مقالات

مولدُ الهادي البشير هو الربيع(10)

د. محمد طلال بدران (أبو صهيب)

هذه السلسلة يكتبها د. محمد طلال بدران – مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلامية(48)
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:
* أشْرَقَ الْكَوْنُ بِمَوْلِدِهِ، صلَّ اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ
بعد نزيفِ دماءِ العربِ، وهزائم العرب، وإهانة العرب، وإذلالِ العرب، واستباحة حرُماتِ العرب، وأهانة مقدّساتِ العرب، وتمزّقِ العرب، وتبعيّتهم المُذِلّة للفرس عبدة النار، وللروم المشركين، وبعد فُرقتهم وشتاتهم، وانهيار مجتمعاتهم، وتخلّفهم عِلميًا وعمليًا ومعرفيًا واقتصاديًا وسياسيًا وعسكريًا وأخلاقيًا واجتماعيًا، وقيامهم بقتل أولادهم خشية العالَة والفقر والإملاق، ووأدهم بناتهم خشية العار، وُلِدَ خير البشر، وُلِد الهُدى، وُلِد النور، وُلِد السراجُ المنير، وُلِد منقذ العرب منقذ البشرية برمّتها، ولقد شهِدت البشريّة بأسرها أن هذا المولد هو بمثابة حياة جديدة للعرب على وجه الخصوص، وللإنسانية على وجه عام، وبهذا المولد تراجعت جميع الشرور والآثام والأحقادِ والضغائن، ومن خلاله تم ترسيخ قيَم العدالة والمساوة بين جميع الخلق من البشر، فالتقى الأسوَدُ مع الأبيض والأحمر مع الأصفر، والسيّد مع العبد، وتبدلّت قيَمُ التفاضلِ بين البشر، فأصبح ميزانها التقوى، قال الهادي البشير عليه الصلاة والسلام: “أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى” (رواه أَحمد)
– لقد أنعم الله بمولد الهادي البشير على البشرية جمعاء بخيراتٍ وطيّباتٍ لا تُعدّ ولا تُحصى، وأولها نعمة التوحيد وثانيها نعمة الأمن والأمان والسّلمُ والسلام. حيثُ علَّم النبي الأميّ الهادي البشير العالم بأسره معاني الحياة السعيدة، فلم يدْعُ إلى تقطيع الناس بالمناشير، ولم يقذف الناس بالحِمَمِ أو البراميل المتفجرة، ولم يُسقط عليهم سوى سحائب الرحمة، ولم يُحارب العقول بالحَجرِ عليها، ولم يُصادر إرادة الناس، ولم يبْنِ السجون للزج بالمعارضين فيها، وأطلق مبدأ التفكّر والتّدبّر في طريقِ الهداية.
– ثم لم يُنشئ عليه الصلاة والسلام مملكةً من الظلم والجور ولم يحتكر الحقيقة، بل أطلق الحق في امتلاك المعرفة للناس جميعاً على مختلف ألسنتهم وألوانهم الأبيض منهم والأسود والأحمر والأصفر، للعبد وللسيّد، وحقّق بين الناس العدالة ناصعةً بيضاء، واستخدم في دعوته الحبّ كأقوى سلاح يصل به إلى قلوب المجرمين والكافرين والمشركين والعاصين فينتزع من قلوبهم البغضاء والكراهية والأحقاد، ويُضيف إلى مجرى الحياة في دماءهم حب الأوطان والأرض والإنسان، وليُصبِح معنًا للحياة، وأخرج الظلم من النفوس، وأذاب معالم المعركة بين الجنس البشري فلم يجد أحدهم أي سبب للقتال أو الكراهية أو العداء، من أجل مالٍ أو جاهٍ أو منصبٍ أو اي متاعٍ من أمتعة الدنيا الفانية الزائلة، وأصبح الدفاع عن الحق من أجل الحق هو الأساس، وتنافسوا في نشر التسامح والمحبة والأخوة في معاملاتهم ومجتمعاتهم وأوطانهم، وأصبح ميزان التفاضل بين الناس التقوى.
– يعتبر مولدُ الهادي البشير والسّراجِ المنير مبارك كأنّه سحائب رحمة سقطت على الكون، وغيْثٌ احتاجته البشريّة في زمن القحط العلمي والمعرفي والحضاري فتنزلت على الأرض ليرتوي منها البشر، ولينتفعوا بخيراتها، ولن ينقطع ذلك حتى قيام السّاعة.
– مما لا شك فيه أننا نعيش في زمان نعي جيّدًا ابتعاد موسم الشتاء الحضاري والمعرفي والقيَمي عن أوطان المسلمين ومجتمعاتهم، وكيف أثّر ذلك على النسيج بين العرب والمسلمين وحتى بين العالمين جميعًا، وإننا نرى بأم أعيننا بل ونعيش مواسم الجفاف والسّنين العِجاف، حيثُ تُعاني من تبِعات ذلك أمّة العرب وأمّة الإسلام، وكذلك البشريّة جمعاء، وأقول في ذلك لقد آن للعرب خاصّة وللمسلمين عامّة، ولعموم البشر، أن يستسقوا الحضارة والنمو من تراث هذا الدّين، ومن ترِكة الإسلام الغنيّة، ومن إرث القرآن العظيم، وسنّة الهادي البشير السراج المنير محمدًا ﷺ، تلك هي السحائب المباركة التي تحتاجها الأرض العطشى، والتي كاد ظمأ الجهل فيها والظلم والفوضى يأتي على بنيانها من القواعد.
– إنّ ميلاد محمدٍ ﷺ بمثابة الانقلاب الكوني، فمن لحِقَ واستثمر هذا الميلاد الذي جاء بأعظم منهج وأعظم كتاب لن يضلّ ولن يشقى، لقد قالها نبيّ الرحمة: “تركتُ فيكُم ما إن تمسّكتُم بهما لن تضِلّوا بعدي أبدا كِتابَ اللهِ وسنّتي”…
– صباحكم طيّب من طيب عبق مولد الهادي البشير، خير خلق الله محمد ابن عبد الله ﷺ.
– مقالة رقم: (1725)
13. ربيع الأوّل. 1446هـ
باحترام: د. محمد طلال بدران (أبو صهيب)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق