مقالات
رؤية هذه السلسلة يكتبها د. محمد طلال بدران – مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلامية – السلسلة مكوّنة من إثنتي عشرة مقالة “الأزمات النفسية في العصر الحديث” (11)
أثر الاستغفار في تخفيف الضغوط النفسية
![](https://hamsaat.co/wp-content/uploads/2025/01/IMG_5923.jpeg)
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:
أصبحت الضغوط النفسية جزءًا من حياة الإنسان المعاصر، إذ تتعدد مصادرها بين الأعباء المادية، والتوترات الاجتماعية، والمخاوف المستقبلية، ومع كثرة الحلول النفسية والطبية المقترحة، يبرز الاستغفار كعلاج إيماني روحي فعّال، لا يقتصر أثره على الجانب التعبدي، بل يمتد ليشمل راحة القلب وصفاء النفس.
* الاستغفار وعلاقته بالطمأنينة النفسية
الاستغفار ليس مجرد ألفاظ تُقال، بل هو تفاعل قلبي مع إدراك العبد لحاجته إلى رحمة الله وعفوه، وقد بيَّن القرآن الكريم هذه العلاقة في قول الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ (الأنفال: 33)، فغياب العذاب هنا يُفهم منه أنه يشمل العذاب النفسي والقلق والضيق الذي يصيب الإنسان حين يبتعد عن ذكر الله تعالى.
ومن السنة النبوية، قال رسول الله ﷺ: “من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجًا، ومن كل همٍّ فرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب” (رواه أبو داود وابن ماجه). فهذه الثلاثية: المخرج، الفرج، والرزق، كفيلة بإزالة الضغوط التي تثقل كاهل الإنسان.
* الاستغفار وعلاج القلق والخوف
القلق هو شعور بعدم الأمان تجاه المستقبل، والخوف من المجهول، وكلاهما يولّدان ضغوطًا نفسية متواصلة، ومن أسرار الاستغفار أنه يعيد الإنسان إلى حالة التسليم لله، مما يمنحه إحساسًا داخليًا بالاطمئنان، فهو يعلم أن الله غفور رحيم، وأنه بذكره والاستغفار بين يديه، يضع همه في يد القوي القادر على تدبير الأمور.
* تأثير الاستغفار على الصحة النفسية والجسدية
تؤكد الدراسات الحديثة أن المشاعر السلبية، مثل القلق والتوتر، تؤثر سلبًا على صحة القلب والجهاز المناعي، في حين أن الطمأنينة الناتجة عن العبادة وذكر الله، ومنها الاستغفار، تساهم في خفض مستوى هرمونات التوتر مثل الكورتيزول، ما يؤدي إلى تحسين الصحة الجسدية بشكل عام.
* الاستغفار واليقين بالفرج
حين يستغفر الإنسان، فإنه يُذَكِّر نفسه بصفات الله: الغفور، الرحيم، الرزاق، اللطيف. وهذا الاستحضار يعيد ترتيب أولوياته ويجعله يدرك أن الله هو الذي بيده الفرج، مما يقلل شعوره بالعجز والضيق. يقول تعالى: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا* يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا* وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا﴾ (نوح: 10-12). فهذه الآيات تُبرز كيف أن الاستغفار يجلب الخيرات ويفتح أبواب الفرج.
* وفي الختام
فإن الاستغفار ليس مجرد علاج للذنوب، بل هو دواء للقلب، وسكينة للنفس، ووسيلة فعالة لتخفيف الضغوط النفسية، إذ يعيد الإنسان إلى حالة من الهدوء والسكينة والرضا واليقين بحكمة الله ورحمته، فليكن الاستغفار جزءًا أساسيًا من حياتنا اليومية، نردده بقلوب واعية، حتى نحقق به الطمأنينة والراحة.
* عنوان مقالتنا القادم بمشيئة الله تعالى: كيف يساعد القرآن في بناء الصحة النفسية؟
* طاب صباحكم، ونهاركم، وجميع أوقاتكم، جمعة مباركة، ونسأله تعالى أن يحفظ مجتمعنا، وأن يُبرِم لهذه الأمة إبرام رشد.
* مقالة رقم: (1865)
08. شعبان . 1446هـ
الجمعة .07.02.2025 م
باحترام:
د. محمد طلال بدران (أبو صُهيب)