الرئيسية
قراءة أدبية في قصيدة «تتحدث الدنيا» لشاعر الأمة محمد ثابت بقلم الأديب الكويتي: خالد المويهان (مدير مركز الشعر الإعلامي)
شاعر الأمة محمد ثابت

قراءة أدبية في قصيدة «تتحدث الدنيا»
لشاعر الأمة محمد ثابت
بقلم الأديب الكويتي: خالد المويهان
(مدير مركز الشعر الإعلامي)
⸻
✦ تمهيد:
قصيدة «تتحدث الدنيا» للشاعر محمد ثابت ليست نصًا عابرًا في سجل الشعر العربي، بل هي نشيد روحيّ يتجاوز حدود الغزل إلى فضاءاتٍ من الإشراق والتجلّي.
إنها قصيدة تنسج من خيوط العاطفة قداسةً، ومن وهج الكلمة عبادةً، ليغدو الحب فيها دينًا يُؤمن به الشاعر، ومحرابًا يتطهّر فيه من دنياه.
محمد ثابت لا يكتب عن الحبيبة بوصفها امرأةً فحسب، بل بوصفها رمزًا للجمال المطلق، ومجلىً للصفاء الإنساني، ونافذةً تطلّ منها روحه على النور الإلهي.
⸻
✦ الحبّ في القصيدة: بين الإنسان والمطلق
يبدأ الشاعر قصيدته بمخاطبة الحبيبة بعد عامٍ من الوجد، لكنه لا يتحدث عن غيابٍ أو فراق، بل عن ثبات الصورة في الوجدان:
عامٌ عليكِ وأنتِ في عينيّا
والحبُّ يبني عشَّنا الذهبيّا
الزمن هنا لا يمضي، لأن الذاكرة قد جمّدت لحظة الحبّ وجعلتها خلودًا. إن الحبّ لدى ثابت ليس مرورًا عاطفيًا، بل حالة دائمة من الحضور الروحي.
ثم يرتقي في سلّم العشق حتى يبلغ الذروة الصوفية:
يا منبعَ الأحلامِ حبُّكِ كعبتي
وأطوفُ حولكِ كي أكونَ نبيّا
في هذا البيت تتجلّى المفارقة بين الإنساني والمقدّس؛ فالحبّ يتحوّل إلى طقسٍ روحي، والحبيبة إلى كعبةٍ يطوف حولها قلب الشاعر في طهارةٍ وشغفٍ. هذه النقلة من العشق الأرضي إلى الحبّ الإشراقي منحت القصيدة عمقًا دينيًا وفلسفيًا نادرًا في الشعر الغزلي الحديث.
⸻
✦ الموسيقى الداخلية وجمال الإيقاع:
القصيدة تسير على إيقاعٍ متماسكٍ يمنحها فخامة كلاسيكية، مع موسيقى داخلية ناعمة تتولّد من التكرار المتزن للحروف الممدودة (الياء والألف)، مما يخلق نغمة شجية أشبه بأنين عودٍ في ليلٍ صوفيّ.
إلى جانب ذلك، حافظ الشاعر على توازنٍ موسيقيٍّ بين الصور والمعاني، فكل بيت يُكمل الآخر دون أن ينكسر الإيقاع أو يضعف الوهج الشعوري.
⸻
✦ الصورة الشعرية بين الرمز والقداسة:
قصيدة «تتحدث الدنيا» تزخر بصورٍ بصريةٍ وسماعيةٍ مدهشة:
أطلقتُ شعري في هواكِ مرتّلاً
بين الكواكبِ قد أتى علويّا
البيت هنا يرسم صورة شاعرٍ يتلو قصيدته كما يُتلى القرآن، فيقدّس الكلمة ويجعلها صلاته.
وفي قوله:
صُبّي الغرامَ عليّ إنّي راهبٌ
قد مسّهُ ضُرٌّ فصارَ شقيّا
يتجلى الصراع الأبدي بين الشاعر والعشق، بين اللذة والألم، بين العطش والارتواء. الحبّ عند ثابت ليس راحة، بل امتحان للنقاء؛ إنه نارٌ تخلق من الرماد نبيّ الشعر.
⸻
✦ من الشعر إلى النبوءة:
حين يقول الشاعر:
أفرطتُ بعد مرور عامٍ في الهوى
أصبحتُ عندكِ شاعرًا مهديّا
يعلن أنه تجاوز حدود البشر، فصعد إلى مرتبة العارف المُلهم الذي يتلقى الوحي من الحبّ نفسه:
أستلهمُ الأحلامَ حتى أَنتشي
والوحيُ يأتي طائعًا بيديّا
هنا يتحول الشعر إلى نبوءة فنية، والكلمة إلى وحيٍ يُملى على قلبٍ مؤمنٍ بالجمال.
⸻
✦ البعد الفلسفي والروحي:
في مقاطع القصيدة الأخيرة، نلمس نزعةً صوفية عميقة، إذ يتحول الحب إلى طريق خلاص:
واللهُ يفصلُ كلَّ أمرٍ بيننا
قد جئتُ عندكِ راضيًا مرضيّا
لقد أتمّ الشاعر رحلة الطواف، وبلغ مقام الرضا؛ فالعشق عنده ليس نهايةً في امرأة، بل بدايةٌ في معرفة النفس وارتقائها.
