“الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:
تمرّ حياة الإنسان بمراحل متقلبة، يتخللها الفرح والحزن، واليسر والعسر، والنجاح والابتلاء، وهذه طبيعة الدنيا التي وصفها الله بقوله: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ﴾ (البلد: 4)؛ -“كبَد” بمعنى تعب ومعاناة- ولكنّ المسلم يتميز في تعامله مع الأزمات النفسية بأنه يستمد قوته من إيمانه، فيجعل من المحنة منحة، ومن الابتلاء طريقًا للارتقاء، فكيف يواجه المسلم الأزمات النفسية بروح إيمانية؟
أولًا: فهم حقيقة الابتلاء والرضا بقضاء الله
حين يُدرك المسلم أن الإبتلاء جزء من سنن الحياة، وأنه اختبار لصبره وإيمانه، فقد قال النبي ﷺ: “عجبًا لأمر المؤمن! إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن؛ إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له” (رواه مسلم). فالرضا بقضاء الله والتسليم لأمره يجعل القلب مطمئنًا، ويمنع الغضب والتوتر.
ثانيًا: اللجوء إلى الله بالدعاء والعبادة
من أقوى الأساليب الإيمانية لمواجهة الأزمات النفسية: الدعاء، فقد وعد الله عباده بالاستجابة فقال: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ (غافر: 60). كما أن المحافظة على الصلاة وقيام الليل والذكر يُسهم في تهدئة النفس، فالله يقول: ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ (الرعد: 28).
ثالثًا: الاستفادة من قصص الصالحين والأنبياء
عندما يقرأ المسلم عن معاناة الأنبياء وصبرهم، يشعر بأنه ليس وحده في مواجهة الشدائد، فالنبي أيوب عليه السلام ابتُلي في جسده وأهله وماله لكنه صبر وقال: ﴿إِنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ (الأنبياء: 83)، فجاءه الفرج بعد الصبر.
رابعًا: التفاؤل وحسن الظن بالله
الإيمان يزرع في القلب التفاؤل مهما اشتدت المصاعب والمِحن، لأن الله وعد بالفرج بعد الضيق: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا، إنّ مَعَ العُسرِ يُسْرا﴾ (الشرح: 6). ذكر في الآية العُسر مرّةً واليُسر مرتين فلا يهزم عسرٌ يُسرَين،
والمسلم يحسن الظن بالله، ويوقن أن الله أرحم به من نفسه، فيستمد من ذلك القوة لمواصلة الحياة بثبات.
خامسًا: التوازن النفسي والاجتماعي
المسلم لا ينعزل وقت الأزمات، بل يتواصل مع الصالحين وأهل الاختصاص، ويطلب النصيحة، لأن في ذلك تخفيفًا للهموم، وقد قال النبي ﷺ: “المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا” (متفق عليه). كما أن ممارسة الرياضة، والتنفس العميق، والقيام بأعمال الخير تُسهم في تحسين الحالة النفسية.
خاتمة
إن الروح الإيمانية هي الحصن الذي يحمي المسلم من الانهيار أمام الأزمات النفسية، فهي تمنحه الصبر والرضا، وتفتح له أبواب الرجاء والأمل، ومن اتخذ من الإيمان سلاحًا، واجه الدنيا بثبات، ورأى في المحن دروسًا للارتقاء، ليخرج منها أقوى وأقرب إلى الله تعالى.
• عنوان مقالتنا القادم بمشيئة الله تعالى: دور العبادة في تحسين الصحة النفسية
* طاب صباحكم، ونهاركم، وجميع أوقاتكم، ونسأله تعالى أن يحفظ مجتمعنا، وأن يُبرِم لهذه الأمة إبرام رشد.
* مقالة رقم: (1857)
30. رجب . 1446هـ
الخميس .30.01.2025 م
باحترام:
د. محمد طلال بدران (أبو صُهيب)