اقلام حرة
سامر عطياني 25/11/2016
قررت أن أكتب هذه الليلة، جمعت اوراقي البيضاء المبعثرة في اركان الغرفة الباردة، اوراقي التي بعثرتها حينما كنت أكتب نصف نص لم يكتمل بعد وأُركِنَ على ناصية الايام فجلس يقاتل من اجل البقاء، من اجل الحياة، من اجل ان يخرج الى النور، ولكنه قتل قبل ان يولد، قتلته وهجرت قلمي
تكاثف الغبار على المنضدة، وجف المداد في القلم، اما الاوراق فتطايرت في الفراغ وسقطت كاوراق شجرة زيتون في ارض جدي اطاح بها المرض في فصل الخريف بعد أن اهملت وطواها النسيان لتصبح صفحة في فصل الاحداث من كتاب الزمان
فعلت ما فعلته بنصوصي المدمرة في الحرب الكينونية في جوفي، وجلست احاسب نفسي، لماذا أكتب، ولمن ساكتب، ومن انا في هذا الزمان الموغل في السقوط، كثرت سقطاتنا، كنا أمة اقرا واصبحنا أمة اكتب دون ان تقرأ،
ولكن حيفا نطقت، وصرخت اغيثوني، طرقت صرخاتها مسامعي، واتاني ذلك الصوت القادم من الاعماق ليطرق بوابة مخيلتي لأكتب، يطلب مني ان ارسم الموقف، ان أخيط الحكايا من عبق التاريخ وآهات الارواح التي مازالت تسكن المكان، المكان الذي هجرته الاجساد تحت وقع ضربات العصابات الصهيونية واختفت تحت الركام ولم نعد نراها فنسيناها ايضا
سأكتب هذه الليلة لحيفا، حيفا التاريخ والحضارة، الارض والحجر والشجر، حيفا الانسان ونصف الطريق الى الامل بالعودة، حيفا التي احترقت مرتين ولم نكترث بعد، حيفا ازهار الطفولة وذكريات المارقين من بين طرقات الساكنين، حيفا التي مازالت تسكن في مكانها الى جانب البحر تسر له كم اوجعها ظلم الاقرباء، وطول الغياب وما فعله الغرباء
حيفا تحترق منذ ان احتلت، حين سرقها السارقون وعبروا التاريخ قدما يشوهوا العروبة في داخلها، حاولوا ان يسقطوا عنها كل ما هو فلسطيني فقاومت وقاومت وقاومت وبقيت مكانها على العهد والوعد تنتظر، حتى قتلها صوت اقلامهم توقع اوسلو فأصبحت تبكي بصمت، وتجرح دموعها قلوب المخلصين، ولكنها مازالت تنتظر
ولكن هل سأستطيع ان انصف التاريخ بقلمي؟، ان احمي ذكريات الاطفال الذين كانوا ضيوفا على تاريخها فكبروا في كنفها واصبحوا رجالا ورحلوا الى العالم الاخر، ان احرس الارواح التي لم تفارق المدينة منذ ان سقطت بيد الغزاة لتحمي ما تبقى لنا من كرامة،
سأكتب وأقول، حيفا لم تحترق اليوم، حيفا تحترق كل يوم شوقا على فلذات اكبادها، الذين هجروا قسرا من قلبها وسكنوا اصقاع الارض بحثا عن الحياة وهربا من شبح الموت الذي يطاردهم بين ازقة الشوارع التي حفرت في اقدامهم حب اللعب
حيفا اليوم لا تحترق، ولكن الارض اشتاقت لسكانها الاصليين فغضبت وثارت، تريد ان تحرق كل شيء فوقها لتعيد رسمه من جديد، فترسم الشمس وقد اشرقت دون احتلال ولا غزاة، ونظفت ثوبها الابيض من الدم الذي اغرق جنباتها حزنا على من رحلوا وتضع ذكراهم في قلبها، دون انين الارواح التي تسكنها بعد ان رحلت الاجساد،
حيفا لا تحترق، حيفا تغتسل لتتزين كعروس في ليلة زفافها تنتظر عريسها في مخدعها الى جانب البحر، تنتظر من ينفطر قلبها شوقا للقائهم، تتجمل لتصبح ابهى وابهى، تضع في اذنها تلك الكلمات القائلة ان الاحتراق لا يعني الفناء وانما يطهر الغابة ويجدد شبابها فتنبت من جديد كما تريد ان تكون لتستقبل سكانها الاصليين
حيفا لا تحترق، حيفا تنتظرنا، فمتى سنعود؟
سامر عطياني
25/11/2016