⸻
✦ خلاصة القراءة:
إن قصيدة «تتحدث الدنيا» عملٌ فنيّ متكامل يجمع بين فخامة اللغة العربية وحرارة الوجدان المعاصر.
محمد ثابت في هذه القصيدة لا يكتب عن امرأةٍ بعينها، بل عن فكرة الحب بوصفها جوهر الوجود.
فيها موسيقى خاشعة، وصورٌ نقية، ومفردات تصعد بك إلى فضاءٍ يليق بالشعراء الذين يكتبون بالحبر والنور معًا.
هي قصيدة تجعلنا ندرك أن الشعر ما زال قادرًا على أن يكون صلاةً للعاشقين و ترنيمةً للمحبين و لغةً للخلود٠
بقلم الأديب الكويتي: خالد المويهان
(مدير مركز الشعر الإعلامي)
——
… قَصِيدَة تـَتَـحَـدَّثُ الـدُّنـْيَـا/ قصيدة لشاعر الأمة محمد
————————
عَـامٌ عَـلَـيْـكِ وَأَنـْتِ فِـي عَـيْـنَـيَّـا
وَالْحُبُّ يَبْنِي عُشَّنَا الذَّهَبِيَّا
صَـرْحٌ مِـنَ العِـشْـقِ الَّذِي لاَ يـَنْـتَهِـي
نـُورٌ بـِقَـلْـبِي لاَ يـَزَالُ جَـلِـيَّـا
أَطْـلَـقْـتُ شِـعْـرِي فِـي هَـوَاكِ مُـرَتـَّلاً
بـَينَ الْكَـوَاكِـبِ قَــد أَتـَى عُـلْـوِيـَّا
غَـادَرْتُ دُنـْيَـا النَّاسِ بـَعْـدَ صَـبَـابـَتِـي
قَـد بـِتُّ فِـي مِحْـرَابـِهَـا مَـنْـسِـيَّـا
يـَا مَـنْـبَـعَ الأَحْـلاَمِ حُـبُّـكِ كَـعْـبَـتِـي
وَأَطُـوفُ حَـوْلَـكِ كَـى أَكُـونَ نـَبِـيَّـا
صُـبِّـي الغَـرَامَ عَـلَـىَّ إِنـِّي رَاهِـبٌ
قَـد مَـسَّـهُ ضُــرٌّ فَـصَـارَ شَـقِـيَّـا
يـَنْـمُـو غَـرَامِـي فِـيـكِ يـَا نـَبْـعَ الـنَّـدَى
وَتـَهِـيـمُ رُوحِـي بـُكْـرَةً وَعَـشِـيَّـا
أَفْـرَطْـتُ فِـي السِّحْـرِ الَّذِي لاَ يـَنْتَهِي
حَـتَّى غَـدَوْتُ بـِأَحْـرُفِي مَطْـوِيـَّا
تـَتَـحَـدَّثُ الـدُّنـْيَـا عَـنِ الـرَّجُـلِ الَّذِي
جَـعَـلَ الهُيَامَ لِغَـيْـرِ وَجْـهِـكِ غَـيَّـا
قَـد تـَنْـتَهِـي الأَيـَّامُ يـَا مَحْـبُـوبـَتِي
وَبـِنُـورِ حُـبِّـكِ قَـد غَـدَوْتُ تـَقِـيَّـا
أَفْـرَطـتُ بـَعْـدَ مُـرُورِ عَـامٍ فِـي الهَـوَى
أَصْـبَـحْـتُ عِـنْـدَكِ شَـاعِـرَاً مَهْـدِيـَّا
أَسْـتَـلْهِـمُ الأَحْـلاَمَ حَـتَّـى أَنـْتَشِـي
وَالـوَحْـيُ يـَأْتِـي طَـائِعًا بـِيَـدَيـَّا
تـَبْـدُو بـُحُـورُ الشِّعْـرِ رَهْـنَ إِشَـارَتـِي
كُـلُّ الـقَـوَافِـي تـَعْـتَـلِـي أُذُنـَـيَّـا
مُـرِّي بِحُـسْنِـكِ فِـي فَـضَـاءِ عُـطَـارِدٍ
زَهْـرَاءُ تـَمْضِي فِـي الصِّراطِ … وَلِـيَّـا
كُـلُّ الـعُـلُـومِ تـَحَـارُ فِـي تـَفْـسِيـرِهـا
قَـد صِـرْتُ فِـي تـَأْوِيـلِهَـا مَـكِّـيَّـا
إِلاَّ رَسُـولِـي لاَ يـَحَـارُ حَبِيبَتِي
وَعَـلِـيُّ قَـد جَـاءَ الحَـيَـاةَ عَلِـيَّـا
وَاللهُ يـَفْـصِـلُ كُـلَّ أَمْـرٍ بـَيْـنَـنَـا
قَـد جِـئْـتُ عِـنْـدَكِ رَاضِـيَّـاً مَـرْضِـيَّـا
لشاعر الأمة محمد ثابت
مؤسس شعبة شعر الفصحى باتحاد كتاب مصر


