدينا كاميرات مراقبة ولا سياج لتأمين الموقع ولا مطافئ حرائق”.
ويروي هذا الشاب العاطل عن العمل تفاصيل بعض من الصعوبات التي يواجهها الفريق في اخماد حرائق بسيطة خلال الصيف بسبب العشب اليابس.
ويقول “بعضنا يطفئ النار بالعصي والاخرون يملؤون دلاء الماء من البحر”.
ويقول وليد عبد الحميد (33 عاما) من ناحيته “القدافي اهمل تاريخنا وتراثنا لاكثر من 40 سنة. حان الوقت كي نعتني بها ونظهرها الى كل العالم”.